رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

اغتيال الرئيس فى حجرة نومه: ما المغزى؟

بالرغم من أن جمهورية هايتى الذى اغتيل رئيسها الأسبوع الماضى بعيدة عنا، إلا أن هذا الحدث الاستثنائى يستدعى الانتباه، كما أن حالة هايتى تذكرنا أيضا بالوضع فى العديد من الدول النامية المعروفة حاليا باسم الجنوب العالمي.

للتذكرة، هايتى دولة صغيرة من جزر البحر الكاريبى على مشارف أمريكا اللاتينية، ويقترب سكانها من 11 مليون نسمة. وهى كالعديد من بلاد هذه المنطقة قامت على استيراد السود من جنوب الصحراء فى إفريقيا ليكونوا عبيدا للمستعمرين البيض فى الزراعة وأوجه النشاط الاقتصادى لهذه البلاد، وعلى عكس العديد من دول هذه المنطقة التى استمرت مع الاستعمار الاسبانى، أو البرتغالى أو الإنجليزى، فإن هايتى أصبحت صفقة من إسبانيا للفرنسيين، ولكن أهالى هذا البلد قاموا بالثورة ليصبحوا أول جمهورية سوداء مستقلة فى بداية القرن التاسع عشر، تحديدا فى سنة 1804، ولكن لاتزال اللغة الفرنسية هى السائدة فى هذا البلد بجانب الكريول، لغة السكان الأصليين عودة إلى الحاضر: بعد منتصف ليلة الأربعاء، استيقظ السكان المجاورون للقصر الرئاسى على طلقات نار. وعرفنا فى الصباح أن الرئيس جوفينيل مويسى تم اغتياله بواسطة 12 طلقة، كما أن زوجته أصيبت أيضا وتم إرسالها على عجل إلى فلوريدا لترقد حاليا فى حالة خطرة. ولو تم إنقاذ حياتها، فستكون بلاشك مصدرا مهما ومباشرا لما حدث فى غرفة النوم هذه.

المعلومات المتوافرة حتى كتابة هذا المقال هى فعلا شحيحة وبعضها متناقض. يبدو أن الهدف كان الاعتقال، ولكن المشادة تطورت إلى اغتيال، ليس من حارسه الشخصى أو حتى أفراد عائلته ولكن من عناصر خارجية وحتى أجنبية، المعلومات المتاحة حاليا تقول إنهم نحو 28 معظمهم من دولة كولومبيا القريبة حيث سطوة عصابات المخدرات مع اثنين يتكلمان بالانجليزية، يبدو أنهما أمريكيان من أصل هايتى. تساؤل مهم، بل لغز: كيف يتسنى لهؤلاء الأجانب ليس فقط تخطى سياج الأمن الخارجى دون إطلاق النار، بل الدخول على الرئيس وزوجته فى غرفة النوم؟ كيف تم تنظيم هذا الاغتيال ومن وراءه، وحتى يتم الوصول إلى هذه المعلومات فى الأيام المقبلة وإنقاذ حياة زوجة الرئيس كشاهدة مباشرة هناك بعض الاستنتاجات التى تتعدى هذا البلد الصغير وتنطبق على العديد من دول الجنوب العالمى.

المشكلة الأساسية: هى أزمة حوكمة، أى إدارة الدولة والمجتمع، أى أكثر بكثير من أزمة حكومة أو حتى حكم ـ بالطبع من يمسك بدفة الحكم له اليد الطولى فى تخفيف أزمة الحوكمة هذه أو ـ على العكس ـ زيادة حدتها، وهو مايحدث فى الواقع فى هذه الجمهورية الصغيرة، وبالتالى تنزلق هايتى أسفل وأسفل على مقياس التنمية الإنسانية حيث هى فى سنة2020 فى المرتبة 170 بين 186 دولة ويظهر عجز الحكومة فى مواجهة أى أزمة من أزمات الطبيعة: فى إعصار 2016 كانت الخسائر مايقرب من ثلث الناتج المحلى الإجمالى، وفى مواجهة زلزال 2010 ، كانت الخسائر البشرية فقط ما بين 200 و250 ألفا.

فى الحقيقة فى مواجهة هذه الكوارث تأتى بعض الدول الصديقة حتى الأمم المتحدة للمساعدة، ولكنها تواجه بمزيج من الإهمال والفساد . مثلا عند تنصيب أحد القادة كنائب فى مجلس الشيوخ تم اكتشاف تهمته فى غسيل الأموال والقبض عليه، النتيجة ازدياد حياة الناس العاديين سوءا واضطرارهم للنزول للشارع فى احتجاجات مستمرة، حيث يستغل المندسون الموقف للقيام بنهب المحلات وأعمال السطو الأخرى، وبهذا يزداد الموقف الاقتصادى والاجتماعى سوءا وتعم الفوضي.

لا تفشل الحكومة فقط فى السيطرة على الموقف، بل تزيد الموقف سوءا، حيث تتعدد الاتهامات بتزوير الانتخابات الرئاسية، أو التمسك بالحكم خارج القانون مثلا كانت هناك مظاهرات ضخمة ضد الرئيس مويسى الذى تم اغتياله لأنه أعلن فى فبراير أن مدته لم تنته كما يقول الدستور بل تستمر لعام آخر لأنه تسلم مقاليد الحكم متأخرا. والآن وبعد اغتياله، لا نعرف من يحكم بالضبط، حيث هناك رئيسان للوزارة: رئيس وزارة أقاله الرئيس قبل اغتياله، ولكن رئيس الوزارة الجديد لم يقم بعد بحلف اليمين لأنه تم اغتيال رئيس الجمهورية. جمهورية هايتى إذن تقول لنا إن هناك اسوأ من السلطوية والعشوائية: الفوضى، وحتمية اللجوء للخارج للقيام بأبسط واجبات الحكومة فى المحافظة على أمن المواطنين.


لمزيد من مقالات د. بهجت قرنى

رابط دائم: