رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

عبدالرحمن الشرقاوى فى عيده ـ 5

حين نتحدث عن الحرية نتحدث عن العقل، وحين نتحدث عن العقل نتحدث عن الانسان.

والحرية عقل لأن الحرية وعى يعرفها به الإنسان ويتمثلها، ويعرف أنه حر ويعرف بهذه الحرية نفسه، ويعرف بها العالم.

وكما أن الحرية عقل فالعقل حرية، لأنه يفسح مجالات الحركة أمام الإنسان، ويضبط خطواته، ويساعده فى معرفة الواجب وفى التمييز بين الخطأ والصواب، وينتفع بخبراته السابقة، ويتوقع ما يمكن أن يحدث فى المستقبل . وإذا كنا لا نستطيع أن نعرف أو نريد أو نميز أو نختار أو نفعل إلا بالحرية فالحرية هى الإنسان.

ولا شك فى أن هذه المعانى كانت حاضرة فى ذهن عبد الرحمن الشرقاوى حين سمى كتابه عن محمد

«محمد رسول الحرية». فأضاف لكلمة «الحرية» المعانى التى اكتسبتها فى العصور الحديثة ولم تكن معروفة أو شائعة من قبل.

الحرية فى اللغة العربية لم يكن معروفا منها إلا معناها البسيط الذى يدل على أن الشخص الموصوف بها ليس عبدا مملوكا لغيره. وهو بذلك حر، أى أنه رجل كامل فاضل. ولهذا تستخدم كلمة «الحرية» فى اللغة العربية باعتبارها اسما لجماعة تنتسب للشرف أو الفضيلة ويكون معناها الأشراف أو الأفاضل. أما المعانى التى اكتسبتها الحرية فى العصور الحديثة وأصبحت تدل على الديمقراطية، والاستقلال، وحرية العقيدة وحرية التفكير والتعبير فلم تكن واردة فى اللغة العربية قبل القرن التاسع عشر. ونحن نرى أن رفاعة رافع الطهطاوى رأى من واجبه أن يفسر كلمة «الحرية» بمعناها الذى تستعمل به فى اللغات الأوروبية فقال فى كتابه «المرشد الأمين» إن العدل والإحسان عندنا هما الحرية والتسوية عند الأوروبيين. والطهطاوى يضيف إلى ذلك أن الحرية بهذا المعنى الذى يتضمن الحريات السياسية والمدنية فضلا عن حرية العقيدة والتفكير والتعبير لا تتعارض مع الاسلام فى شيء، بل هى منه لأن العدل والمساواة وحق كل إنسان فى أن يختار دينه ومذهبه مبادئ يأمر بها الإسلام ويرعاها. يقول الطهطاوي: «من زاول علم أصول الفقه جزم بأن جميع الاستنباطات العقلية التى وصلت عقول أهالى باقى الأمم المتمدنة إليها وجعلوها أساسا لوضع قوانين تمدنهم وأحكامهم قل أن تخرج عن تلك الأصول التى بنيت عليها الفروع الفقهية. فما يسمى عندنا بعلم أصول الفقه يسمى ما يشبهه عندهم الحقوق الطبيعية أو النواميس الفطرية، وهى عبارة عن قواعد عقلية تحسينا وتقبيحا يؤسسون عليها أحكامهم المدنية. وما نسميه فروع الفقه عندهم الحقوق والأحكام المدنية. وما نسميه العدل والإحسان يعبرون عنه بالحرية والتسوية.

> > >

وأنا لا أشك فى أن الشرقاوى الذى قضى من عمره نحو عام فى فرنسا قرأ مؤلفات الطهطاوي، فضلا عن انخراطه فى النشاط الواسع الذى قامت به الجماعات اليسارية المصرية فى أربعينيات القرن الماضى مما كان له أثره فى إنتاجه بشكل عام ومنه كتابه «محمد رسول الحرية». فالحرية فى هذا الكتاب هى الحرية كما شرحها الطهطاوي. هى الديمقراطية، وهى الحريات المدنية، وهى الحقوق الطبيعية، وهى حرية التفكير والتعبير. وهذا هو الاسلام. رسالة أنزلها الله على محمد ليحرر بها البشر الذين كانوا مستعبدين رجالا ونساء ، سواء بالرق الذى كان تجارة رائجة أو بالسلطة التى كانت فى العالم كله قهرا واستبدادا وهمجية. وباستطاعتنا أن نعتبر كتاب الشرقاوى كتابا فى تحرير العبيد على يد محمد رسول الحرية، الوثنية فى كتاب الشرقاوى هى العبودية، والحرية هى الاسلام. ومن المؤسف أن يحاول البعض تحويل هذا الدين العظيم من رسالة لتحرير البشرية إلى تجارة يكممون بها الأفواه ويقهرون العقول ويغتالون المفكرين.

فى مكة كان العبيد والأجراء يعدون بعشرات الآلاف، وكانت القلة من التجار والمرابين يملكون كل شىء، حتى زوجة المدين أو ابنته أو أمه. إذا استدان أحدهم ومر وقت السداد دون سداد تحولت امرأة من نسائه إلى بغى ترفع على البيت الذى تقيم فيه راية تدل طلاب اللذة من أهل مكة أو من زوارها على الطريق الذى يقودهم لقضاء حاجتهم ودفع الأجر الذى تقبضه المرأة المسكينة لتؤديه اللدائن حتى إذا استكمل دينه أطلقها.

> > >

لهذا أبى محمد طيلة حياته أن يكون له عبد أو جارية وكان يطلب من زوجته أن تعامل جواريها كما لو كن حرائر ، ويحملها على أن تسمى من تملكهم بالفتيان والفتيات بدلا من الجوارى أو العبيد أو الخدم.

وعندما اشترت له زوجه خديجة غلاما صغيرا اسمه زيد بن حارثة يدفع لها محمد ثمنه ويحرره ويتبناه ويقيم عنده كأنما هو أحد ولده حتى ليأبى زيد بن حارثة أن يعود إلى أهله عندما يجده أبوه الحقيقى ويخيره بين العودة إلى أهله أو البقاء مع متبنيه فيختار متبنيه.

وكما فعل الرسول مع زيد بن حارثة فعل أبو بكر وعبدالرحمن بن عوف مع من كانوا يملكانهم من العبيد والإماء الذين دخلوا فى دين الله أفواجا وتحملوا العذاب الأليم، ومنهم من ضحى بروحه ورفض العودة إلى الضلال وبقى إلى جانب محمد يذود عنه وعن الاسلام وعن نفسه ويرفض أن يطريه أحد.

يجب أن تتنزه علاقاتهم به عن هذا الإطراء.

يجب ألا يجعلوا له مقاما فوقهم. يجب ألا يقدسوه، فإن هو إلا بشر مثلهم يخطئ ويصيب فى شئون الحياة فعليهم أن يواجهوه بالرأى الصريح فالأمر كله شورى بينهم، ولئن سكتوا عنه ولم ترتفع إلا أصوات الثناء فستختنق دعوته إلى الحق والخير فى ضجيج الطقوس ورنين الأصداء. وهذا هو محمد، محمد رسول الحرية. الإنسان النبى، والنبى الإنسان.


لمزيد من مقالات بقلم ـ أحمد عبدالمعطى حجازى

رابط دائم: