رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

الدبلوماسية المصرية فى مجلس الأمن

تنفرد السياسة الخارجية لمصر ودبلوماسيتها ــ على خلاف العديد من الدول ــ بحضور مكون أخلاقى يتمثل فى التطابق بين الخطاب المعلن والواقع، وبعدم وجود أجندة خفية بجانب تلك الأجندة المعلنة؛ كما جرى العرف لدى العديد من الدول، والتى تكون أجندتها الخفية هى فى الغالب الأجندة الحقيقية، فى حين أن الأجندة المعلنة لا تمثل سوى غطاء وتبرير، لتحقيق أهداف غامضة وغير معلنة، يختلف منظور العلاقات الدولية حول ضرورة وجود هذا المكون الأخلاقى، فبعضهم لا يرى ضرورة لالتزام الدول بالأخلاق فى العلاقات الدولية؛ لأنها تقوم على القوة والمصلحة، بينما يرى آخرون أن الدول لا تستثنى من الالتزام بالأخلاق لأنها تمثل مرجعية لتقويم سلوك الدولة الخارجى أمام مواطنيها.

تمزج السياسة المصرية الخارجية والدبلوماسية المصرية بين المصالح والأخلاق، وترى أن البحث عن المصالح الوطنية المشروعة لا ينفصل عن القيم الأخلاقية، بل يعززها ويدعمها، وقد حرصت مصر على حضور هذا المزيج من المصالح والأخلاق فى مختلف الملفات والتحديات التى تواجهها الدولة المصرية، خاصة إزاء التحدى الذى يمثله بناء السد الإثيوبى وتعنت الجانب الإثيوبى فى التوصل إلى اتفاق قانون ملزم بشأن تشغيل هذا السد وملئه وإدارته.

وبصرف النظر عما سينتهى إليه مجلس الأمن فى الأيام القادمة، سواء اكتفى بإصدار بيان موجه للأطراف أو تبنى القرار المعروض من قبل تونس، أو تعديل القرار, فإن مناقشة مجلس الأمن قد كشفت لنا أننا لم ننجح فى إقناع العديد من الأطراف الدولية الفاعلة فى المجلس، بوجهة النظر المصرية وبعدالة الموقف المصرى، من قضية هذا السد، رغم علاقات التعاون والتبادل والمصالح التى تربطنا بالكثير من هذه الدول ورغم ذلك فإنه لا يمكن إنكار الأثر الإيجابى للجلسة والذى يتمثل فى إحاطة مجلس الأمن بطريقة رسمية بمخاطر السد الحالية والمستقبلية على حياة الملايين فى مصر والسودان، وكشف الموقف الإثيوبى المتعنت فى المفاوضات وتعطيل التوصل إلى اتفاق حول ملء السد وتشغيله بالطريقة المرضية لكل الأطراف وفقا لقواعد القانون الدولى المتعلق بالأنهار الدولية، أى الاستخدام العادل والمنصف لمياه الأنهار، والتشاور والاتفاق عند إنشاء المشروعات، لتجنب حدوث أضرار جسيمة على دول المصب المشاطئة للنهر أو إنشاء هيئة مشتركة أو لجنة مشتركة تتولى مهمة إدارة مياه الأنهار الدولية.

فى هذا السياق تجىء إحالة ملف السد إلى مجلس الأمن الدولى للدلالة على احترام مصر والسودان للقيم التى ترتكز عليها هذه المنظمة الدولية والمضمنة فى ميثاق الأمم المتحدة والتى تنص على حل المنازعات بالطرق السلمية والدبلوماسية والقانونية من بينها المفاوضات والوساطة والتحكيم ومختلف الوسائل التى ينص عليها الفصل السادس من الميثاق.

من ناحية أخرى فإن اللجوء لمجلس الأمن للمرة الثانية يأتى بعد قبول الاتحاد الإفريقى بمهمة تسوية النزاع حول السد الإثيوبى ووصول المفاوضات إلى طريق مسدود بسبب التعنت الإثيوبى والصلف، والغرور الذى يميز الموقف الإثيوبى طيلة هذه السنوات العشر، رغم الاتفاق حول إعلان المبادئ بين الأطراف الثلاثة، مصر والسودان وإثيوبيا فى مارس من عام 2015.

