محافظ البحيرة: أتوقع زيارة أكثر من مليونى سائح بعد التطوير
تطوير مسار العائلة المقدسة يعد أحد أهم المشروعات القومية التى يتم فيها العمل على قدم وساق، والذى تتعاون فيه محافظات عديدة فى مصر، تأتى على رأسها البحيرة، ويشرف عليها عدد من الوزارات من بينها السياحة والآثار والتنمية المحلية والكنيسة القبطية، وبمتابعة دائمة من مجلس الوزراء ومحافظة البحيرة التى تحتضن على أراضيها وادى النطرون الذى يعتبر من أكبر المراكز فى مصر، إذ تُقدّر مساحته بحوالى ١٠٠٠ كيلومتر مربع، ويُشكل ثلث مساحة المحافظة، ويتميز بإسهامه فى إيرادات من المحاجر، والملاحات، وعائدات تقنين الزراعة وغيرها .
ووادى النطرون هو ذلك المنخفض الصحراوى خلف دلتا النيل، والذى يبعد عن القاهرة ما يقرب من١٢٠كيلومتراً، ذلك الوادى الذى قال عنه الصبى الصغير لأمه العذراء «أعلم يا أمى أنه سيعيش فى هذه الصحراء كثير من الرهبان والنُساك» .
إلى وادى النطرون انطلقت «الأهرام» لتسير على درب العائلة المقدسة لترصد وتنقل تفاصيل رحلة الأم البتول وصغيرها التى باتت من أهم المشروعات القومية والنقاط السياحية التى يسير فيها العمل على قدم وساق، ما أن تطأ قدماك تلك الأرض حتى تستقبلك نسمة هواء لا وصف لها وانطباع اولى بأنك تقف على أرض تنتمى إلى الواحة، حيث يتهادى سعف النخيل ليعانق رائحة ندى الصباح التى تدخل صدرك دون أى استئذان .
تقف متأملاً قباب الأديرة التى تعانق أشعة الشمس تلك التى شهدت أول تجمع رهبانى منذ القرن الرابع الميلادى على يد مقار الكبير الذى أنشأ دير الأنبا مقار ثم تلاه ثلاثة أديرة أخرى هى الأنبا بيشوى والبراموس والسريان، حتى وصل عدد الأديرة إلى ٧٠٠ فى الوادي، تقلصت الآن إلى أربعة أديرة فقط، ولذلك تعتبر منطقة الوادى من أهم المناطق المقدسة لأتباع الكنيسة الأرثوذكسية .
تعود بذاكرتك للوراء قروناً لتنصت للتاريخ الذى راح يروى حكاياته عن ذلك الوادى البعيد الذى كان له مكانة كبيرة عند أجدادنا الفراعنة، فقد كانوا يستخرجون منه الملح الذى حمل اسم «النطرون»، وكانوا يستخدمونه فى تحنيط المومياوات للحفاظ على جثث الموتى لفترات طويلة من الاندثار، والدلائل كثيرة وتستقبلك فى الوادى عندما تقع عيناك على ذلك التمثال النصفى المصمم من الجرانيت الأسود، وأحجار من عصر الأسرة السابعة عشرة، واحة صغيرة تقع فى قلب الصحراء كانت نقطة الدفاع عن مصر، ليصد من خلالها موحد القطرين «مينا» هجوماً لغزو الدلتا، قصة بل أسطورة نُقشت أحداثها وتفاصيلها على جدران معبد «ساحو رع».
قبل ان تبدأ مندوبة «الأهرام» رحلتها لأديرة وادى النطرون التى تشهد على رحلة العائلة المقدسة، تذكرت ما أكده اللواء هشام آمنة، محافظ البحيرة الذى نظم لها تلك الجولة، بأن تطوير مسار رحلة العائلة المقدسة بمدينة وادى النطرون يعد أحد أهم المشروعات القومية التى توليها المحافظة اهتماماً كبيراً، بدعم الرئيس عبدالفتاح السيسي، وذلك من خلال تطوير ورفع كفاءة المنطقة المحيطة بها وإضفاء مظهر تراثى وجمالى عليها بما يليق بمسار العائلة المقدسة، لتكون مؤهلة لاستقبال الوفود السياحية من كل دول العالم، وتوفير كل سبل الراحة لهم واستغلال هذا الأثر العظيم فى جذب السياحة، وتعظيم الموارد الاقتصادية والتنموية للمحافظة، بجانب توفير فرص عمل للشباب .
وأشار اللواء هشام، إلى أن مدينة وادى النطرون جاذبة للسياحة، سواء كانت دينية لمسار رحلة العائلة المقدسة والأديرة التاريخية الموجودة بها، أو السياحة العلاجية بمنطقة نبع الحمراء الموجودة بالمدينة، بل إنه من المتوقع زيارة أكثر من مليونى سائح للمنطقة بعد الانتهاء من أعمال التطوير، إلى جانب أنها تضم منطقة صناعية على مساحة ٥٠٠ فدان، تحتوى على ٤ مناطق صناعية بها ٣٠٨ مشاريع تعمل بالفعل.
ايقونات توثق تفاصيل رحلة العائلة المقدسة إلى المحروسة
من عند بحيرة السماء، تلك التى تتشبع مياهها بملح النطرون، لا محالة تنتابك حالة من الصمت والتأمل عندما يقع نظرك عليها، فمياهها المالحة شهدت نزول السيدة العذراء حاملة صغيرها الطاهر بين أحضانها مناجية الله، سبحانه وتعالي، أن تجد نقطة ماء عذبة تروى بها الصبى وسط هذا الكم من الملح، فيستجيب لها الله ويشق لها ينبوعاً من المياه العذبة وسط البحيرة، فتمد يديها الطاهرتين لتروى بها السيد المسيح. ذلك الينبوع الذى أحاطه الإنجليز فى فترة احتلال مصر ببئر لاتزال موجودة لتكون شاهدة على تاريخ تلك المنطقة المقدسة .
ومن البحيرة إلى دير الأنبا بيشوي، أهم الأديرة التى حطت بترحالها عندها العائلة المقدسة، بل والذى يضم قبر البابا شنودة بحسب وصيته، والذى يفاجئك بكم من الأيقونات والصور التى توثق المعاناة والمشقة التى واجهت رحلة العائلة المقدسة فى هروبها من أيدى الرومان واحتمائها بمصر.
وقبل ان نغادر أرض الدير المقدس نلقى بقلوبنا على بئر الأنبا بيشوى الذى يصل عمره إلى أكثر من ١٥٠٠ عام، والذى أطلق عليه «بئر الشهداء» حيث غسل فيه البرابرة سيوفهم التى قتلت٤٤٤ من الرهبان .
ومن دير الأنبا بيشوى إلى دير البراموس، ودير السريان أصغر الأديرة بوادى النطرون، لم تفتنا رؤية الآثار والرموز الدينية المهمة التى توثق رحلة العائلة المقدسة إلى أرض الكنانة، تلك الرحلة التى ستصبح عقب اكتمال تطوير مشروعها من أبرز النقاط السياحية التى ستجذب أنظار العالم، تلك التى وصفها قداسة البابا تواضروس بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية، بأنها «هدية عظيمة قدَّمها الله إلى مصر، وخصّها بها، وحبا بها البلاد»، والتى بارك مسارها بابا الفاتيكان بعد اعتماده الرحلة ضمن رحلات الحج المسيحي، لتصبح مشروعاً روحياً قومياً وسياحياً من طراز فريد.
رحلة عالمية للحج المسيحى
ويتحدث كامل غطاس رئيس مجلس مدينة وادى النطرون عن أهمية مشروع التطوير الذى تشهده المنطقة قائلاً: ذلك الوادى يعد من أهم المحطات التى زارتها العائلة المقدسة فى مصر، حيث يضم ثلاثة أديرة أثرية هى دير العذراء البراموس، ودير الأنبا بيشوى، ودير العذراء السريان، ومنطقة الأديرة وحدها تشهد عمليات تطوير وإحلال وصيانة باعتمادات تبلغ أكثر من 100 مليون جنيه لرفع كفاءة ورصف الطرق الداخلية وتوصيل جميع المرافق من مياه شرب وصرف صحى وكهرباء لمسار رحلة العائلة المقدسة والتى تضم 3 نقاط تشرفت بتلك الرحلة المقدسة بالأديرة التاريخية بوادى النطرون، وتكمن أهمية المنطقة تاريخياً ــ مازال الكلام على لسان « غطاس» ــ فى أن تلك الأديرة بقيت لتكون شاهداً على الحضارة القبطية فى مصر، حيث يعتبر دير الأنبا بيشوى أكبرها ويعد من أهم المزارات، لما به من متاحف قبطية داخل أسواره، تضم مجموعة من الآثار القبطية التى يرجع تاريخها إلى زيارة السيد المسيح، ومخطوطات قديمة حينما كانوا يطلقون على المدينة اسم «شيهات»، بالإضافة إلى المعمودية الوحيدة فى الأديرة المصرية، وهى مقصد كل قبطى يتقلد مناصب بالكنيسة أو الأديرة، بجانب منطقة «القلالي» الخاصة بالرهبان داخل الدير، وهى مبانٍ حديثة تم تشييدها لخدمة الرهبان، ويعتبر دير الأنبا بيشوى وباقى الأديرة مقصداً للمسيحيين والمسلمين الذين يرغبون فى زيارة المناطق الأثرية بها، ويظل تطوير رحلة العائلة المقدسة من أهم المشروعات القومية فى تلك الفترة الزمنية من عمر مصر، خاصة بعد أن اصبحت محطات رحلة السيد المسيح وامنا العذراء مريم رحلة عالمية للحج المسيحى بمصر .
رابط دائم: