ماذا لو قررنا أن نغادر كل أزمات واقعنا ونخلو فقط و«بهية»؟، ماذا لو قررنا تجاوز كل خلافاتنا وأحزاننا وهزائم أيامنا لنعبر إلى لحظات عيد فى براح (بهية)؟، ماذا لو قررنا أن يكون العيد رواحٌا فى عيون “بهية”؟، تَلْمَح كلماتى يدٌ تدفع أصابعها نحو السطور لتطويها، ولسان صاحبها ينطق من بين شفتين تزومان (ربِنا يكفينا شر داء الفِكْر)، تُناديه الكلماتُ مُلْتَمِسَةً منه الاستمرار فى صُحبتِها، لَكِنَ صاحبنا يُحاوِل الفِكاك من الوقوع فى شَرَكْ الحالمين،فأيُ حلم ذلك الذى تُطالبنا به كلماتٌ أنبتها واقع الكد سعيًا على المعايش؟، وأى تحليقٍ يُرجى ممن أثقلت خُطاه حساباتٌ لا تنتهى لمستلزماتِ حياةٍ لا تَشبع؟، وأيُ رواحٍ ينشدُه مَنْ تُحاصره عواجل الأخبار بتجليات أيام عنوانها الفوضى التى سرَتْ، فأنبتت أوطانًا مبتورة الأوصال، مقطوعة العُرى ومغدورةَ الآمال؟، ثمَّ أيُ “بهية” تلك التى تستهدفها الكلمات والتى نعرفها تاهت بين الزاعقين مؤامرةً ومعارضةً وتأييدًا ومُتاجرة حتى استحالت عيونها المُكَحَلة بسُمْرة نيلها مُهددةً فى مِكحلها؟!.
تُصاحب كلمات الأمل صاحبنا مواسية، تُذكرُه بالحبيبة التى علاها رُكام واقع سنواتٍ فسدت وأفسدت، وتتلو على آذان فؤاده آيات اليقين القديمة «قَالَ وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلاَّ الضَّالُّونَ»، وحينَ تَلِج الكلمات إلى الروح تَروح إلى حيث إيمانٌ قديمُ الاختمار فى الوعى المصري، وعتيق الارتباط بوطنٍ يُختصر محبوبةً قادرة وإن وَهنَت، وقاهرةً ولو بأسباب الإخضاعِ قُهِرت، “بهية” مُلِهمَة كل من أنبتته طينتها، وآسرة لكل من إلى هواها هوى، وطاغيةٌ فى استعصائها على كل أصحاب المآرب، وطارحة لكل بادرات الإدهاش كلما استبد الجفاف بطرح العقول، يُحيلنا هكذا استحضار للمحروسة “بهية” إلى رفض محاولات المتربصين بها إقامة سدود بين أهلها والآفاق كل الآفاق، سدودٌ من شكٍ فى كل قدرة، وتشكيكٍ فى أى مقدرة، وإنكارٍ لخيراتٍ اختص الله بها “بهية” وبنيها، واستنكارٍ لمُبادرات استرداد الثقة فى الذات، سدود ختمتها يد التيئيس بخاتم عنوانه (ما فيش فايدة)، وشيدته خطاباتٌ دينيةٌ تُنكر على بنى “بهية” براح دينهم، وخطاباتٌ فنية تفرض الرفض زعيقًا من أجيال استُهدِفَ فصلها عن كل مكمن جمال فى منبتها، وخِطاباتٌ سياسيةٌ تُتاجر بالآلام قبل الأحلام أملًا فى حجز موقع على ملعب لا تتغير ألعابه ولا خططه ولا نتائجه، وخطاباتٌ إعلامية قادرة على أن تبيع نفس البضائع لكل من يدفع، إنها سدودٌ تعقبها سدود وعلى طرفيها تئنُ “بهية” انتظارًا ويئن عشاقها مُكابدة.
بين كلمات الأمل وواقعنا مسافاتٌ يختصرها الله فى أيامه بنفحاتٍ عنوانها الأعياد، وبين الأعياد والفرحة علاقةٌ وثيقة تُنبتها أيادى القدر بنفحاتها، ليُصبح على كل مؤمنٍ أن يُجَدد الأمل فى روحه فرحة، وأن يُحيى موات الأيام بالابتسام وإن اصطُنع، وأنْ ينتصر لوطنه المستهدف باستحضار الحياة سعادة، وأنْ يقاوِمَ حصار جيوش الإحباط التى تفرضها علينا أيام عالمية عنوانها الفوضى، وأنْ يواجه جراثيم التطرف السارية فى محاضننا بمضادات الفرحة المصرية المُستحضرة من ندى عشق «بهية» الطازج، إنّها ليست محض أطروحاتٍ عاطفية استهلاكية، وإنما هى مبادرة حياة نواجه بها كل مواتٍ فرضته علينا إدارة ميلاد (العالم الجديد)، وهى المُبادرة التى تُحيل كل مُحتفلٍ بعيد على أرض المحروسة إلى أن يخلو لنفسه مع “بهية” مُحاولًا استدعاء ما كان من أبسط أسباب الفرحة التى فى قلبها سكنت ومنه أينعت، فالذى بين “بهية” وبنيها ولاءٌ قديم المنشأ الجيني، وانتماءٌ يتوارثه الأجيال ذكرياتٍ تختصرها أماكن وحكاياتٌ ونكات، وبهما يغدو العيد لحظة تدبر فى عيون “بهية” تُحيلنا إلى أصلٍ لا تكسره فوضى ولا يغير خريطته عالمٌ جديد، ولا يأسر دينه تنظيم أو جماعة، ولا تسمو روحه إلا بكل بديع، عيدٌ يتفجر فى عيون بهية ليسرى نيلًا يؤذن بصبح عليها وعلينا قريب (يَا أهْل مَصْر المحروسة … عِيدْنَا أدَانُه نِيل - يِفُك خِيلنَا المَحْبُوسَة، ويِجْلِى شَمْس أَصِيل - حَمَى نَبيه موسى، وحَفَظ قُرْآنَّا والإنْجِيل - يَا أهل عيد المحروسة : ليكوا بهية دليل)، أضحى سعيد يارب.
لمزيد من مقالات عبد الجليل الشرنوبى رابط دائم: