رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

نحو سياسة دينية إصلاحية

أحد أكبر عوائق الإصلاح الدينى فى العالم العربى تمثل فى التوظيف السياسى السلطوى للدين ومؤسساته السياسية الدينية، التى ظلت خاضعة تاريخياً للسلطان السياسى فى غالب المراحل التاريخية. هذا التوظيف للفقيه، والداعية، والمفتى أدى إلى تحول رجل الدين إلى أداة لولاية المتغلب وإلى تراكم تراث من التأييد والمساندة والتبرير الدينى لمصالح المتغلب تاريخياً فى غالب العصور الإسلامية، وفى مختلف البلدان. الأخطر تحول هذا الميراث الفقهى والإفتائى والدعوى إلى حجاب حاجز إزاء حرية الإيمان والعقيدة، ومعصومية جسد المسلم المؤمن. إزاء صنوف الإيذاء، والانتهاك. من ناحية أخرى تحول مفهوم الإجماع إلى أداة للقمع والتعذيب، للفقهاء الأحرار الذين حاولوا إيجاد تمايز بين الفقيه الحر، وبين السلطان المتغلب، الذى تحولت إرادته، وسياسته ومصالحه إلى دائرة القانون المسيطر، وإضفاء الشرعية، وشبه القداسة على أهوائه.

هذا التقليد التاريخى المتوارث، تحول إلى جزء من مواريث الدولة الوطنية الهشة، فى غالب البلدان العربية، وأسهم فى هيمنة الحكام على الدولة والنظام السياسي. وجاءت سيطرة الحكم على رجال الدين، ومؤسساتهم الرسمية، ومن ثم إلى انهيار فيضانات من الفتاوى والآراء القديمة، التى تستعاد وتتلى من تاريخ المتون الفقهية فى فقه الجمهور السنى الداعم لولاية المتغلب فى العالم العربى، على نحو أدى إلى تشكيك الجماعات الإسلامية السياسية فى شرعية هذه المؤسسات، ورجالها، وأنهم لا يمثلون القيم الإسلامية، ومعايير الشريعة . لا شك أن هذا التشكيك أسهم فى اللجوء إلى الغلو والتشدد، فى استخدام سلاح الفتاوى الفقهية إزاء السلطة الحاكمة، واتباعها من رجال الدين الرسميين عربياً. من هنا نستطيع فهم سطوة السلطات المتغلبة على المؤسسة الدينية الرسمية، والذى أدى إلى المزيد من جمود الفكر الدينى النقلى، وإلى القبول السلطوى، بهامش كبير للفكر الدينى النقلى بأن يسيطر فى مقابل متابعة تأييد سياسات النظام، وقراراته السياسية فى المجالات الثقافية والاجتماعية والثقافية..إلخ.

هذا النمط المسيطر من السياسة الدينية، أدى إلى تكريس الخلط بين الدين والدولة والسلطة الحاكمة، ومن ثم إلى هيمنة المجال العام الدينى ، على المجال العام السياسى المحاصر عربياً، وإلى احتقانات سياسية واجتماعية، وطائفية على نحو ما يحدث فى سوريا، والعراق، ولبنان، والسودان. تحولت السياسة الدينية الرسمية إلى أداة وآلة ضخمة لإنتاج المشاكل الطائفية والعرقية والاجتماعية، والتمايز بين المواطنين، وإلى إضعاف مفهوم دولة القانون والحق والمؤسسات المدنية . فى ظل موجات العنف والإرهاب الذى مارسته بعض الجماعات الإسلامية السياسية والراديكالية والسلفيين، وحجم الخسائر السياسية من وراء هذا العنف والإرهاب، تحاول بعض السلطات السياسية العربية التى دعمت سابقا بعض هذه الجماعات - كجزء من السياسة الأمريكية والبريطانية فى مواجهة الاتحاد السوفيتى السابق، والحرب فى أفغانستان، التحلل من هذه العلاقة، بعد مشاركة هذه الجماعات فى الحروب الأهلية فى سوريا والعراق وليبيا.

هذا التوجه الجديد أدى إلى بعض التغير فى سياسات هذه الدول، وسعيها إلى، استيعاب الطبقات الوسطى والأجيال الجديدة، من خلال سياسة دينية إصلاحية ترمى إلى تحجيم السلطات الدينية، ودفعها نحو تبنى التوجهات الإصلاحية الجديدة، على نحو مايتم فى المملكة السعودية، ودولة الإمارات المتحدة، بهدف بناء صورة سياسية جديدة للنظام القائم فى كلا البلدين.

الدول التى عانت الحكم الإسلامى، وهيمنة الأحزاب الإسلامية السياسية- الإخوان فى السودان، ومصر، ومعهم الجماعات السلفية-، تسعى إلى تطوير دعم المؤسسات الدينية للنظام، من الخطابات الدينية النقلية الموروثة، إلى الحث على الاجتهاد، ومواجهة المشكلات المتعددة للعالم المتحول، وذلك من خلال آراء فقهية جديدة، أو تطوير الموروث النقلى الوضعى، لدعم إصلاحات السلطات السياسية فى عديد المجالات . لا شك أن هذا التوجه يواجه بعديد من العوائق البنيوية، التى تتمثل فى جمود الفكر الدينى التقليدى الوضعى السائد، والسياسة التعليمية الدينية فى المؤسسات الدينية الرسمية، التى تفتقر إلى الرؤية والنزعة الإصلاحية التى تتمركز حول ضرورة الاجتهاد، والنظر النقدى فى الموروث الفقهى التاريخى الوضعى، الذى كان تعبيراً عن أوضاع اجتماعية وسلطوية وأسئلة توعية لم تُعد تشكل هموم المسلم، والمجتمع، واتجاهات التحديث السلطوى منذ تأسيس الدولة الوطنية ما بعد الكولونيالية، والأخطر التحولات الكبرى والمعقدة فى عالمنا المتغير فى سرعة وكثافة . لا شك أن تكوين رجل الدين علميا، لا يسمح للغالبية العظمى فى العالم العربى، أن تطور من قدراتها، والأخطر اعتبار بعضهم أن ما يعرفه هو الحقيقة المقدسة، على الرغم من أن ما يحملونه من معارف وضعية، لا قداسة لها، وإنما هى محضُ آراء بشرية تقبل الأخذ والرد، والإطراح إذا ما تناقضت مع مفهوم المصلحة، ومشاكل المسلمين المعاصرين وأسئلتهم، واحتياجاتهم.


لمزيد من مقالات ◀ نبيل عبد الفتاح

رابط دائم: