رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

عبدالعزيز فهمى ومسألة تعدد الزوجات (15)

لا يتركنا عبدالعزيز باشا فهمى , قبل أن يوفى الموضوع من كل جوانبه , مؤكدًا أنه لا إشكال فى النصوص , فالآية الأولى ـ كما سلف ـ لم تأت قط للتصريح بتعدد الزوجات , وإنما للتقريع على نكاح اليتامى طمعًا فى أموالهن , بينما لدى الطامعين متسعُ فيمن يطبن لهم من الأخريات مثنى وثلاث ورباع , ونبهت الآية حتى لا يُساء الفهم , إلى لزوم الاقتصار على واحدة ضمانًا للعدل الذى يستحيل تحقيقه حتى مع الحرص عليه , وأنه حين جأر المسلمون بالشكوى مخافة عدم العدل بين زوجاتهم المتعددات على عادة العرب , وذهبوا إلى النبى عليه الصلاة والسلام بقلوب واجفة يسألون عما يتوجب عليهم , هل يفارقون ما زاد على الواحدة , أم أن لهم مخرجًا من لطف الله وكرمه , وفى الدين الإسلامى بيسره وسهولته . فاتجهوا ونبيهم إلى الله واجفين من هذه المحنة التى طرأت عليهم , فلطف الله تعالى بهم , وبيّن مراده بأن أنزل قوله : «فَلَا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ» .

بيد أن ذلك لم يكن تنظيمًا للمستقبل الأبدى , بل مواجهة للحالة الوقتية الناشئة عن تلك المحنة التى وجد النبى والمسلمون أنها حائقة بهم . وكان العلاج الوقتى لا الأبدى فى مراعاة العدل بين الزوجات المذكورات بقدر الاتساع , وأنه لا محل من ثم لمفارقتهن عدا واحدة .

ويضيف الأستاذ عبدالعزيز فهمى أن هذا الفهم المستفاد من اضطراب المسلمين وشكواهم إلى الله وتخفيفه سبحانه على الوجه المذكور ـ الذى هو مجرد تخصيص أو بيان لحكم « فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً « من جهة زمان تطبيقه , هو فهم تؤيده نصوص القرآن ذاته , ذلك أن الآية التى ورد فيها قوله تعالى : «فَلَا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ» إنما نزلت ضمن ما نزل بعد قوله تعالى فى الآية (127) التى ورد فيها قوله عز وجل : «وَيَسْتَفْتُونَكَ فِى النِّسَاءِ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ وَمَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ فِى الْكِتَابِ فِى يَتَامَى النِّسَاءِ اللَّاتِى لَا تُؤْتُونَهُنَّ مَا كُتِبَ لَهُنَّ وَتَرْغَبُونَ أَن تَنكِحُوهُنَّ ...».

ففى هذه الآية ما يؤيد أن المسلمين العرب ضجوا بالشكوى من المحنة التى وجدوا أنها نزلت بهم , فاستفتوا النبى . وأنت ترى أيضًا أن هذه المحنة المشكو منها والمستفتى فيها ـ أشار القرآن إليها وإلى موضوعها إشارة واضحة , وذلك بتصريحه بأن الاستفتاء هو فى النساء , ثم تصريحه بأن فتواه هى ما سبقت تلاوته عليهم فى القرآن فى يتامى النساء اللاتى كان العرب يأكلون أموالهن ويريدون أن يتزوجوهن لهذا الغرض, أى تذرعًا لأكل أموالهن . والذى سبقت للقرآن تلاوته عليهم فى هذا الصدد إنما هو قوله تعالى فى الآية الثالثة من السورة : « وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِى الْيَتَامَى فَانكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً .. «

ولا شك فى أن إشارة القرآن فى الآية (127) إلى الآية (2) المذكورة إنما هو توكيد منه لهذه الآية ولفت نظر إلى وجوب العمل بها .

على أن القرآن لم يكتف بهذا التوكيد المفهوم بطريق الاشارة والإيماء , بل إنه ـ كيلا يتأول العرب أى تأويل فى معنى خوف عدم العدل المفهوم من قوله تعالى : « فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً « ـ قد سارع من قبل قوله : « فَلَا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ « إلى قوله سبحانه : « وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ « , فكأن هذا زيادة تثبيت منه ـ كما هو واضح ـ لمقتضى قوله تعالى : « فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً», فكان ذلك بيانًا منه واضحًا لوجوب العمل بقوله هذا ـ فى المستقبل , وتأكده تأكدًا محتومًا .

فعبارة « فَلَا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ» المراد الاحتجاج بها ليست إذن ــ يعلم الله ــ سوى حكم وقتى ينقضى بانقضاء الموجود من الزوجات عند نزولها مهما يكن عددهن . ومن المستبعد عقلا أن تكون كزعمهم تنظيمًا أبديًّا للسير عند تعدد الزوجات إلى أربع، أو إلى ثمانى عشرة كنظريات المتطرفين, إلاَّ إذا قيل إن الله تعالى قد ألغى قوله: « فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً»، أو أنه عز وجل بعد أن أوجب على الناس تشغيل عقولهم، عاد ــ وحاشاه سبحانه ــ فأجاز لهم تأويل كلامه !!!

ومتى فهمنا عبارة «فَلَا تَمِيلُوا كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ» على هذا الوجه المعقول الموافق لأصول التشريع أبعدنا عن نصوص القرآن شبهة التعارض والإشكال والنسخ, وعن الدين شبهة ظلم النساء المتزوجات فعلاً إذ ذاك بلا موجب اجتماعى أو دينى، وعن مسلمى ذلك الوقت مضض العنت الناجم عن إلزامهم بترك وتسريح بعض الزوجات بلا ذنب !!

وبلغ من حرص الأستاذ العلامة الضليع, على أمانة البحث والرأى, أن كرر القول بأن القرآن الكريم لم يحرّم تعدد الزوجات بنص صريح قاطع خاص, وأن ما كان قد ذكره فى حديثه الأول عن تحريم التعدد, إنما كان من باب الاستنتاج من الآيتين (3) و(129) من سورة النساء , واحتياطًا بوصفه مسلمًا يجب أن يعنى بإبداء ما يغلب على ظنه أنه هو مقصود آيات الكتاب وشريعته . وللحديث بقية.


لمزيد من مقالات ◀ رجائى عطية

رابط دائم: