حينما ننظر فى الفلسفات السياسية الحديثة، نلحظ بوضوح أن (الفرد/المواطن) هو أساس تطور النموذج السياسى العالمى، الذى يكاد يحصر دور الحكومات فى ضمان تحقيق الحياة النوعية للشعوب، وهذا ما انعكس فى تسابق العالم نحو رصد مؤشرات رقمية تحاول التأكيد على تحقيق جودة المعيشة، كتلك التى تقيس طول الأعمار وحجم دخل الفرد وغيرها من المؤشرات. وبعد عقود من الدراسات العلمية والمئات من الممارسات الحكومية المتصلة بجودة الحياة، توقف العالم ليسأل عن يوتوبيا هذا المفهوم ومدى قابليته للتطبيق على أرض الواقع؛ فجودة الحياة هى شأن ذاتى متعدد الأبعاد، تتأرجح مؤشراته فى حالة «ديناميكية» تستجيب لأحداث الحياة فتنفعل بها وتتفاعل معها، وعلى سبيل المثال فإن فقدان الوظيفة أو المرض المفاجئ سيؤثر بكل تأكيد فى نظرتنا كأفراد ذوى انطباعات شخصية إلى مفهوم مصطلح جودة الحياة.
كان متوقعًا أن يبحث العالم عن رؤية أكثر واقعية لدور الحكومة وعلاقتها مع المجتمع، وكان أن ولدت تلك الرؤية الواقعية، من على ضفاف النيل، أرض الحضارة والعمران. ومن شعب اهتم بالعمل واعتاد عليه، وفى نفس الوقت عايش التجربة المرة بأزمات فكرية واجتماعية وسياسية. عبر سياقين، عام وخاص، جاء المشروع المصرى العملاق برعاية الرئيس عبدالفتاح السيسى، والمسمى (حياة كريمة) ليقدم طرحًا أكثر واقعية، طرحًا لا يتجاوز المؤشرات والمقاييس أو يتجاهلها، لكنه لا يحصر دور الحكومات وعلاقتها مع مجتمعها فى التقارير البيانية.
عبر سياق عام، توثقت فيه علاقة الرئيس بشعبه برابط المعايشة؛ فهو نموذج لقائد سياسى خرج من بين صفوف الشعب، وعاش حياتهم اليومية بمشكلاتها وتعقيداتها وأدركها بعمله الميداني. وعبر سياق خاص، فهمت فيه القيادة آمال المصريين وطموحاتهم، وآمنت بقدراتهم الكبيرة على مساندته والوقوف بجانبها من أجل النهوض بوطنهم، وهذا ما يفسر خطابات السيد الرئيس الموجه لرجل الشارع أولاً قبل غيره، فى لفتةٍ لأولويات القائد التنموية.
وبمجرد أن نعرف تفاصيل وأهداف مبادرة (حياة كريمة)، نكتشف مدى واقعيتها وبعدها التنموى الاستراتيجي؛ فالمبادرة تستمد قوتها من أشد نقاط الحكومات ضعفًا، وتنطلق من أهم العقبات الرئيسة التى وقفت لعقود أمام تحقيق تنمية حقيقية ينعم بها المجتمع المصرى، وهى التفاوت الكبير فى الخدمات والفرص بين الريف والمدينة، وبين الأقاليم والعاصمة، وهو نفس الجدار الذى تصتطدم به كل الخطط التنموية لحكومات العالم.
تلك الفجوة الاجتماعية بين الريف والمدينة كانت سببًا فى تعطيل طاقات بشرية هائلة يمثلها المجتمع الريفى، طاقات بمقدورها أن تغير الواقع المصري؛ إذا أتيحت لأهل الريف الفرص الجيدة من التنمية الإحيائية المستدامة، والتاريخ يشهد بما قدمه الريف المصرى وأبناء هذه الأرض المباركة. إن مبادرة الرئيس عبدالفتاح السيسى (حياة كريمة)، هى وقفة صحيحة ليس فقط مشروعا واعدا للنهوض بمصر ووضعها فى مكانها الريادى، بل أسلوب جديد فى قيادة الدول، ليؤصل السيد الرئيس مفهوم الكرامة الإنسانية، فى وعى كبير بواقع المجتمع المصرى، وفى مبادرة تعقل الحاجات الأساسية، وتراعى التباين والاختلاف بين بيئتنا والبيئة التى ولدت الفلسفات الإنسانية العريقة. إن (حياة كريمة) لن تسهم فقط فى تنمية الريف والنهوض بمصر على مختلف الأصعدة، بل ستقدم لعالمنا العربى نموذجا مشرقا لمقاربة تنموية شمولية، ننتظر ونتأمل من الإعلام أن يتحمل مسئولية رصد قصصها يوما بيوم، ويروى لنا حكاياتها من القرى المصرية! فنحن أمة فى أمس الحاجة إلى بث الأمل وإحياء الهمم، لنرى الوجود جميلا بعزيمة قيادة مخلصة وهمة شباب متعطش للإنجاز.
> أمين عام مجلس حكماء المسلمين
لمزيد من مقالات د. سلطان فيصل الرميثى رابط دائم: