صدر تقرير للأمم المتحدة حول «الجفاف»، حذرت فيه من أن الجفاف قد يكون «الوباء القادم»، فالجفاف زادت وتيرة حدوثه، وامتدت سنوات التأثير لفترات أطول من ذى قبل بسبب التغيرات المناخية، وزيادة درجة حرارة الأرض، وعادة يحدث الجفاف ببطء شديد حتى تتراكم تأثيراته، ويستمر لفترات أطول، إذا لم نستعد بمراقبته وإعداد خطط مسبقة لمواجهته بمجرد قدوم أولى علاماته، وما يهمنا فى مصر ما ذكره التقرير حول الجفاف فى حوض «النيل الأزرق»، الذى ينبع من جبال هضبة الحبشة التى يبلغ ارتفاعها 3000 متر فوق سطح البحر، ومنطقة منابع تقدر مساحتها بحوالى 324500 كيلومتر مربع، ومعدل سقوط أمطار يقدر بـ 1500 مم، يسقط معظمها بين شهرى يوليو وسبتمبر، ولذا يعد المصدر الرئيسى لمياه نهر النيل بالنسبة لمصر والسودان اللتين تتشاركان حوض النيل الأزرق مع إثيوبيا.
لقد شهد النيل الأزرق انخفاضاً مستمراً فى تصريفاته منذ منتصف الخمسينات وحتى منتصف الستينات من القرن الماضى مع ازدياد شدة الجفاف خلال الفترة من 1968 وحتى 1987، وهذه التصرفات تعكس تماماً تغير معدلات الأمطار الساحلية، وإذا أصبحت شدة الجفاف أكبر، مثل تلك التى حدثت أعوام 1978 -1987، فإن ذلك سيؤدى إلى انخفاض الموارد المائية المعتادة عند أسوان من 84 مليار متر مكعب إلى 72 مليار متر مكعب.
ويرجع السبب وراء سنوات الجفاف المتعاقبة فى هذا القرن للتغيرات المناخية على الحوض وزيادة درجة حرارة الأرض بمتوسط 2 درجة مئوية بفعل النشاط الإنسانى وزيادة نسبة غاز ثانى أكسيد الكربون فى الغلاف الجوى، مما يحتم استخدام المياه بأعلى قدر من الكفاءة، ولذلك يجب الانتباه إلى أن النمط التكرارى القديم لحدوث دورات الجفاف، مثل تلك التى حدثت فى عصر سيدنا يوسف عليه السلام، يعقبها سنوات خصب ونماء وذلك بسبب التغيرات المناخية الطبيعية، قد تغير إلى نمط «نقطة اللاعودة» حيث يستمر انخفاض معدلات سقوط الأمطار، وبالتالى معدلات التصريف من النيل الأزرق بسبب تدخلات الإنسان والنشاط البشرى، ولقد ازدادت درجات الحرارة، وأصبحت سنوات الجفاف أكثر شيوعاً خلال الأعوام الأربعين الماضية، ويتوقع أن تزيد وتيرتها فى المستقبل بالإضافة إلى الزيادة السكانية الكبيرة فى دول الحوض الثلاث (250 مليون نسمة) واعتماد السكان فى معيشتهم على الزراعة مما قد يسبب مجاعات ونقص فى إنتاج الكهرباء وكميات الغذاء بالإضافة إلى التأثيرات الاجتماعية والاقتصادية المصاحبة عادة للجفاف، ورغم المحاولات فإن الدول الثلاث المتشاركة فى النيل الأزرق لم توقع اتفاقاً ملزماً حتى الآن لصياغة خطط مشتركة لمواجهة الجفاف، برغم ما قد يسببه سد النهضة الإثيوبى من تغييرات فى نمط ونظام تدفق المياه باتجاه دولتى المصب مصر والسودان، مما يفاقم مشكلة الجفاف.
إننى أدعو وزارة الرى لمراقبة التغييرات فى كميات المياه الواردة إلى مصر من النيل الأزرق وإعداد خطط لمواجهة الجفاف المحتمل بالإضافة إلى التأثير المضاعف لسد النهضة، خاصة عند نهايات الترع، ويجب إعداد خطط المساعدة مسبقاً حسب كل موسم بما يتضمن ذلك من زراعة أنواع محددة من المحاصيل واستخدام طرق رى مناسبة وغيرها من تدخلات لزيادة كفاءة استخدام المياه، مع إعطاء الأولوية لإمدادات مياه الشرب والرعاية الصحية، وعدم ترك المزارعين لاتخاذ حلول فردية، على غرار استنزاف مخزون المياه الجوفية وانخفاض مناسيب المياه، مما يزيد تكاليف الطاقة اللازمة لرفع المياه للأراضى المعرضة للجفاف، مع إعداد خطط لمواجهة زيادة الملوثات فى المجارى المائية العذبة بسبب نقص التدفقات المائية والاستعداد بالتعاقد على استيراد محاصيل الحبوب التى تتضمن فى ذاتها التوسع فى سياسات «المياه الافتراضية» وغيرها من تدخلات على المستوى المحلى والإقليمى الذى على قمة أولوياته عقد اتفاق ملزم مع إثيوبيا والسودان يشمل الجفاف المحتمل وتجنب التأثيرات المضاعفة لسد النهضة على حوض النيل الأزرق.
د. كمال عودة غُديف
أستاذ المياه والبيئة بجامعة قناة السويس
رابط دائم: