رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

نهاية عصر الغزوات المسلحة

لا يمكن وصف الانسحاب الأمريكي من أفغانستان بأقل من الفشل، فالأهداف التي أعلنها جورج بوش في 7 أكتوبر 2001 عند غزوه أفغانستان كان الإطاحة بحكومة طالبان واجتثاث الجماعات الإرهابية، وها هي طالبان تعود لتسيطر على معظم أفغانستان بعد الإنهاك والفشل الأمريكي، وتحول قواعدها إلى قلاع محاصرة لا يمكن الخروج أو الدخول منها إلا بالطائرات، وبطريقة أقرب إلى الهرولة، فقد تركت مئات الآليات وآلاف صناديق الذخيرة وأسلحة ثقيلة ومتوسطة لم تتمكن من حملها، فماذا حدث في العشرين عاما التي استغرقها الوجود الأمريكي في أفغانستان؟ هل نشرت القيم الأمريكية، وحققت للشعب الأفغاني التنمية الموعودة؟ وهل التف الشعب الأفغاني حول الحكومات التى حظيت بتأييد وحماية الولايات المتحدة من حامد كرزاي إلى أشرف غني؟

يقول حامد كرزاي الذي أمضى في حكم أفغانستان 13 عاما بعد سيطرة الولايات المتحدة على كابول: «إن التحالف الذي جاء إلى أفغانستان لمحاربة التطرف وتحقيق الاستقرار سيغادر بعد أن فشل في كليهما طوال 20 عاما، فالتطرف في أعلى مستوياته والقوات المغادرة تترك وراءها كارثة»، لكن السؤال الأهم الذي لم يتناوله كرزاي هل كان قرار الغزو هو الكارثة أم قرار الانسحاب؟ وهل كان الهدف المعلن لاحتلال أفغانستان ومن بعدها العراق هو الهدف الحقيقي؟ أم أن هناك أهدافا أخرى غير معلنة كانت وراء الغزو، واتخذب من الإرهاب ذريعة لاحتلال أفغانستان مثلما كانت أسلحة الدمار الشامل المزعومة مبررا لغزو العراق لتحقيق غايات أخرى؟

يمكن أن نجد الإجابة في كتاب «نهاية التاريخ» لفرانسيس فوكوياما، الذي اعتبر سقوط الإتحاد السوفيتي إنتصارا نهائيا لليبرالية الأمريكية الجديدة، وتوقع لها أن تسود العالم، ويبدو أن بوش الصغير حاول تحويل نبوءة فوكوياما إلى حقيقة بإعلان السيطرة الأمريكية الكاملة على مقدرات العالم بعد انهيار الاتحاد السوفيتي، الذي اعتبره المحافظون الجدد الانتصار الأكبر والنهائي على أي أيديولوجية معادية للرأسمالية العالمية، وأنهم سيستطيعون بمجرد إلقاء خطاب أو رسالة إلى دولة يعتبرونها «مارقة» أن يقوضوها في لحظات، وبالفعل حمل وزير خارجيته كولن باول رسالة بهذا المعنى إلى سوريا، معتقدا أنها ستنهار بمجرد التلويح بغزو أمريكي، فعلى حدودها نحو نصف مليون مقاتل أمريكي دمروا بغداد، وشتتوا الجيش العراقي، لكن الولايات المتحدة خرجت وهي تجر أذيال الخيبة بعد أقل من 8 سنوات في العراق، عانت فيها من مقاومة شرسة، وخسرت آلاف الجنود وتريليونات الدولارات، وها هي تنسحب من أفغانستان بعد 20 عاما بخيبة أشد، يجسدها حامد كرزاي الذي جاء تحت حماية الدبابات والطائرات الأمريكية بقوله: «إن الولايات المتحدة وبريطانيا وأستراليا وحلفاءهم مزقوا البلاد على مدى 20 عاما، وأننا سنكون أفضل حالا بدون وجودهم العسكري .. لا نريد أن يستمر هذا البؤس والإهانة، والأفضل لأفغانستان أن يغادروا».

كان ترامب أول من أعلن اعتزامه الانسحاب من أفغانستان والعراق وسوريا، بعد أن تأكد فشل الغزوات في تعزيز مكانة الولايات المتحدة، بل قوضتها، وأن نبوءة نهاية التاريخ بفوز الرأسمالية الأمريكية ليست إلا وهما، ربما تتحول إلى نهاية أمريكا، فقد خرجت روسيا من أحشاء الاتحاد السوفيتي لتشكل تهديدا من جديد على الصعيد العسكري والسياسي، وصعدت الصين بسرعة فائقة، لتصبح الدائن الأكبر للولايات المتحدة ومصنع العالم ومركزا لأجيال جديدة من التكنولوجيا المعقدة.

إن الولايات المتحدة تطوي صفحة التفوق العسكري الذي كانت تهز به العالم، وإذا كانت قد عادت بقوات محدودة إلى العراق وسوريا تحت غطاء محاربة «داعش» فإنها غير مؤهلة أو قادرة على البقاء طويلا، والانسحاب الأمريكي المتوقع من غرب آسيا يواكبه انسحاب فرنسي من دول الساحل والصحراء الإفريقية، فقد أعلن الرئيس الفرنسي ماكرون في10 يونيو الماضي عن تقليص كبير للوجود العسكري الفرنسي في منطقة الساحل التي كان يؤكد عزمه القضاء على الجماعات الإسلامية المسلحة فيها منذ ما يقرب من عقد، وقال نفس ما قاله بايدن عن ضرورة تشكيل تحالف واسع لمواجهة تلك الجماعات، وأن فرنسا لا يمكن أن تتحمل وحدها عبء محاربة تلك الجماعات، وتعرض ماكرون لضغوط داخلية لسحب قواته من أفريقيا، وأوصى ديوان المحاسبة بمراجعة شاملة للوجود العسكري الفرنسي ووضع جدول زمني للانسحاب من إفريقيا، بينما كانت حكومات مالي والنيجر تتفاوض مع المتمردين بعد أن أدركت أن الحماية الفرنسية لن تدوم، بما يبشر بأن عصر الغزوات المسلحة قد انتهى.


لمزيد من مقالات مصطفى السعيد

رابط دائم: