بعد نحو ٢٠ عاما أمضتها حركة طالبان الأفغانية تحارب القوات الأمريكية، مستغلة التضاريس الوعرة و «جحور» أفغانستان المنتشرة بين جيوب مناطقها وأقاليمها، إلا أن حظوظها تغيرت بعد أن ظهر الرئيس الأمريكى جو بايدن فوق «منصة كابول» ليعلن تنفيذ الانسحاب بنهاية أغسطس المقبل، لتبتسم قيادات طالبان فى زهو ونشوة لما يمثله القرار من هدية ذهبية لاستمرار الزحف على مناطق جديدة واقتناص فرصة الفراغ الأمنى والضعف السياسى لفرض السيطرة الميدانية على أكثر من ٨٥ ٪ من أراضى البلاد، وما ينجم عن ذلك من نتائج وعواقب تبدد مشوار عقدين من الغزو الأمريكى الخادع!
كشفت صحيفة «تليجراف» البريطانية عن أن أفغانستان حاليا محاصرة بمخاوف عودة طالبان للانتقام وتصفية الحسابات من حكومة الرئيس أشرف غنى التى ارتمت فى الأحضان الأمريكية، وتسارع الحركة المتمردة للاستيلاء على المحافظات الحيوية وأبرزها حى ألمار فى محافظة فارياب. عندما حاصرت عناصر طالبان لأسابيع مناطق الحى، وعانت القوات الحكومية من نقص فى إمدادات الطعام والذخائر، لاسيما وأن «ألمار» من المناطق الريفية التى تحظى بقبول ووجود طالبان لكراهية يحملها أبناء تلك المناطق تجاه الحكومة الأفغانية المتورطة فى فساد سياسى ومالى. وأشارت الصحيفة إلى أن المشهد وضع إدارة بايدن أمام خيارين شديدى الإحراج، الأول أن يضطر إلى تنفيذ الانسحاب الأمريكى فى الموعد المحدد، وبما يمنح طالبان مساحات أكبر للاستحواذ على المزيد من المناطق، أو الإبقاء على حفنة من القوات الأمريكية لدعم القوات الحكومية لإحياء محادثات السلام «الكرتونية» بين الجانبين . واستندت «تليجراف» إلى شهادة الجنرال كينيث ماكينزى، القائد الأعلى للقوات الأمريكية فى الشرق الأوسط التى تحذر من «قتال شرس» ينتظر القوات الأفغانية ميدانيا فى ظل غياب الدعم العسكرى المباشر من واشنطن، حتى مع استمرار تمويل الولايات المتحدة للجيش الأفغانى، فبدون وجود القوات الأمريكية قد يشهد الموقف الأمنى المزيد من التدهور لصالح طالبان وأطماعها فى ابتلاع كل أرض أفغانستان، وبسرعة أكبر، خصوصا مع تراجع عدد القوات الأفغانية من ١٣ ألف مقاتل العام الماضى إلى ٣٥٠٠ العام الحالى، وإغلاق عدد كبير من القواعد العسكرية، فضلا عن تضاؤل جهود المخابرات والغطاء الأمنى. ولاريب أن قرار الانسحاب فتح شهية طالبان لاستعادة ما خسرته من سلطة فى ٢٠٠١ . وهو ما ينذر بنمو خلايا إرهابية كداعش والقاعدة. وتستعد المرأة الأفغانية لدفع الثمن من كرامتها وإنسانيتها، وباتت مهددة بفقدان ألقاب «النائبة» و«الوزيرة» و«القاضية» لتتجرع مرارة الماضى حينما جردتها طالبان من معظم الحقوق، ومنعت الفتيات من الذهاب إلى المدرسة.
وإذا كانت الساحة مفتوحة لصولات وجولات طالبان ببنادقها وكهوفها، فهى مباحة بالمثل أمام قوى إقليمية تتحين لحظة «الخروج الأمريكي» لتزرع أقدامها فى التربة الأفغانية الخصبة، ومن ثم دق المركز الأوروبى لدراسات مكافحة الإرهاب والاستخبارات ناقوس الخطر، بظهور أطراف دولية تستهويهم لعبة أفغانستان، فهى إحدى الدول الأشدّ فقراً فى العالم وتعتمد بشكل كامل على المساعدات الأجنبية، وأيضا تملك احتياطيات معدنية يثير استخراجها اهتمام الدول المجاورة، خصوصاً الصين والهند. ومن ضمن صفقة الانسحاب، اعتماد الولايات المتحدة على تركيا فى تولى مسئوليات أمنية بديلا عن القوات الأمريكية، وتحديدا تأمين مطار كابول.
ولن تقبل إيران بموقف المتفرج على «الغنيمة الأفغانية»، وما بابها المفتوح لرعاية حوار سياسى بين قيادات طالبان وحكومة «غنى» فى طهران إلا التفاف حول العنق الأفغانى وتخدير الأطراف المتنازعة على السلطة لإيجاد ثغرة مناسبة تزرع منها ميليشياتها الشيعية فى كهوف وجبال أفغانستان وينطلق فصل آخر دموى من «حرب الوكالة».
لقد عادت طالبان لتنتقم من الجميع، وخيار الانسحاب الأمريكى أثار لعاب «غزاة العصر» لتستيقظ أفغانستان على حياة مزعجة يحكمها منطق الكهوف، وحرب الجبال!
رابط دائم: