حسم الرئيس السيسى الايام الماضية الجدل، وبأن يتم اجراء الامتحانات المقبلة لطلاب الثانوية العامة البالغ عددهم اكثر من 600 الف طالب وطالبة امتحانا ورقيا فى اللجان تحقيقا لمبدأ تكافؤ الفرص بين الطلاب. وجاء القرار الحكيم لينزع فتيل أزمات مجتمعية متوقعة فى الامتحانات المقبلة التى كان يصر وزير التعليم على إجرائها فقط (على التابلت)!. ولكن الجديد أنه وبعد التراجع عن الاجابة لنظام اثنين فى واحد أى الورقى والتابلت فى الوقت نفسه هو استمرار الإصرار علي التابلت والسماح بدخوله لجنة الامتحان رغم اعتراف الوزير نفسه منذ ايام بأنه غير مسموح بتدوين الاجابات عليه وانه اكتشف انه بيسمح بالغش؟!.
تذكرت أنه فى تاريخ شهادة الثانوية العامة كما تقول الوثائق وعند بداية تأسيسها قبل 200 سنة تقريبا كانت تسمى المارستان أو المورستان كما نطقها المصريون وقتها وتأسست المارستان كمدرسة (ثانوية) ملحقة بمدرسة الطب كما ذكر كلوت باشا فى مذكراته ، بل كان مدير المدرسة رفاعة الطهطاوي والغيت بعد عامين فقط وتحولت الى المدرسة التجهيزية (الثانوية فقط) ، فما أشبه تجربة المارستان قديما وبالاصرار الحالى على تجربة وجود التابلت داخل اللجان ايضا بعد ايام؟!.
تم اعتماد نظام البابل شيت فقط (وهو اختيار وحيد لاجابة من متعدد) ليتلاءم مع التكنولوجيا وان يكون التصحيح الكترونيا رغم أن مقولة التصحيح بدون تدخل بشرى مقولة غير صحيحة. فنظام البابل شيت للامتحان كاملا وليس لبعض الاسئلة فى بعض المواد هو وجه آخر لنظام الحفظ والتلقين!. ولكن بشكل تكنولوجي حداثى فالسؤال ومعه اجابته الوحيدة مرصودة مسبقا من واضع الامتحان اى انه يريد اجابة محددة اى محفوظة مسبقا؟.
وبناء عليها يتم رصد الدرجات والسؤال الآن هل سيسمح بنظام التظلمات بـ100 جنيه للمادة ام الافضل إلغاء التظلم لان كل شىء معد مسبقا فى نموذج الاسئلة والاجابة؟.
قد يكون ذلك الاسلوب سهلا (البابل شيت فى النحو او القوانين الثابتة فى العلوم ولكنه ليس قرآنا فيما درسه الطالب فى الفلسفة أو التاريخ او التعبير او الرياضيات والفيزياء. يضاف الى ذلك ان نظام البابل شيت قد يساعد على الفهلوة فى اختيار الاجابات بدون مذاكرة فمثلا وطبقا لعلم الرياضيات لو انك اخترت الاجابة برقم (2) فى عدد كبير من الاسئلة فاحتمال ان تكون الاجابة صائبة وصحيحة فى نسبة من الاسئلة وهكذا بدون مجهود او مذاكرة يمكن جمع الدرجات وقد تصل الى اكثر من 10% من درجات الاجابة بدون مذاكرة كمن سيربح البابل شيت.أغلب ملفات التعليم الآن تدور فقط فى فلك الأجهزة التكنولوجية واستخدامها وليس المضمون بها خاصة بعدما اعترف الوزير أخيرا ان مناهجنا الحالية جيدة؟!. فلا يوجد خلاف على أهمية التكنولوجيا والرقمنة .فهى إنجاز بشرى مهم للغاية مثلما كان اختراع المطبعة قبل قرون ولكنه يظل اداة تحتاج رؤية والحرص على وجود الهدف وفى مجالات التفكير والكتابة والكشف عن القدرات. ففى إطار الامتحانات التجريبية الاخيرة وقد اطلعت على بعضها من صفحة الوزير جاء سؤال فى مادة الاحياء نصه كالآتى ..(ما الثمرة التى تختلف عن الثمار الاخرى ومرفق ثمار المانجو التفاح الطماطم البرتقال) ولأنى لم أفهم صيغة السؤال ويبدو انه مترجم او مقتبس؟!. فذهبت الى كلية الزراعة جامعة القاهرة وبعد مداولات كانت الاجابة أنها التفاح!…. لكن صيغة السؤال مبهمة ولا تساعد فى معرفة المطلوب تحديدا هل فرق اللون ام النوع ام التركيبة الوراثية؟. فنظام البابل شيت قد يساعد فى تسريع عملية التصحيح لانها ستتم بالتظليل الكترونيا فهو (آلة مثل التابلت) ،ولكن سيغيب عنه انسانية الامتحان نفسه وتعمق أزمته وتوتره عند الطلاب، فمثلًا كان يمكن للطالب ان يحصل على درجة او حتى نصفها فى الرياضيات او الفيزياء او الفلسفة اذا كتب خطوات الحل للمسائل صحيحة ويفقد درجة فقط اذا أخطأ فى النتيجة النهائية لذلك وأرجو اضافة ورقة بيضاء للحل. وبذلك تتحقق ديمقراطية التعلم ولانكرس نفس منهج الخوف والرهبة من الامتحان وأننا نذاكر لامتحان وليس التعلم وهو ما كان يشكو منه الوزير نفسه سابقا. فمن اجتهد فأصاب فله اجران وإذا اجتهد وأخطأ فله اجر واحد. بمعنى إلا ينصب كل الجهد على مجرد الاجابة النهائية المظللة ؟!مما قد يؤثر على هروب الطلاب من الدراسات العلمية اساسا أو ضعف مستواهم التحصيلي فى التخصصات المختلفة. وتمتد مفارقات ثانوية هذا العام الى قرار حل بعض الامتحانات فى المنزل وتسليمها يوم الامتحان !للمواد التى لا تضاف للمجموع مثل الدين والتربية القومية والاقتصاد والاحصاء؟.
نحن نكرس اذن منهج احتقار بعض التخصصات مثل التاريخ والاقتصاد والاحصاء لانه ما معنى امتحان نهائى من المنزل؟!. فلنوفر تكلفته وطبع اوراقه اذا كنا نتحدث عن تعليم حقيقى او خفض تكلفة فتسريع اعلان النتائج حجة ليست مبررة لتكريس الحفظ (البابل شيت ) او من المنزل خاصة انه لن يؤثر كثيرا فى خفض التكلفة المالية فهى نفس التكلفة والتأمين واللجان؟ فمتى يصدر قرار نهائى بعدم اصطحاب التابلت الى اللجان وقد اقترب موعد الامتحانات؟. وحتى لا يحدث ارباك الى الطالب او المراقبين بأكثر من مجهود وتركيز بل وخناقات ومحاضر الغش؟.ان التكنولوجيا وسيلة وأداة فقط للتعلم. قضية الثانوية العامة وكما فعل الرئيس اخطر من ان تترك الى وزارة التعليم فقط ، و اقترح إجراء حوار قومى لوضع رؤية متكاملة لا تتغير كل يوم كما حدث أخيرا فى الثانوية العامة، فقضايا التعليم أخطر من أن تترك للتكنوقراط فقط.
لمزيد من مقالات إيمان رسلان رابط دائم: