رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

عبدالرحمن الكواكبى وأُم القُرى

فى هذه الأيام المُباركة من كُل عام والتى يقوم فيها الحجيج بإتمام مناسك فريضة الحج، يأتى إلى ذهنى اسم الشيخ عبدالرحمن الكواكبى (1855-1902) أحد رواد فكر النهضة العربية فى النصف الثانى من القرن التاسع عشر. وُلد هذ الشيخ العظيم فى مدينة حلب وبسبب ايمانه بالحرية وكثرة انتقاداته لظُلم السُلطات العثمانية وسوء إدارتها للبلاد، تعرض للاضطهاد فترك بلاده وسافر إلى الهند ومناطق السواحل الجنوبية للصين والساحل الشرقى لإفريقيا حتى قدومه لمصر فى عام 1898 والتى عاش فيها أربع سنوات حتى وفاته، ودُفن فيها.

ورغم أن الكواكبى قد مات وهو دون الخمسين من عمره، فقد ترك عشرات المقالات، وكتابين كان لهما تأثيرهما البالغ على أجيال متتالية من المُفكرين العرب فى القرن العشرين. الأول هو طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد الذى حلل فيه نظم الحكم الاستبدادية والتى سادت وقتذاك، والعوامل التى تُوجِد البيئة المناسبة لظهور الاستبداد والطُغيان، والآثار النفسية والاجتماعية الكارثية التى يخلفها الاستبداد على نفوس الأفراد والجماعات، فقال إن أقل تأثير له فى أخلاق الناس هو أنه يُرغم حتى الأخيار منهم على أُلفتِه فيتعايشون معه ويُصبح لديهم من أمور الحياة اليومية، ثُم يُوصى بما يجب اتباعه لمنع ظهور الاستبداد. وكتب ان تحليله لأسباب التخلف التى لحقت بالعالم الإسلامى أوصلته إلى نتيجة هى انه لقد تمحص عندى ان أصل داء الانحطاط هو الاستبداد السياسي، ودواؤه هو الشورى الدستورية.

أما الكتاب الثاني، موضوع هذا المقال، فهو أُم القُرى الذى تخيل فيه الكواكبى جمعية عمومية تنعقدُ فى مكة المُكرمة فى موسم الحج ويحضرها مندوبون من كُل الشعوب المُسلمة. انطلق الكواكبى من مفهوم حالة الفتور العام الذى أصاب كافة أعضاء الجسد الإسلامى.

وسجل كيف جاءته فكرة هذه الجمعية العمومية،فكتب (دعت الجمعية بعض أفاضل العلماء والسراه والكتاب السياسيين للبحث عن ذلك – ويقصد حالة ضعف المسلمين-والتنقيب عن أفضل الوسائل للنهضة الإسلامية، فأخذوا ينشرون آراءهم فى ذلك فى بعض الجرائد الإسلامية الهندية والمصرية والسورية والتاتارية وقد اطلعت على كثير من مقالاتهم الغراء...ثُم بدا لى أن أسعى فى توسيع هذا المسعى بعقد جمعية من سُراه الإسلام فى مهد الهداية مكة المكرمة). وطلب من كل مندوب أن يُقدم بيانًا عن حال بلده يوضح فيه موضع الداء، وأعراض الداء، وجراثيم الداء، وما هو الداء، وما هى وسائل استعمال الدواء حتى يُمكن تحرى جميع الآراء والمُقارنة بينها.

وأسبغ الكواكبى على هؤلاء المندوبين ألقابًا ومُسميات، فكان هُناك الأستاذ المكي، والمولى الرومي، والرياضى الكردي، والصاحب الهندي، والعالم النجدي، والعلامة المصري، والفاضل الشامي، والخطيب القازاني، والمُجتهد التبريزي، والسعيد الإنجليزي، والبليغ القدسى.

ويعرض الكتاب للبيانات التى أدلى بهاالمندوبون والمناقشات التى دارت حولها والتى يتضح من مُراجعتها أنها تدور حول حقيقة واحدة وهى أن تخلف المسلمين يَعود إلى عِلة رئيسية وهى الحكومة السيئة النابعة عن الاستبداد. وعلى لسان المولى الرومي، كتب الكواكبى (وعندى أن البلية هى فقدنا الحرية، وما أدرانا ما الحرية. هى ما حُرمنا معناه حتى نسيناه، وحُرم علينا لفظه حتى استوحشناه). لا ينقسم هذا الكتاب إلى فصول بالمعنى المعروف وإنما يتكون من محاضر الاجتماعات التخيلية للجمعية العمومية، فتحمل فصول الكتاب عناوين الاجتماع الأول، والاجتماع الثانى... وهكذا حتى نصل إلى الاجتماع الثانى عشر الذى انعقد يوم الاثنين 29 من ذى القعدة عام 1316 هجرية (وهو الموافق 10 إبريل 1899). وفى هذا الاجتماع الأخير للجمعية المُتخيلة، تم الإعلان عن اتفاق المندوبين على أن المُسلمين فى حالة فتور مُستحكم عام، وأن السبب فيه هو تهاون الحكام ثُم العلماء والأمراء، وأن جرثومة الداء هى الجهل المطلق. أما عن الدواء فيكون بتنوير العقول من خلال التعليم، وإيجاد شوق للترقى فى رءوس الناشئة. ووسيلة ذلك انشاء الجمعيات التعليمية وفقًا للقانون التى يُدير أمورها حُكماء الأمة ونُجبائها من السُراه والعُلماء. وفى مواجهة السياسات العثمانية التى لم تسمح للعرب بالترقى فى مناصب الدولة العُليا، حرص الكواكبى على تسجيل أن العرب لديهم الكفاءة اللازمة لإزالة الفتور.

قرر الاجتماع انشاء جمعية تعليم الموحدين وشعارها لا نعبد إلا الله، تتكون من 100 عضو وتعقد اجتماعها السنوى فى العشرة أيام الأولى من شهر ذى القعدة، وتعمل باستقلال عن أى حكومة قائمة، وتتعاون مع كُل الحكومات فيما يُحقق أغراضها، ولا تتدخلُ فى الأمور أو الخلافات السياسية. والمُهمة الرئيسية للجمعية هى نشر المعرفة والتعليم من خلال: تعميم القراءة والكتابة، وتشجيع الاهتمام بالعلوم والفنون النافعة من قبيل الصنائع، وإصلاح طرق تعليم اللغة العربية والعلوم الدينية، وتوحيد أصول التعليم وكتب التدريس، ورفع مستوى المعلمين الذين يقومون بتدريس النشء، وبأئمة المساجد الذين يعظون عامة الناس.

وأنهى كتابه بمُلحق كتب فيه عن فضائل العرب ولعله كان يردُ على تجاوزات الحُكام الأتراك العُثمانيين عليهم وسياسات التتريك التى اتُبعوها. وسجل26 سببًا دعته إلى ربط الجمعية بمكة المكرمة والجزيرة العربية، أبرزها أنها مشرق النور الإسلامي، وفيها الكعبة المُعظمة والمسجد النبوي، وأنها ديار أحرار. وختم الكتاب بعبارة أن جمعية أم القُرى قد أُحكم تصورها وتأسيسها بعناية الحى القيوم الأبدى حية قائمة أبدًا. بهذا الكتاب، يُعتبر الكواكبى رائدًا لفكرة إقامة تنظيم دولى للمُسلمين يجتمعون فيه للنظر فى مشاكلهم وبحث حلولها فى موسم الحج. وكُل عام وكُل المصريين بخير سالمين غانمين.


لمزيد من مقالات د. على الدين هلال

رابط دائم: