رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

حرب تيجراى ووحدة إثيوبيا

انتهت مغامرة الجيش الفيدرالى الإثيوبى فى إقليم تيجراى شمال إثيوبيا بالفشل التام. المغامرة بدأت بقرار رئيس الوزراء آبى أحمد نوفمبر الماضى بشن حرب ضروس على الإقليم، ذى الحكم الذاتى وفقا للدستور المعمول به، سعيا وراء إنهاء وجود الجبهة الشعبية لتحرير تيجراى، والتى تعد المنافس الأكبر من حيث النفوذ الاقتصادى والخبرات السياسية والإدارية لحزب الازدهار الذى شكله آبى أحمد مطلع حكمه كآلية للحكم والسيطرة وتحقيق مشروعه السياسى فى حكم البلاد، وفق نموذج مركزى يديره شخصيا تحت شعار المبادئ الاثيوبيانية. تمثل الفشل فى ثلاثة تطورات مترابطة؛ أولها دخول مقاتلى جبهة تيجراى ميكيلى عاصمة الإقليم، وهروب الإدارة المؤقتة التى تم تعيينها ديسمبر الماضى، وأسر جبهة تيجراى لما يقرب من سبعة آلاف من الجيش الفيدرالى تم عرضهم يوم السبت الماضى على أهالى تيجراى الفرحين بالانتصار، وبعضهم جرحى والآخرون يسيرون بانكسار متجهين إلى أحد سجون العاصمة. كما اختفى المقاتلون الإريتريون الذين ساندوا القوات الفيدرالية فى بداية الحملة العسكرية، وكان لهم دور كبير فى عمليات قمع أبناء تيجراى جنبا إلى جنب القوات الفيدرالية، وممارسة مظالم وسلوكيات وفقا للتقارير الدولية بشعة ومجرمة أخلاقيا وسياسيا وإنسانيا. للتغطية على الفشل خرجت الحكومة المركزية بتفسير غريب عجيب، وهو أنها بادرت بوقف إطلاق النار، لكى تمكن الفلاحين البسطاء من إتمام الموسم الزراعى وإفساح المجال أمام المنظمات الإنسانية للقيام بتوزيع المساعدات على سكان تيجراى، مع تلميح بأن المسئولية باتت تقع على عاتق من اسمتهم القوات المتمردة. لم يشر البيان الرسمى إلى هزيمة القوات الفيدرالية أو أى شئ يدل على مراجعة سياسة حل المظالم العرقية بالأساليب العسكرية والتى أتت بنتائج عكسية تماما، فاقمت من أزمة إثيوبيا السياسية المعجونة بصراعات العرقيات فى كل الأقاليم دون استثناء. لكن الكذب كما يقال لا يعيش كثيرا. والهزيمة النكراء لا يمكن إخفاؤها أو إنكارها طويلا، حتى بالرغم من قطع الحكومة الفيدرالية الكهرباء والاتصالات الهاتفية ومحاصرة إقليم تيجراى ومنع دخول المنظمات الإنسانية والإعلام بأنواعه. تبين كذب البيان الرسمى فى تصريح رئيس الوزراء آبى أحمد نفسه فسر فيه هزيمة القوات الفيدرالية بكونها تعرضت لخديعة، وأن سكان الإقليم لم يقدموا لهؤلاء الجنود المياه للشرب ومنعوا عنهم الطعام، ما أفقدهم الظروف المناسبة للبقاء. مثل هذا التفسير يقول ببساطة ان كل الأهالى بعد مارأوه من سلوكيات انتقامية منافية للإنسانية من هؤلاء الجنود قاموا بمعاقبتهم وحولوا حياتهم إلى جحيم، فضلا عن انضمام الكثير منهم لقوات جبهة تيجراى لرد العدوان. المهم هنا ليس فى الكذب والمراوغة فى إعلان فشل الحملة العسكرية، بل فى عدم استيعاب الدروس المستفادة من تلك التجربة المهينة، والاستمرار فى النظر إلى الأمور نظرة سطحية تزيد الطين بلة، وتعمق أكثر وأكثر أزمة تيجراى من جانب، وأزمة الصيغة الأمثل لحكم بلد تتعدد فيه العرقيات والقبائل من جانب آخر، وكل منها يشعر بالظلم الواقع عليه من العرقيات الأخرى، لاسيما التى هيمنت على الأوضاع السياسية والاقتصادية للبلاد لفترة من الزمن كالأمهرا والتيجراى، وجاءت الظروف وأنهت تلك الهيمنة، ولكنها ما زالت تأمل فى استعادة تلك الهيمنة ولو على حساب مصير البلاد ككل. السؤال الكبير المطروح الآن ما هو مصير تيجراى كإقليم، هل يظل فى كنف الفيدرالية الإثيوبية ووفق أى شروط، أم يندفع نحو المطالبة بالانفصال وفقا للدستور الإثيوبى والذى يتيح الاستفتاء على الاستقلال، أم إعلان الانفصال من جانب واحد كأمر واقع؟ ولكل من هذه الاحتمالات نتائجها المباشرة على إثيوبيا وعلى القرن الإفريقى ككل، لاسيما أن الحرب لم تنته بعد، والمرجح أن هناك معارك كبرى بعد حين، وهو ما ألمح إليه قادة فى الجيش الفيدرالى. لقد سارعت الولايات المتحدة وبريطانيا وايرلندا بطلب عقد جلسة لمجلس الأمن على وجه السرعة بعد فشل الحملة العسكرية، لأسباب إنسانية. ورغم أن الجلسة التى عقدت يوم الجمعة الماضى كانت سرية، فقد تبين وفقا لتسريبات محدودة أن التركيز الأكبر كان على معالجة الأزمة الإنسانية فى الإقليم، مع بعض نصائح مخففة للحكومة الإثيوبية بأن تتم معالجة الأزمات العرقية وفق إصلاحات سياسية عميقة، ولم يتسرب وجود أى إدانة لسلوك القوات الفيدرالية على ما اقترفته من انتهاكات ضد أبناء تيجراى ترقى إلى جرائم حرب. والواضح أن أعضاء مجلس الأمن الدائمين يركزون على بقاء إثيوبيا موحدة، وهو أمر مفهوم أسبابه ولا خلاف عليه، لكن غير المفهوم أو تتم محاسبة المتورطين فى انتهاكات بشعة ومرفوضة ضد مكون مهم من العرقيات الرئيسية فى البلاد، ويترك لهم حرية الهروب من مسئولية المغامرات العسكرية التى تضر بوحدة البلاد وبالمصالح الدولية والإفريقية معا. سلوك الخمسة الكبار لم يعد يُعنى بميثاق الامم المتحدة ولا بالدور المنوط بمجلس الأمن لحماية الأمن والسلم الدولى، بل بحماية الاستثمارات الكبرى، سياسيا واقتصاديا والتى توجه تحركاتهم وأفعالهم ومواقفهم، وهو ما نراه فى تعاملهم مع أزمة السد الإثيوبى الكبير وسلوك أديس أبابا المنافى لكل المعاهدات الدولية الخاصة بالأنهار الدولية، حيث اللامبالاة، والهروب من تحمل المسئولية، والحرص على تحقيق الأرباح على حساب حقوق ومصالح بل حياة شعوب دول أخرى. إن اكتفاء مجلس الأمن بتوفير مساعدات إنسانية بعدة ملايين من الدولارات لسكان تيجراى وفق افتراض أن المساعدات كفيلة بأن تنهى الأزمة هناك، وتوفر فرصة للحكومة الإثيوبية للهروب من مسئولية الوضع الحرج الذى أوصلت اليه بلادها، سوف يؤدى إلى تداعيات عملية خطيرة، وقد تسرع الخيار الأسوأ الذى يحاولون تجنبه. فكرامة الشعوب أكبر من مجرد قطعة خبز وشربة مياه وتعاطف مصطنع.


لمزيد من مقالات د. حسن أبوطالب

رابط دائم: