يشكل الكرد ظاهرة فريدة من نوعها فى الواقع والتاريخ العربى والإسلامى، فهم من أقدم شعوب منطقة الشرق الأوسط، ارتباطا بالإقليم الذى يعيشون على أرضه التى تتركز فى غرب آسيا شمال بلاد الرافدين وجنوب شرق الأناضول بمحاذاة جبال زاغروس، وتعرف باسم كردستان، لكن الاستعمار بعد الحرب العالمية الأولى نجح فى تقسيم هذه المنطقة إلى أربع دول مختلفة، لتشكل اليوم أجزاء من شمال العراق وشمال غرب إيران وشمال سوريا وجنوب شرق تركيا. نجح الإسلام عندما بسط سيطرته على تلك المنطقة بالكامل لقرون طويلة فى استيعاب الكرد، لأنه لم يفرق بين قومية وأخرى وإنما تعامل مع الجميع على قدم المساواة، وبرز الكرد فى التاريخ الإسلامى علماء وفقهاء وقوادا وجنودا، ونجحوا فى توحيد مصر والشام وبلاد الكرد (كردستان)، وقيام الدولة الأيوبية التى أسسها القائد الكردى صلاح الدين الأيوبى، وتصدت للصليبيين فى مصر والشام، وتمكنت من الانتصار عليهم فى معارك عظيمة فى حطين والمنصورة، وصولا إلى تحرير القدس. وعلى مدى سنوات طويلة بعد ذلك هاجر كثير من العائلات الكردية إلى مصر وعاشت واندمجت بها، وأصبحت جزءا أصيلا من الحياة الاجتماعية والثقافية والفنية والدينية لمصر، ومنها عائلات قارئ القرآن الشهير الشيخ عبد الباسط عبد الصمد وأمير الشعراء أحمد شوقى والشيخ محمد عبده رائد التجديد بالأزهر وقاسم أمين محرر المرأة والكاتب عباس محمود العقاد والفنانة سعاد حسنى وشقيقتها المطربة نجاة، وفنانون آخرون، مثل محمود المليجى وأحمد مظهر وعائلات شهيرة مثل وانلى والتيمورية وظاظا وبدرخان. وساهم فى هذا الارتباط دعم الزعيم الراحل جمال عبد الناصر لحقوق الكرد، وقراره بفتح إذاعة كردية فى القاهرة لاستنهاض وتوعية الجماهير الكردية عام 1957، وعلاقة الكرد القوية بالأزهر الشريف ـ منذ الدور الذى لعبه صلاح الدين الأيوبى فى إنقاذ الأزهر من الفكر الشيعى وكان للكرد رواق خاص يدرسون فيه الفقه الإسلامى على المذهب الشافعى، تخرج فيه آلاف العلماء من الكرد الموجودين فى العراق، تركيا، سوريا، إيران، وروسيا. وفى ظل المتغيرات التى تشهدها منطقة الشرق الأوسط الآن، وتصارع عديد من القوى الإقليمية، لفرض مشروعاتها للهيمنة على المنطقة، يصبح الحوار العربي- الكردى وصولا إلى تنسيق المواقف والتعاون الكامل فى إطار المصالح العليا للجانبين، أمرا حتميا، خاصة أن القضية الكردية بشكل عام تتداخل مع الأمن القومى العربى، وعندما نتحدث هنا عن حوار عربي- كردى فنحن لا نقصد الحوارات التى تقتصر على دولة معينة فقط، مثل الحوار العربي- الكردى سوريا أو عراقيا، بل نتعدى ذلك إلى مفهوم أشمل للحوارالعربي- الكردى بشكل عام، ونتعامل مع مفهوم الكرد كقومية وأمة وحالة عامة بعيدا عن أى خلافات داخلية بين التيارات والحركات الكردية، أى أننا نتبنى مفهوم الحوار بين الشعبين أو الأمتين الكردية والعربية ومجتمعاتها المدنية ونخبها الثقافية، سواء بالنسبة للبلدان الأربعة الأساسية التى تقتسم الكرد وكردستان أوفى منطقة الشرق الأوسط بشكل عام وكل مكان يوجد فيه الكرد والعرب. ويشكل الحوار الذى يجب أن تشارك فيه النخبة السياسية والثقافية من الجانبين بداية مهمة لإزالة أى لبس موجود وتصحيح المفاهيم لدى الرأى العام حول كل الموضوعات المرتبطة بهذه القضية، ومن بين المقترحات المهمة فى هذا المجال انشاء معهد عربى كردى، وهو مشروع مهم للغاية يستهدف تنشيط حركة التواصل والنشر والترجمة والاطلاع على آداب وفنون وثقافات كل طرف بما لدى الطرف الآخر، بالإضافة إلى التحدّيات والمخاوف التى تواجه الهوّية المشتركة للعرب والكرد والهوّية الخاصة لكل منهما على انفراد، ويمكن أن يكون لجامعة الدول العربية دور أساسى فى تأسيس هذا المعهد من خلال منظماتها المتخصصة، مثل المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم (ألكسو) بالتعاون مع الاتحادات المهنية العربية المعنية، مثل اتحاد الكتاب والجامعات العربية ومؤسسات المجتمع المدنى العربية والكردية. وهناك مقترحات أخرى عديدة فى هذا السياق تضمنها كتابى (العلاقات العربية الكردية) الصادر عن مركز الأهرام للترجمة والنشر، فقد ذكر لى المخرج الكبير على بدرخان أن العائلات التى من أصول كردية فى مصر أسست جمعية الصداقة المصرية – الكردية، وتقوم بعمل ندوات ولقاءات تحضرها شخصيات كردية، لكنه يرى أن الاحتكاك الجماهيرى بين الشعبين العربى والكردى ضعيف جدا، مطالبا المثقفين العرب بالاهتمام بعملية الترجمة، فالكرد لديهم أدب جميل وتاريخ جميل، من الممكن أن يتم ترجمة تلك الكتب للعربية، وأيضا ترجمة الأعمال المصرية للكردية والتعاون فى أعمال مشتركة كمدخل مهم للغاية للحوار بين الجانبين. إن المدخل الثقافى هو الأساس الذى يمكن أن يتجمع حوله كثير من المفكرين والمثقفين والشباب والمرأة من الجانبين، بعيدا عن تأثيرات الخلافات السياسية، وفى هذا المدخل مشتركات كثيرة يمكن العمل عليها لتوطيد العلاقات بين المجتمع المدنى العربى والكردى، وأن يسعى كل طرف لتبديد مخاوف الآخر، وصولا إلى التوافق على أهمية التمسك بالحوار والسعى لمنح كل القوميات فى المنطقة حقوقها الأساسية كاملة، على أساس المواطنة والشراكة والمساواة والإيمان بأن مصيرهم جميعا واحد. ويمكن أن تلعب السياحة أيضا دورا كبيرا فى التقريب بين العرب والكرد، فالمناطق الكردية تزخر بمقاصد سياحية كثيرة، وكذلك المناطق العربية، ولذلك فإن تشجيع التفاعل من خلال السياحة والتجارة أمر فى منتهى الأهمية، نحن بحاجة إلى هذا الحوار اليوم أكثر من أى وقت آخر، على ضوء التحديات الكثيرة التى تواجه الأمن القومى العربى.
لمزيد من مقالات فتحى محمود رابط دائم: