رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

أفكار لها تاريخ (8) السلام برؤية إبداعية

لماذا هذا العنوان على هذا النحو؟ لأن السلام برؤية تقليدية أصبح بلا فاعلية، ومن ثم كان من اللازم البحث عن بديل لهذه الرؤية، والبديل هنا يلزم أن يكون رؤية إبداعية. وقد وُلد هذا البديل فى عامى 1996، 1998 وذلك بمناسبة مرور خمسين عاماً على تأسيس منظمة الأمم المتحدة، ومرور مائتى عام على صدور كتاب: «مشروع للسلام الدائم» للفيلسوف الألمانى كانط. وفى عام 1995 انعقد مؤتمر دولى تحت عنوان: «سلام مبدع عبر ملتقى ثقافات العالم», وبتدعيم من مؤسسة هانس سايدل الألمانية. وصدرت الأبحاث فى عام 1996 وكان محررها الفيلسوف الألمانى هينرخ بيك لأن عنوان المؤتمر هو عنوان مشروعه عن السلام. واللافت للانتباه هنا أن مشروع السلام من هموم فلاسفة ألمانيا منذ القرن الثامن عشر إلى القرن العشرين. والسؤال إذن: ما الفارق بين مشروع كانط ومشروع بيك؟ مشروع كانط محكوم بحق المواطن فى أن يكون مواطناً عالميا ومواطنا محليا فى آن واحد، أما مشروع بيك ففكرته المحورية أن ثمة ثقافات متعددة من بينها ثلاث ثقافات رئيسية: الثقافة الأوروبية، والثقافة الأفروآسيوية، وثقافة أمريكا اللاتينية. إلا أنه مهموم فقط بالدور الذى يمكن أن تؤديه كل من الثقافتين الأوروبية والأفروآسيوية فى مسار السلام. والرأى عنده أن الثقافة الأوروبية تتميز بإعلاء شأن العقل إلى الحد الذى يقال عنها إنها ثقافة عقلانية وعلمية. أما الثقافة الأفروآسيوية فتتميز بأنها روحانية. ومع ذلك فإن كلا منهما لايخلو من التميز الذى يتسم به الآخر، بمعنى أن الثقافة الأوروبية بها نكهة روحانية، والثقافة الأفروآسيوية بها نكهة عقلانية. إلا أن اللافت للانتباه على نحو ما يرى بيك أن النزعة الانسانية غائبة لدى الثقافتين.

وفى هذا السياق يصبح الطريق إلى السلام مغلقاً. ومن أجل أن يكون مفتوحا ثمة أمران لازمان. الأمر الأول أن نصطنع مزيجا مركبا من الثقافتين العقلانية والروحانية لتكوين إنسانية متكاملة. إلا أن هذا المزيج لن يتحقق إلا بفضل أمر ثالث وهو الفلسفة فى معناها الحرفى حب- الحكمة. وعندئذ يتم اللقاء المبدع بين الثقافتين ويتحقق السلام ومن ثم يمتنع السقوط فى هاوية الاغتراب عن الكون الذى يسببه التخريب التكنولوجى الناتج عن الثورة العلمية والتكنولوجية. وفى هذا السياق يولد نوع جديد من البشر محب للسلام الدائم على حد تعبير كانط. هذا موجز لمؤتمر عام 1995 أما مؤتمر عام 1998 فقد انعقد فى القاهرة بتنظيم من الجمعية الفلسفية الأفروآسيوية التى أسستها فى عام 1978 لبث روح التنوير فى الشعوب الأفروآسيوية وكان من بين المشاركين هينرخ بيك. وكان عنوان المؤتمر الإبداع وسلام العالم. المصطلح الجديد سلام العالم مردود إلى أن السلام لن يكون من شأن دولة عظمى أيا كان ادعاؤها لأننا الآن أمام كوكب الأرض المتحرر من أى تقسيمات مصطنعة سواء كانت عرقية أو جغرافية أو دينية، وقد تحرر برباعية كنت قد ارتأيتها على أنها رباعية القرن الحادى والعشرين وهى على النحو الآتي: الكونية والكوكبية والاعتماد المتبادل والإبداع.

وحيث إن كل مكون من هذه المكونات الأربعة ينطوى على تناقض فالتناقض فى الكونية يكمن فى لزوم رؤية الكون من خلال الكون وقد اعتدنا على رؤية الكون من خلال الأرض. والكوكبية تعنى أن رؤيتنا لكوكب الأرض من خلال الكون تكشف لنا عن أنه من غير تقسيمات فى حين أنه الآن مملوء بالتقسيمات. والتناقض فى الاعتماد المتبادل كامن فى لزوم إلغاء الشعار القائل الاستقلال التام أو الموت الزؤام لأن العلاقات بين الدول والشعوب الآن لا يستقيم معها هذا الشعار. والآن نحن أمام مشروعين للسلام. والرأى عندى أن مشروع السلام لدى هينرخ بيك يخلو من تناول ظاهرة كوكبية ليس فى الامكان تجاهلها لأنها تؤدى دورا جوهريا فى تخريب أى مسار للسلام وهى الأصوليات الدينية التى تتميز بالارهاب، وهو الأمر الذى دفعنى إلى إصدار كتاب عنوانه: الأصولية وإرهابها فى عام 2016. وقد جاء فى مقدمته الفقرة التالية: البحث فى الأصولية من همومى الفكرية وهى كذلك لأنها تدعو إلى إبطال إعمال العقل فى النص الدينى، ثم هى كذلك لأنها تفشت فى الأديان القائمة فى هذا الزمان. وفى النهاية هى كذلك بسبب دخولها فى علاقة عضوية مع ما أطلقت عليه مصطلح الرأسمالية الطفيلية، وكنت أقصد بهذا المصطلح توظيف رأس المال فيما هو غير مشروع مثل تجارة المخدرات وبيع الأسلحة للميليشيات المسلحة المنشقة عن مسار الحضارة العلمانية. وكان من شأن هذه العلاقة مولد الارهاب الذى يستند إلى ميليشيات مسلحة غايتها إحياء رؤى ماضوية لا تتسق مع منطق الابداع الذى هو فى الآن نفسه منطق العقل بحكم تعريفى للابداع أنه قدرة العقل على تكوين علاقات جديدة من أجل تغيير الوضع القائم المأزوم. وأضيف بأن التغيير المنشود مرهون بوضع قادم، أى برؤية مستقبلية لا تستقيم مع أى رؤية ماضوية. وفى هذا السياق يتحقق سلام دائم لكوكب الأرض.


لمزيد من مقالات د. مراد وهبة

رابط دائم: