رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

الأبعاد المادية للخريطة الجديدة لمصر

كتبت الأسبوع الماضي عن خريطة جديدة لمصر،وأتبعها اليوم بتحليل لأهم عناصر تلك الخريطة كما تتبلورُ في الواقع. من خلال تبني الدولة لعشرات المشروعات والمُبادرات التي تمسُ مُختلف جوانب حياة الفرد والمُجتمع. في هذا السياق، تشهد مصر حركة تغيير وإعادة بناء واسعة النطاق. ولا بد من التمييز هُنا بين التغيُر والتغيير. التغير هو أمر طبيعي، وسمة للحياة والبشر ولا يوجد في الكون معنى للثبات أو الجمود. أما التغيير فهو عملية مقصودة تستهدف إحداث تحولات عميقة في أحد الأبنية الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والثقافية أو كُلها.

وفي حالة مصر، كانت بداية التغيير هي إعادة هيبة مؤسسات الدولة، من خلال تطوير قُدراتها وإحياء الحيوية والثقة في شاغليها لمواجهة التحديات وإدارة شئون البلاد واستعادة النظام، ومكافحة الإرهاب والتطرف. وكان أهم هذه التحديات كبح جماح الأنشطة الإرهابية التي روعت المواطنين. ومثلت المُهمتان بداية تطبيق إستراتيجية شاملة لإعادة بناء الدولة، ورسم الخريطة الجديدة لمصر. شملت هذه الإستراتيجية أغلب جوانب الحياة والمُجتمع ويكاد لا يوجد مجال لم تمسه عملية التغيير فنحن إزاء عملية إعادة بناء شاملة تؤثر على مُختلف الجوانب المادية وغير المادية في حياتنا. وتشمل إعادة توزيع البشر والأنشطة الاقتصادية على الجُغرافيا المِصرية بما يستجيب لمشاكل الحاضر وتحديات المُستقبل. وللدلالة على ذلك، فإنني أُشيرُ إلى أهم الأبعاد المادية لعملية التغيير والتي تتمثل في ثلاث:

1- تجديد البنية التحتية والتي تُمثلُ الأرضية التي تعتمدُ عليها جهود التنمية وتشمل عادة توفير الطاقة الكهربائية، والمياه والصرف الصحي، ومد الطُرق السريعة والمحاور، وتشييد الكباري والمطارات والموانى. فلا يُمكنُ مثلا تحقيق التوسُع الصناعي بدون الكهرباء وغيرها من الخدمات الأساسية. ولا يُمكن نقل السلع والبضائع والأفراد من مكان لآخر بدون توفر طُرق ووسائل مواصلات سريعة، ولا يُمكنُ استيراد مُدخلات الإنتاج أو تصدير السِلع الزراعية والصناعية دون توافُر الموانئ والمطارات بالقُرب من أماكن الإنتاج. كما تشملُ جهود التجديد تطوير صناعة الأدوية والتي كان من أحدث تجلياتها الإعلان يوم 6 يوليو 2021 عن انتاج شركة فاكسيرا أول مليون جُرعة من لقاح كورونا. وتشمل أيضًا التوسُع في الحيز العُمراني للمُدن القائمة وإنشاء العاصمة الإدارية الجديدة، وكذلك عدد من المُدن الجديدة الأُخرى في المُحافظات. ويتم بناء هذه المُدن وفقًا لمقاييس البناء والعُمران الحديثة.أضف إلى ذلك المشروع العملاق الذي يستهدف تطوير الريف المصري والذي يُغير وجه الحياة لما يزيد على نصف عدد المصريين.

تشمل هذه الجهود أيضًا تطوير البنية التحتية المعلوماتية أو الرقمية والتي تُشير إلى كل ما يُدعم تدفُق المعلومات ومُعالجتها، والتي تأخذُ شكلين الأول توفير الأجهزة اللازمة لربط الحواسب الآلية بشبكة الانترنت والتي تُتيحُ لها استخدام الخدمات المُختلفة للشبكة وأدوات التواصُل الاجتماعي، والثاني هو وجود شبكات داخلية تربط بين الحواسب الآلية وبعضها البعض في أحد المجالات أو المؤسسات. ويعتمد ذلك على مد كابلات الألياف الضوئية التي تُوفرُ وسيلة فائقة السُرعة لنقل البيانات. في هذا المجال، تم توجيه استثمارات كبيرة في مجال تطوير الخدمات الإلكترونية وتوفر الدولة 75 خدمة يُمكن للمواطنين الاستفادة منها إلكترونيًا

2.خلق مصادر ثروة جديدة، ويُشير ذلك إلى توسيع دائرة الطاقات الإنتاجية ومصادر توليد الثروة لتشمل العديد من المجالات مثل استصلاح الأراضي ومشروع الدلتا الجديدة والاعتماد على تكنولوجيا الصوب في مجال الزراعة، وإنشاء المُدن الصناعية والتوسُع في صناعة الأسمنت والحديد، وإدخال الصناعات التكنولوجية المتقدمة مثل المنتجات الإلكترونية والحواسيب اللوحية وأجهزة الاتصالات والسيارات الكهربائية، والتوسُع في مشروعات الثروة الحيوانية والداجنة والسمكية في مجال الغذاء. أضف إلى ذلك خُطة الدولة في إعادة الحياة إلى البحيرات المصرية والتي أُهملت ردحًا طويلًا. ويشمل التطوير إزالة التعديات عليها، وإزالة القمامة ومصادر التلوث ، تمهيدًا لتكريك هذه البُحيرات وتعميقها. وهُناك جهود ضخمة في بحيرات البردويل وإدكو وقارون.

3. تغيير البيئة المُحيطة بالإنسان. ويُشير ذلك إلى إحداث تغييرات في الواقع المُحيط بالبشر ومن أمثلة ذلك مشروع تطوير «محور المحمودية» الذي يمتد لمسافة 54 كيلو متراً في محافظتي البحيرة والاسكندرية الذي شمل تطهير الترعة من القمامة والنفايات وتطهير مجراها وإزالة التعديات على جانبيها، وتطويرها لتكون منطقة تنموية وخدمية. ويدخُل في هذا المجال، إزالة العشوائيات ومشروعات الإسكان الاجتماعي لمُتوسطي ومحدودي الدخل.

ويُظلل تحقيق تلك الجهود العمل على تطويرأداء الجهاز الحكومي ورفع قدراته. وشمل ذلك، تطوير القوانين واللوائح المُنظِمة للعمل في المجالات سالفة الذكر، وميكنة الكثير من العمليات الحكومية، وخصوصًا في قطاع التكنولوجيا المالية، وإعداد الموازنة العامة وأعمال مصلحة الضرائب والخدمات الطبية والتعليمية، وتطبيق مركز معلومات مجلس الوزراء الذي وفر لمُستخدميه قاعدة عريضة من البيانات والمعلومات.

وقد تعمدتُ في هذا العرض الإشارة إلى مجالات التطوير والتحديث دون اثقال القارئ بأرقام وإحصاءات وفي كُل المجالات السابقة تُوجد إحصاءات تُشيرُ إلى التغير الذي حدث وعلى سبيل المثال، فقد أدى التوسع فى إنتاج الكهرباء في مصر إلى الانتقال من وجود عجز يُقدر بنسبة 20% إلى تحقيق فائض يصل إلى 25%. إلى جانب ما تقدم، هُناك جهود مماثلة في الجوانب غير المادية للمُجتمع وهي ما سوف نتناوله فى مقال قادم إن شاء الله.


لمزيد من مقالات د. على الدين هلال

رابط دائم: