رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

معضلات تشكيل الحكومة اللبنانية

محمد القزاز
معركة تشكيل الحكومة اللبنانية تدور بين معسكرى الحريرى وعون

رغم أن تشكيل أى حكومة فى لبنان، يواجه تعقيدات كثيرة فى العادة، ويأخذ وقتا طويلا بسبب توزيع الحصص الوزارية على الطوائف والأحزاب، وإن برزت تلك الأزمة أكثر بعد مقتل رفيق الحريري، وخروج القوات السورية من لبنان عام 2005، فإن تشكيل الحكومة الحالية التى تم تكليف سعد الحريرى بها فى أكتوبر الماضي، تواجه معضلات أكبر من أى معضلات أخرى واجهتها الحكومات فى السابق، وتدور المعركة منذ بدء التكليف ظاهريا بين اثنين، هما: رئيس الدولة ميشال عون ومن خلفه صهره جبران باسيل رئيس التيار الوطنى الحر أكبر الكتل البرلمانية، والطامع بشدة فى تبوؤ منصب الرئاسة بعد عمه ميشال عون، وبين الرئيس المكلف سعد الحريرى زعيم تيار المستقبل ومن خلفه نادى رؤساء الحكومة السابقين، وعلى رأسه فؤاد السنيورة رئيس الحكومة الأسبق. وفى العادة ما إن يتم حل عقدة من عقد التأليف حتى تظهر عقدة أخري، كما حدث فى حكومة مصطفى أديب السابقة لتكليف الحريرى الممثلة فى عقدة الثنائى الشيعى حركة أمل وحزب الله، وتمسكهما بحقيبة المالية ، وكذلك عقدة النواب السُنة المنتمين لتحالف حزب الله فى حكومة الحريرى السابقة، التى تم تشكيلها فى يناير 2019، ومطالبتهم بمعقد وزارى لهم.

الآن وبعد مرور تسعة أشهر على تكليف الحريري، وقرابة العام على انفجار مرفأ بيروت، وفيما ينزلق لبنان بشدة إلى الانهيار والزوال، لم يستطع الحريرى أو غيره تشكيل حكومة تنقذ البلد، حتى بات يفكر الحريرى بشدة فى أن يحذو حذو مصطفى أديب ويعتذر عن عدم التأليف. ونستعرض تاليا أهم المعضلات التى واجهت حكومة سعد الحريري.

المعضلة الأساس

المعضلة الأساس فى أزمة تشكيل الحكومة، تتلخص فى تمسك الحريرى بحكومة اختصاصيين غير حزبيين ودون ثلث معطل، ودون الكشف عن أسماء الوزراء الذين سيتم تكليفهم، فيما يتمسك الرئيس ميشال عون، بمعرفة أسماء الوزراء قبل تسميتهم، وأن يتشاور الحريرى معه فى تعديل وحذف وإضافة أسماء، وكل منهما يستند إلى مادتى الدستور اللبنانى الـ35 و64، ومن ثم يظل السجال دائرا بينهما، بينما حكومة الإنقاذ تراوح مكانها.

معضلة الاختيار

أولى معضلات تشكيل الحكومة الحالية، بدأت عقب تفجير مرفأ بيروت فى الرابع من أغسطس الماضي، إذ على أثره قام الرئيس الفرنسى إيمانويل ماكرون، بزيارة لبنان بعد الانفجار بثمان وأربعين ساعة، وكان أبرز ما طالب به، هو حكومة وحدة وطنية أولا، ثمّ تاليا حكومة بمهمة محددة أو حكومة إنقاذ، وأمهل الطبقة السياسية الحاكمة حتى نهاية شهر أغسطس، وفى اليوم الأخير من ذاك الشهر، تم تكليف سفير لبنان فى ألمانيا مصطفى أديب، بتشكيل الحكومة اللبنانية، وحصل على 90 صوتا من البرلمان، بينما حصل السفير نواف سلام على 16 صوتا، وامتنع 14 نائبا عن التصويت، لكن لم يمض الشهر حتى اعتذر أديب عن عدم استمرار تكليفه، بسبب ما سُميَّ وقتها عقدة الثنائى الشيعى وتمسكهما بحقيبة المالية، ليمهد الطريق إلى عودة سعد الحريرى إلى ساحته المفضلة وهى رئاسة الحكومة مرة أخري، فتمت تسميته فى الثانى والعشرين من أكتوبر، حيث حصل على 65 صوتا وامتنع 53 نائبا عن التصويت له، وكان الحريرى مرشحا وحيدا فى هذه المرة.

معضلة الحريري

يكشف تصويت النواب على تسمية الحريرى رئيسا للحكومة، ومن قبله التصويت للمعتذر مصطفى أديب، عن حجم المعضلة التى صارت معضلات تواجه الحريري، فـ 65 صوتا مقابل 90 لسلفه مصطفى أديب وامتناع 59 صوتا عن تسميته، برغم أنه كان مرشحا وحيدا، تؤكد الرفض للحريري، ومن ثمّ تم وضع العقبات فى طريقه بعد ذلك، وتؤكد أن تسمية أديب، ما هى إلا مناورة من الطبقة السياسية الحاكمة، لكسب الوقت وإرضاء ماكرون. انتظر الحريرى أياما يختبر فيها الداعمين له، فما إن اعتذر أديب حتى خرج الحريرى فى اليوم نفسه، معلنا عدم استعداده للترشح، ثمّ يعلن من خلال أحد البرامج الشهيرة نيته الترشح، لتتم تسميته بعدها بأيام ويبدأ تاريخ طويل من الأزمات والمشكلات بينه وبين الرئيس عون.

معضلة شكل واسم الحكومة

إحدى المعضلات فى تشكيل الحكومة الحالية، هو شكل الحكومة وعدد وزرائها، سواء حكومة وحدة وطنية، أو حكومة إنقاذ، أو تكنوقراط، أو حكومة اختصاصيين، وهى كلها أسماء تم طرحها فى شكل هذه الحكومة التى لم تؤلف بعد. وربما ترجع الحيرة والتردد فى ذلك إلى الرئيس الفرنسى ماكرون نفسه، الذى طرح المبادرة الفرنسية، فبعد انفجار المرفأ دعا إلى حكومة وحدة وطنية، ثم دعا إلى حكومة حيادية من اختصاصيين، وبناء على تلك الحيرة، كانت معضلة عدد الوزراء وأسمائهم، فالحريرى تمسك بتسمية الوزراء دون الكشف عنهم، وأن تكون حكومة من 18 وزيرا، ودون ثلث معطل، بينما الخلاف بينه وبين عون، أن يعرف الأسماء المرشحة، وأن يكون له حق الفيتو فى الاعتراض على الأسماء، طالبا أن تكون الحكومة من 24 وزيرا بثلث معطل.

معضلة الثلث المعطل

أبرز المعضلات التى تواجه تشكيل الحكومة الحالية هو الثلث المعطل، إذ هناك تمسك برفضه من جانب الحريري، ومن خلفه نادى رؤساء الحكومة، بينما يصر عليه، وإن تلميحا لا تصريحا، الرئيس عون ومن خلفه صهره جبران باسيل. وبرز الثلث المعطل، أكثر ما برز بعد اتفاق الدوحة الشهير عام 2008، إذ قبل ذلك لم يكن هناك ما يسمى الثلث المعطل، إذ إن السوريين هم من كانوا يوافقون على تشكيل الحكومة، وهم فى ذات الوقت قادرون على تعطيلها أو دفعها إلى الاستقالة، لكن منذ عام 2008، وهناك فى كل حكومة ما يسمى مجازا لا حقيقة الثلث المعطل، عدا حكومة دياب الأخيرة ومن قبلها حكومة نجيب ميقاتي، ذلك أنهما كانتا حكومتين من لون واحد، سيطر عليها حزب الله والتيار الوطنى الحر المتحالفان منذ العام 2006، ومن هنا يتمسك الحريري، بعدم وجود الثلث المعطل أو الضامن كتسمية مختلفة عنه.

معضلة المبادرات

بخلاف المبادرة الفرنسية التى أطلقها الرئيس الفرنسى ماكرون، فإن هناك مبادرات عديدة تم إطلاقها بهدف حلحلة عقد تشكيل الحكومة، أهمها مبادرات وليد جنبلاط زعيم الحزب التقدمى الاشتراكى والبطريرك المارونى بشارة الراعى وأخيرا نبيه بري، حيث اقترح جنبلاط فى مارس الماضى فى لقائه مع عون، حكومة من 24 وزيرا، لكى يكون مخرجا لعون، لكنه اشترط أن تكون دون ثلث معطل، وألا يتم تعيير سعد الحريري، لكن المبادرة لم تلق أى تجاوب لدى الطرفين: عون والحريري، مما حدا به أن يعلق بعدها بشهر أنه لم يطلق أى مبادرة، بل إنه لبّى فقط دعوة من قبل رئيس الجمهورية، من أجل البحث عن تسوية. وسبق تلك المبادرة، مبادرة أو أكثر من مبادرة من البطريرك المارونى مار بشارة بطرس الراعي، أهمها هى مبادرة 27 فبراير، التى تتمثل فى « حياد لبنان وعقد مؤتمر دولى بشأن لبنان» وكان لجوء الراعى إلى هذه المبادرة المهمة، هو فشل جهوده طوال الأشهر السابقة عليها فى تقريب وجهات النظر بين عون والحريري، غير أن مبادرته تلك لم تلق ترحيبا دوليا كما كان متوقعا، بعد الترحيب اللبنانى الكبير، ثم كانت المبادرة الثانية له، الشهر قبل الماضى وبعد جلسة البرلمان الشهيرة إثر إرسال عون رسالة له لمعرفة سبب تأخر تشكيل الحكومة، وقتها بادر البطريرك بمطالبة الحريرى بتقديم تشكيلة محدثة إلى رئيس الجمهورية فى أسرع وقت، والاتفاق معه على الهيكلية والحقائب والأسماء، على أساس معايير حكومة من اختصاصيين غير حزبيين، لا يهيمن أى فريق عليها، ثمّ أطلق مبادرة أخيرة من خمس نقاط، ومنها اعتبار رئيس الجمهورية شريكا فى التأليف له حق تسمية الوزراء، وليس فقط حق قبول أو رفض الأسماء المعروضة عليه. وكذلك، أنه لا ثلث معطلاً فى الحكومة لأى مكون، وعدم التمسك بحجم محدد، والانفتاح على النقاش حول كيفية توزيع الحقائب على المذاهب، لكنها أيضا تكسرت على وقع الخلاف العميق بين رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة المكلف.

ثمّ كانت مبادرة رئيس مجلس النواب نبيه برى آخر المبادرات، حيث تقوم على توسيع الحكومة إلى 24 وزيرا، وفق صيغة «ثلاث ثمانيات»، بدلا من «ثلاث ستات»، لكن وفق التقسيم نفسه، أى من الاختصاصيين غير الحزبيين، ولا ثلث ضامنا لأى طرف، بينما يتم التوافق على اسم من يتولى حقيبة الداخلية، بين الرئيسين ميشال عون والحريري، ما لم تبرز إشكالية حول من يتولى حقائب أخري، كالعدل أو الطاقة، لكن هذه المبادرة انتهت إلى سجال عنيف جدا، بين الرئيس نبيه بري، والرئيس ميشال عون، دفعت الحريرى إلى أن يدرس خيار الاعتذار عن عدم التشكيل.

معضلة حكومة جديدة لإدارة الانتخابات

لعل من المعضلات التى تواجه تشكيل الحكومة، بعد احتدام الصدام بين عون والحريري، الحديث مؤخرا عن تشكيل حكومة، لإدارة الانتخابات النيابية والرئاسية المقررة المقبل، خاصة أن تشكيل حكومة اختصاصيين، سيكون عسيرا للأسباب السابق ذكرها، وحتى لو تشكلت، فإنها لن تستطيع أن تفعل شيئا، بل ستتحول إلى حلبة صراع، ومن ثمّ فإن تشكيل حكومة من أجل الانتخابات فقط سيكون معضلة كبيرة لإخراج لبنان من حالة الانهيار الاقتصادى والمالى والاجتماعي، إذ ستكون أشبه بحكومة تسيير أعمال، كل قراراتها مؤجلة لما بعد انتخابات المجلس النيابي، ومن بعدها رئيس الجمهورية.

رابط دائم: 
اضف تعليقك
البريد الالكترونى
الاسم
عنوان التعليق
التعليق