ودلالة ذلك أن مصر راعت فى اللجوء إلى مجلس الأمن مواد الميثاق أى ميثاق الأمم المتحدة وروحه، التى تزكى لجوء الدول والأعضاء عند نشوب النزاعات إلى المنظمات والتنظيمات الإقليمية لحل هذه النزاعات، وفق روح ميثاق الأمم المتحدة، وذلك حتى يمكن تجنب ازدحام جدول أعمال مجلس الأمن بالعديد من النزاعات تفوق طاقة المجلس على البحث واتخاذ القرار المناسب.

بالإضافة إلى ذلك فإن السياسة المصرية والدبلوماسية المصرية استندت فى عرض قضية السد ومخاطره على الدبلوماسية الوقائية، التى تقوم على استباق تفجر الصراعات والنزاعات وتسويتها قبل وصولها إلى نقطة اللا عودة، ذلك أنه قد لا يكون من الحكمة انتظار الخطر حتى وقوعه، والبحث بعد ذلك فى كيفية مواجهته بعد أن تكون المخاطر قد تفاقمت، وبعد أن تكون أطراف النزاع قد وصلت إلى نقطة اللا عودة واحتكمت إلى ما لدى كل منها من عناصر القوة الشاملة.

وقد جاء عرض هذه المخاطر وهذه المواقف الإثيوبية واضحة جلية فى بيان وزير الخارجية المصرى سامح شكرى والذى شدد فيه على توصيف الموقف الإثيوبى بالصلف والتعنت، ومضى ما يقرب العقد من الزمان على التفاوض، دون أى نتيجة ومخاطر النهج الإثيوبى فى المضى قدما فى ملء وتشغيل السد دون اتفاق ومحاولة «أسر» النيل دون اكتراث بالمخاطر على دولتى المصب، ودون اكتراث بقواعد عن القانون الدولى والأنهار الدولية، والأهم أنه أحاط المجلس علما بأن مصر ستحمى حقوقها المائية والتاريخية وستحمى وجودها وحياة ملايين المصريين.

فى مواجهة خطاب مصر أمام المجلس المدعم بالوقائع والمستندات والاقتباسات وتشخيص المخاطر على نحو دقيق ومقنع، كانت كلمة وزير الموارد المائية والرى الإثيوبى أقرب إلى العبثية والعدمية، وتزخر بسوء النية، فقد بدأ كلامه بالسخرية من بحث مجلس الأمن هذه القضية وأنه يهدر وقته وماله فى بحثها، ثم حاول فى كلمته التلاعب بمخاوف الأوروبيين والغربيين من الهجرة غير الشرعية عندما تحدث عن البطالة والجوع والفقر والظلام، واعتبار أن مشروع السد الإثيوبى يعالج كل هذه المشكلات مجتمعة. ثم تحدث عما ما سماه الاتفاقيات الاستعمارية ويتجاهل أن هذه الاتفاقيات جزء لا يتجزأ من القانون الدولى.

وأخيرا وليس آخرا فإن جلسة مجلس الأمن التى عقدت فى 8 يوليو 2021، لم تكن الأولى وقد لا تكون الأخيرة حول هذه القضية، والمطلوب مصريا الاستعداد الكافى للجولات القادمة من خلال توضيح وجهة النظر المصرية وعدالة الموقف المصرى، ولن يتأتى ذلك إلا عبر تكثيف الجهود الدبلوماسية بهدف ليس بحسب تعزيز التعاون والتبادل على الصعيد كافة بل وأيضا بهدف تعزيز الموقف المصرى والاقتناع بعدالته، حيث لا يكفى أن يكون لديك قضية عادلة بل لابد من توافر القدرة على عرضها وحمل الآخرين على الاقتناع بها.


لمزيد من مقالات د. عبد العليم محمد

رابط دائم: