رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

وباء كوفيد ــ 19 وحقوق الإنسان

أثار حلول مرض كوفيد ــ 19 كضيف ثقيل وقاتل على البشرية بدءًا من يناير 2020 الكثير من القضايا السياسية والاجتماعية والاقتصادية والتى تعلقت بكيفية تعامل الدول المُختلفة مع الوباء، والعوامل التى أدت إلى نجاح بعضها فى هذا الجُهد دون الأُخرى أو نجاح إحداها فى فترة مُعينة وفشلها لاحقًا.ثُم كان الجدل بين عالمية الوباء وانتشاره فى سائر أرجاء المعمورة، وبين قومية التعامُل معه وعدم اهتمام كثير من الحكومات بالتعاون الدولى فى مُكافحته على الأقل فى المرحلة الأولى له.

وفى هذا السياق، يثور جدل حول تأثير انتشار كوفيد ــ 19 على حقوق الانسان وذلك بمُناسبة صدور التقرير السنوى للوكالة الأوروبية للحقوق الأساسية بتاريخ10 يونيو والذى خصص جُزءا منه لتحليل أثر كوفيد ــ 19 على الحقوق الأساسية للإنسان. وهذه الوكالة هى إحدى منظمات الاتحاد الأوروبى أنشئت فى عام 2007. والمفهوم الذى تتبناه هو مفهوم جامع يشمل الحقوق السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية.

والحجة الرئيسية للتقرير هى أن انتشار مرض كوفيد ــ 19 دفع كُل الحكومات الأوروبية إلى إعلان حالة الطوارئ عمومًا أو الطوارئ الصحية. وأعطى ذلك للحكومات سُلطات واسعة فى توجيه سلوك المواطنين ومُراقبة تصرفاتهم مما مثل فى بعض الأحيان اعتداء على الحقوق الأساسية للإنسان.

ويُشير التقرير إلى عددٍ من الفئات كالأقليات والنساء والأطفال والشباب والمُسنين. فيذكر مثلًا أن المرض كان أكثر انتشارًا بين الأقليات بسبب انخفاض المُستوى الاقتصادي، والازدحام فى المسكن، ونقص الوعى بأهمية التلقيح، ناهيك عن فُقدان وظائفهم التى كانت المصدر الوحيد لدخلهم. ارتبط بذلك، ازدياد المشاعر العنصرية ضدهم وخصوصا أولئك الذين ينتمون إلى أصول آسيوية. ويُشير التقرير إلى أن عدد المُتعطلين فى دول الاتحاد الأوروبى زاد من ديسمبر 2019 إلى ديسمبر 2020 بنحو 1.95 مليون منهم 1.1 مليونا من النساء. وبالنسبة للأطفال والشباب، أشار التقرير إلى ما سببه التحول إلى التعليم عن بُعد من ضغوط على هاتين الفئتين أثرت على فُرصهم التعليمية. فقد تم تعميم استخدام نظام التعليم الإلكترونى دون تدريب كاف للمدرسين والطلاب عليه مما أدى إلى انخفاض نسب التحصيل التعليمي.فيُشير التقرير إلى أن 40% فقط من المدرسين كانت لديهم خبرة كافية للتعليم الالكترونى وإن كانت هذه النسبة قد اختلفت من بلد أوروبى لآخر.وازداد الأمر صعوبة بالنسبة للأطفال والشباب المُنتمين لأسر فقيرة والذين يقطنون فى مساكن وأحياء لا تتوافر فيها خدمات الاتصال الالكترونى بكفاءة أو لا يمتلكون أجهزة إلكترونية مُناسبة. بل وسجل التقرير أن بعض الأُسر الأقل دخلًا لم يكن لديها أصلًا جهاز حاسب آلي، وأن هذه النسبة وصلت إلى 25% فى رومانيا. فى حين أن الدول الأوروبية الغنية استثمرت لرفع كفاءة البنية التحتية المعلوماتية المُخصصة للتعليم كألمانيا التى وجهت 6.5 مليار يورو لهذا الغرض فى 2020. وبسبب إجراءات الحجر المنزلي، زادت نسب سوء مُعاملة الأطفال وحالات الانتهاك الجنسى عبر الانترنت. وذلك وفًقا لعدد البلاغات المقدمة الى الشرطة والتى ارتفعت بنسبة 50% فى يونيو 2020 عما كانت عليه قبل انتشار الوباء وإعلان التوسع فى الحجر المنزلى وفرض قيود على الخروج من المنازل.

وأشار التقرير إلى أن النظام الصحى فى عديد من الدول الأوروبية لم يكُن مُستعدًا للتعامل مع الوباء مما أدى إلى تراجع فى الخدمات الصحية المُقدمة لأصحاب الأمراض المُزمنة والسرطان. وحسب نص التقرير، فإن العديد من المُسنين فقدوا حقهم فى العلاج بل وحقهم فى الحياة بسبب عدم كفاية الخدمات الصحية. وكان من نتيجة ذلك أن واجهت بعض الفئات والشرائح الاجتماعية ظروفًا استثنائية وصعبة واتسمت بعدم التكافؤ مما أخل بحقوقها الأساسية.

أشار التقرير أيضًا إلى تأثيرات سياسات مُكافحة الوباء على احترام خصوصية الإنسان. فقد شملت أساليب المُكافحة المُتابعة من خلال الهواتف المحمولة، وتعقب تحركات الناس وانتقالاتهم، ولعبت الكاميرات الموضوعة فى الشوارع والقطارات والمترو، وكذلك الطائرات الدرونز التى أطلقتها الشُرطة فى كُل مكان للتأكُد من التزام المواطنين دورًا بارزًا فى إحكام الرقابة على سلوكهم. هُناك جانب يتعلق بحقوق الإنسان لم يتناوله التقرير لأنه يتعلق بالعالم كُله وليس الاتحاد الأوروبى وحسب، هو التمييز فى توافُر اللقاحات بين الدول الغنية وتلك الفقيرة. ويكفى الإشارة إلى أن عشر دول فقط حصلت على 75% من إجمالى اللقاحات، وأنه بينما بلغت نسب التلقيح للمواطنين فى دول مثل أمريكا وبريطانيا 60% فإنها لم تتجاوز 2% فى أغلب الدول الافريقية. ولعل هذا الإدراك هو ما دفع الدول الصناعية السبع الكُبرى للتعهد بتوفير مليار لقاح للدول الفقيرة مجانًا خلال عام سوف تُقدم أمريكا نصفها، وبريطانيا 100 مليون لقاح.

البشرية تسيرُ بخُطى ثابتة على طريق مكافحة وباء كوفيد ــ 19 ولكن الأمر سوف يستغرق سنوات قبل النجاح فى هذه المُهمة والعودة إلى وضع أكثر استقرارًا مما نحن فيه.


لمزيد من مقالات د. على الدين هلال

رابط دائم: