خلال الأسابيع الماضية، وبمناسبة احتفالات فرنسا بالذكرى المائتين لوفاة نابليون بونابرت، عادت مجددا نغمة أن الحملة الفرنسية على مصر نجحت فى انتشالها من عصور الظلام وكشفت عظمة حضارتها القديمة. الحملة إذن كانت نعمة، ولم تكن غزوا.. هل مئات العلماء الذين رافقوها كانوا غزاة؟. هكذا تؤمن غالبية النخبة الفرنسية وقطاع لا بأس به من المثقفين المصريين والعرب.
المفكر الهندى أماراتيا سن الفائز بنوبل للاقتصاد 1998، يرفض هذا التصور ويطرح بديلا جديرا بأن يتعرف عليه المثقفون العرب. يتساءل سن، فى كتاب جديد بعنوان: «منزل فى العالم.. مذكرات»، هل كان يمكن لبقية العالم التعلم من الغرب دون التعرض للاستعمار؟، وهل الإمبريالية كانت قدرا؟ ألم يكن من الأفضل سيادة العولمة سلميا وليس قسرا؟. يقدم المؤلف نموذجين: اليابان التى فشل الغرب بغزوها، فاختارت طواعية التعلم منه، فوصلت لما وصل إليه الغرب، والهند التى سحقتها بريطانيا وظلت تستعبدها نحو 200 عام.
نسيت بريطانيا المبادئ الإنسانية التى دعا إليها مفكروها، وكان همها استحلاب البقرة الهندية حتى الرشفة الأخيرة. عندما تأسست شركة الهند الشرقية البريطانية 1600، كان نصيب بريطانيا 1.8% من الناتج المحلى الإجمالى العالمى، والهند 22.5%. مع استقرار الاحتلال، انعكست الآية وأصبحت الهند رمزا للمجاعة والحرمان. عادت معظم الغنائم لمسئولى الشركة والنخب البريطانية. ثلث سكان البنغال ماتوا خلال مجاعة هائلة عامى 1769 و1770 تحت سمع وبصر المحتل. مع انتهاء الاحتلال 1947 كان متوسط عمر الهندى 32 عاما ونسبة من يعرفون القراءة 15%. لكن أسوأ خطايا الاحتلال هى الحرمان من الكرامة، وكما يقول طاغور شاعر الهند الأكبر: الحفاظ على كرامات الهنود لم يكن له مكان لدى المحتل. هل أفاد الاستعمار الهند؟. يجيب سن: بعد الاستقلال وليس قبله، فقد سادت الديمقراطية والصحافة الحرة وزاد عدد المتعلمين. عندما يتاح للأمم أن تتلاقح وتتعاون بحرية وكرامة يمكن أن تتعلم من بعضها البعض وتحدث العولمة بشكل طبيعي. الاستعمار بصورته القديمة أو الحديثة لا يمكن أن يكون فى مصلحة الشعوب حتى ولو حمل مشاعل التقدم والتنوير والحضارة.
[email protected]لمزيد من مقالات عبدالله عبدالسلام رابط دائم: