رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

طالبان و«إمارة الظلام»

تمر أفغانستان بمرحلة صعبة وخطرة، ليس فقط بالنسبة لأهلها، وإنما أيضا بالنسبة لمحيط إقليمى ودولى كبير، سوف يتأثر حتما بما سيحدث فى هذا البلد المنكوب بعملية إرهاب أسود تقودها حركة طالبان ترفع شعار حكم الشرع الإسلامى، وهى أول من تتجاوز وتنقض قواعده ومبادئه السامية. قد يعتقد البعض سواء فى الداخل الأفغانى أو فى الخارج أن حركة طالبان قد تغيرت طيلة العشرين عاما الماضية، وهو زعم قاله أحد الأفغان فى حوار مع قناة فضائية عربية باعتباره مديرا لأحد مراكز الدراسات فى العاصمة كابول. وهو أحد الذين أعلنوا منذ عدة سنوات انشقاقهم عن حركة طالبان، وباتوا يعيشون بحرية وأمان فى ظل الحكومة الأفغانية التى وفرت لهم مصادر دخل وفرص عمل، كجزء من سياسة الاحتواء وتحقيق السلام مع الحركة. وكثير من هؤلاء، صار لهم نفوذ معنوى فى مناطق سيطرة الحكومة الأفغانية، ولكنهم لم يتخلوا عن أفكار الحركة وكانوا بمثابة امتداد لها، ويدافعون عن مطالبها فى ضرورة خروج القوات الدولية وعودة الحكم كاملا إلى الحركة.

مع إعلان الولايات المتحدة قرار الانسحاب، أدعى هؤلاء أن طالبان الآن وبعد عقدين من القتال مع الجيش الأفغانى والقوات الدولية، قد تعلمت الكثير، وأن الوصول إلى الحكم وحده لا يكفى، بل يجب أن يصاحب ذلك اعتراف دولى بكونها الحاكم الأوحد والمسيطر على البلاد. وهم يزعمون أن الحركة لا تسعى إلى الحكم بالقوة، وأن لديها الآن نظرة متطورة بشأن المرأة والتعددية فى المجتمع، وأنها أثبتت هذا التغير من خلال قبولها مبدأ الحوار مع الحكومة الأفغانية التى يرأسها الرئيس أشرف غنى.

مثل هذا الكلام قياسا للواقع هو خداع مكشوف، وإفتراء على الحقائق الدامغة التى تثبت نفسها يوما بعد آخر. فالحركة لا تنظر إلى الحوار مع الحكومة إلا كوسيلة لتخفيف الضغوط السياسية عليها، وبالرغم من حدوث عدة لقاءات بين ممثلى الحركة والحكومة فى الدوحة وطهران، فلم يصل الحوار إلى نتائج محددة، وكل ما تؤكد عليه طالبان هو الإفراج عن المسلحين التابعين لها، وهم فى حدود 8 آلاف مسلح، ولا يخفى أن الغرض الرئيس هو دعم القوة البشرية للحركة فى مواجهة الجيش الأفغانى الذى بات عليه مهمة الدفاع عن البلاد، ومنع وقوعها فى حالة فوضى تسعى إليها طالبان بقوة. أما التوصل إلى تسوية سياسية وأن تكون الحركة شريكا فى الحكم إلى جانب القوى السياسية الأخرى، فهو لا يمثل لها أى اعتبار، حيث يسودها شعور جارف بالقوة والقدرة اللا متناهية على السيطرة الكاملة على الحكم بدون منازع، وإعلان إمارة إسلامية.

تتحرك طالبان وفق أسلوب حرب العصابات الذى يمثل إنهاكا وتحديا كبيرا للقوى النظامية بشكل عام، واستنادا إلى الرغبة الجارفة لتثبيت الهيمنة على أى منطقة يسيطر عليها مسلحو الحركة، يقوم هؤلاء المسلحون ببث الرعب لدى السكان، ويفرضون عليهم إطلاق اللحى والتبرؤ من العمل فى الدوائر الحكومية، والويل لمن يبدى قدرا من الممانعة. كما ينفذون عمليات إعدام فورية فى أماكن عامة لمنتسبى الحكومة والجنود النظاميين الذين تنفد ذخائرهم أثناء الدفاع عن مواقعهم. وقد أشارت تقارير أمريكية قبل أسبوع إلى إعدام مجموعة من الجنود على أيدى مسلحى الحركة بعد اضطرارهم للاستسلام، معتبرة أنها جريمة حرب تتطلب موقفا دوليا رادعا. وهى حادثة أو بالأحرى جريمة حرب وضد الإنسانية من بين العديد من الحالات التى وثقها مواطنون أفغان عاديون فى أكثر من مديرية وقرية، لكنها لا تجد الاهتمام الكافى بالنشر لا سيما وسائل التواصل الاجتماعى التى تمنع نشر مقاطع الفيديو باعتبارها تحتوى على عنف صارخ، وهو ما يدفع مسلحى طالبان الى التمادى فى مثل هذه الممارسات التى تُعد جرائم حرب بامتياز.

استراتيجية طالبان فى الزحف المتدرج وبث الرعب وإثارة الفوضى وهدم المبانى الحكومية وتخريبها بعد السيطرة عليها، هى نفسها الاستراتيجية التى اتبعها تنظيم داعش فى كل من العراق وسوريا منذ 2014 وحتى هزيمة ما كان يعرف بدولة الخلافة الإسلامية 2017. وهى استراتيجية مستقاة من أحد أهم كتب التنظير للجماعات الارهابية والمعروف باسم إدارة التوحش، لمؤلف يُدعى أبو بكر ناجى، والذى يُعتقد أنه اسم حركى، وأن مؤلفه الحقيقى أحد اثنين من كبار منظرى الإرهاب, وهما أبو مصعب السورى، أو محمد خليل الحكايمة وكنيته أبو جهاد، وكلاهما عاشا فى أوربا لفترة ومرا على أمريكا، وقُتلا لاحقا. والكتاب من تراث تنظيم القاعدة والجهاد ضد غير المسلمين.

هذا الكتاب يضع الإرهاب والعنف والفوضى الجارفة وسيلة أساسية لبناء ما يرونه المجتمع الإسلامى على انقاض المجتمع الذى يصفونه بالكفر، ويسوغ المبررات لقتال الأعداء البعيدين والقريبين معا. ويُعد الفصل الثالث بمثابة استراتيجية لإدارة الجماعات الإرهابية حالة الفوضى المترتبة على عملية إنهاك الحكومة القائمة، وما ينتج عنها من حالة بدائية يحارب الناس بعضهم بعضا، وهو ما تستغله الجماعات الارهابية المنظمة فى السيطرة على المجتمع المُنهك من خلال ممارسة أقسى درجات التوحش والعنف بغرض السيطرة على السكان وترويضهم وتجنيد بعضهم فى صفوف الجماعة، ثم إقامة ما يرونه مجتمعا إسلاميا تقوده الجماعة منفردة.

الأفكار التى تؤمن بها طالبان وتتحرك على أساسها هى انعكاس مباشر لهذه الاستراتيجية، ولا ننسى أن طالبان حين سادت أفغانستان وانشأت إمارتها الإسلامية نهاية التسعينيات كانت بمثابة الملاذ الآمن للقاعدة، ولجماعات ارهابية متنوعة، وما تفعله الآن هو الحلم القديم الجديد، إنشاء إمارة يسودها الظلام والتخلف، مع الإدعاء بهتانا وزورا أنها تطبق الشرع الإسلامى.


لمزيد من مقالات د. حسن أبوطالب

رابط دائم: