رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

ما بعد العبث الإثيوبى؟

هى المرة الثالثة خلال نحو عشرة أعوام التى أتطرق فيها لهذا الموضوع الشائك نفسه؛ وها أنا ذا اليوم أعيد فتح الموضوع مرة أخرى ولكن بتنويعات جديدة على ذات النغمة؛ ليس فقط لأن المشكلة ماتزال للأسف قائمة؛ وإنما لكون الأمر قد ازداد تفاقما من بعد أن بلغ طيف تلميحات باستخدام القوة لوضع حل جذرى للمشكلة ــ مياه النيل؛ فها هى إثيوبيا تبدى تعنتا شديدا بخصوص ملء السد؛ ثم ها هى الدول المعنية تتبنى موقفا أراه و(بصراحة تامة) مائعا غامض الأغراض تجاه أزمة بذلت مصر حيالها قصارى جهدها السياسى والدبلوماسى بغية بلوغ ضفاف اتفاق (متحضر) يرضى جميع الأطراف!!

وحيال هذه المعضلة انشطر الناس إلى شطرين؛ شطر يرى أن ضرب هذا السد المقيت هو أمر فى متناول قدرات الجيش المصري؛ وهذا رأى سديد؛ والثانى يرى بأن دولا (مستفيدة) تقف بما لا يدع مجالا للشك من وراء هذا (الاستقواء) الإثيوبى غير المبرر فى مواجهة دولة بحجم مصر؛ دولٌا كرست امكانياتها وخبراتها العسكرية من أجل طمأنة الجانب (المعتدي) وتشجيعه وتزويده بالعتاد؛ وهذا رأى أيضا لا يُستهان به أبدًا!!

أما الحقيقة التى اتفق عليها الشطران المتباينان ولم يختلفا بشأنها أبدًا، فهى أن إسرائيل ضالعة بشكل أو بآخر سواء فى (تسهيل) بناء هذا السد (لحاجة فى نفس يعقوب)؛ أو بالمشاركة فى حمايته عسكريا بشكل غير مباشر من أى هجمات مصرية (وشيكة)!.

فلقد جرت العادة على أنه عندما يحتار رجالات البحث الجنائى فى معرفة الفاعل من وراء جريمة، فإنهم سرعان ما يشرعون فى البحث وراء دائرة المستفيدين من وقوعها؛ فمادام هناك مستفيد، لابد وأن يكون ضالعا فى الجريمة .. والجريمة واضحة؛ والفائدة معروفة قطعا فى ظل مخاوف من شُح مائى تواجهه إسرائيل؛ نتيجة لكونها دولة نصف صحراوية تعتمد على تحلية مياه البحر وإعادة تدوير مياه الصرف؛ أما عن مصادرها الطبيعية، فهى تواجه انخفاضا فى منسوب بحيرة طبرية، وكذا ارتفاع نسب التلوث بالبحيرة نتيجة للصرف الزراعى بها؛ فى مقابل انخفاض منسوب المياه الجوفية بالبلاد نظرا لكثرة السحب منها لمواجهة متطلبات الزراعة والشرب؛ ما أدى إلى تسرب مياه البحر للعديد من المستودعات الجوفية زاد من ملوحتها!!

إذن فنحن بين مطرقة حرب وشيكة يتم الدفع بنا نحوها بدم بارد وخطوات واثقة؛ وسندان تآمر على النهر بغية الإجهاز علينا بقطع شريان حياة اعتدنا عليه بغية استفادة الغير منه!! ومن ثم فلم يعد أمامنا سوى خيارين: فإما الحرب أو العطش!.
أما عن الحرب، فأقول بأننا جميعا على أتم ثقة من أن رجالنا قادرون على تنفيذ أصعب المهام القتالية داخل الحدود وخارجها. غير أن المشكلة لا تكمن فى الضربة فى حد ذاتها، بقدر ما هى فى تبعاتها ولا يفوتنا هنا التنويه إلى صرخات العراق المستمرة (بعدئذ) بشأن اتهام كل من تركيا وإيران بخرق (الاتفاقيات الدولية) بشأن المياه؛ وعدم التزام أى منهما (بالبروتوكولات) التى تعنى بسياسة دول المنبع والروافد المشتركة.. ولا حياة لمن تنادى (دوليا)!!

المشكلة إذن فى رائحة التآمر الدولى المغلف باستقبالات فخمة ملؤها ضحكات دبلوماسية جوفاء ومباركات تشجيعية (غير متورطة فى اتفاق ولا عهد لها حين البأس) فى تحيزٌ لا يعرف سوى عماء القوانين الدولية دائما أبدًا والميل كل الميل ناحية ما يمليه الغرب من منطق مغلوط ما إن تقع الفأس بالرأس، فحينئذ لا مكان لمنطق .
وفى هذا السياق، فقد أدهشنى بحق خبر انطلق دويه منذ أيام وربما لم يلتفت إليه كثيرون؛ ألا وهو (توصل الأردن وإسرائيل إلى اتفاق تبيع بموجبه إسرائيل خمسين مليون متر مكعب من المياه (العذبة) للمملكة وبمباركة أمريكية)!! ويكأن إسرائيل (ظاهريا) تتمتع بوفرة مائية، وليس شحا مائيا، يؤهلها لبيع فائض مياهها للغير!!

عذرا، إسرائيل تحتاج إلى المياه؛ ونحن نمتلك المياه؛ ومياهنا الآن مهددة فى مقتلٍ؛ وعدونا ليس واحدًا كما نتصور؛ والتأييد الدولى لموقفنا جاء خاذلا وعلى عكس ما توقعناه؛ وجهودنا الدبلوماسية الحثيثة والمشروعة واستنادنا نحن لمواد القوانين الدولية والأعراف لم تجدِ مع حجم التآمر وأطراف المؤامرة والحرب كما نعرفها جميعا باهظة التكلفة عموما؛ وتبعات هذه الحرب (تحديدا) ستكون أشد كلفة من الحرب نفسها على جميع الأصعدة دوليا؛ وحجب الماء عنا بات من الواضح أنه مستهدف وبمباركة دولية؛ وحجم الاستثمارات الدولية المبذولة فى إتمام تشييد هذا السد يحول دون السماح لأحد بالمساس به (حتى وإن كان صاحب حق واضح)؛ ولا يفوتنا طبعا أن آبى أحمد قد حصل فجأة على (جائزة نوبل) تقديرًا لجهوده (المضنية) فى إفساح المجال للحريات السياسية داخل بلاده، وتهدئة الصراع الدائر مع إريتريا، ودوره فى اتفاق انتقال السلطة فى السودان.. أى كلام!!

المشهد الدولى العبثى واضح جدا؛ والمياه تحولت إلى (سلعة) متعارف على بيعها دوليا؛ وإسرائيل أصبحت قبلة يتسابق نحوها العرب (فجأة)؛ ومعاهدة السلام المصرية - الإسرائيلية قديمة وماتزال قائمة ومفعلة؛ وأى اتفاق مع إثيوبيا لا ضمان له؛ والتنمية الإثيوبية حجة (سخيفة) فليكن خيارنا أقل الضرر ؛ وليكن رد فعلنا غير متوقع..وعبث بعبث!


لمزيد من مقالات أشرف عبدالمنعم

رابط دائم: