رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

توبة مشاعل وشهادة يعقوب

مشاعل هى امرأة خليجية يقال إنها حاصلة على الدكتوراه فى العلوم السياسية، وتابت عن أفكار الليبرالية والعلمانية التى تعلقت سنينا بها، وعادت إلى الإسلام، وينشر السلفيون رسالة توبتها على نطاق واسع على شبكة الإنترنت، حتى إنها جاءتنى من أسبوع على تليفونى المحمول، من جار فى عمارتى على مجموعة واتساب خاصة بشئون عمارتنا.

ويعقوب هو محمد حسين يعقوب، يوصف بأنه داعية سلفي، وقف أمام محكمة الجنايات شاهدا قبل أيام، فى قضية خلية داعش الإرهابية بإمبابة، بعد أن قال المتهمون فيها إنه واحد من أربعة شيوخ تأثروا بتعاليمهم. هو حاصل على دبلوم المعلمين، وسافر إلى السعودية وعمل بها سنوات متفرقة، له مؤلفات وألقى العديد من محاضراته ودروسه الإسلامية فى المساجد والقنوات الفضائية، وحصل على ثلاث إجازات، أى ثلاث شهادات، اثنتان من أبى الأشبال الزهيرى ومحمد أبو حبرة التطوانى فى الكتب الستة، ويقصد بها كتب الأحاديث النبوية، صحيح البخاري، صحيح مسلم، سنن النسائي، سنن أبى داود، سنن الترمذي، سنن ابن ماجه، والثالثة من أبى خالد الوكيل المكى فى القرآن والسنة، لم أجد اثرا للتطوانى والوكيل المكي، لكن الزهيرى داعية مصرى حصل على ليسانس الحقوق ودبلومين فى الشريعة الإسلامية من دار العلوم والأزهر. إذن ما الذى يجمع بين امرأة الخليج والداعية المصري؟ العقل السلفي..لا فرق فيه بين رسالة الدكتوراه ودبلوم المعلمين، والحكاية لا علاقة لها بالدين والتدين، وإنما بالفهم والتفكير والتعامل مع الحياة، فالدين أبسط مما يقال فيه وعنه، فالله سبحانه وتعالى لم يُنزل دينا يصعب فهمه وتفسيره على البشر، أو يجعل منه ألغازا وأحاجى يجتهد الناس فى حلها وفك أسرارها، وهو القائل: «فإن مع العسر يسرا، إن مع العسر يسرا»..فمن أين أتى العسر فى الدين؟

رسالة السيدة مشاعل جاءتنى مصحوبة بنصيحة خالصة: توبة الكاتبة الليبرالية مشاعل العيسى..ومن لم يقرأ مقالها فلن يعرف معنى التوبة بمفهومها الحاضر.

عنوان المقال: نبش الأسرار، تستهله بأسباب توبتها، فهى ليست وليدة ظروف قاسية أو محنة عارضة، وإنما لأنها رأت فى السوق شابا متدينا قصير الثوب غاض البصر، يمشى وعلامات الرضى بادية على محياه، فأحالها هدوءه إلى حياتها، وكانت تنعم فيها بكل أشكال الترف، الموسيقى حتى الصباح نديمها والرقص رياضتها ونظريات فرويد عن الكبت مرشدها، وكان رمى الحجاب حلما يداعب خيالها، وقيادة السيارة قضيتها، وتحرير المرأة من معتقدات وأفكار القرون البالية هدفها، وتحريضها على مقاومة سلطة الرجال وتشويه صورة الرجل المتدين رسالتها. وتساءلت فى نفسها: ما سر الرضى على ملامح الشاب العشريني؟، وتبدلت أحوالها قلقا وتوترا وحيرة، حتى اكتشفت الخديعة الكبرى، أن الغرب ضحك على أهل الشرق فحول المرأة إلى راقصة وممثلة تحاكى رغبات الرجل من المحرمات واللبس العارى والعلاقات والاعتداءات، ليحرم المسلمات من عبادة الحجاب وطاعة الأب والزوج ومن العفة والطهارة، وأخرجهن للعمل فضاع الأطفال.. وانتهت إلى الحقيقة وهى أن أهل الإسلام لا يعرفون عن الإسلام إلا اسمه، لأنهم شغلوهم عن القرآن وعلوم الدين فى خطة محكمة، ولكن حين رأت الشاب وقرأت كتب التوحيد والفقه ومع كلمات ابن القيم عادت إلى الله. كلام يبدو منطقيا وجميلا، فمن لا يحب العودة إلى الله؟، لكن لو سألنا ومن قال إن الليبرالية أو العلمانية تنكر وجود الله؟، لن نجد إلا الشائع من انطباعات رسخها رجال دين فى أذهان الناس دون أى أساس معرفى صحيح، الليبرالية منذ نشأتها فى القرن السابع عشر، وهى فلسفة سياسية عن الحرية والمساواة، ومنها خرج الاقتصاد الحر القائم على عدم تدخل الدولة فى النشاط الاقتصادي، ثم ظهرت الليبرالية الاجتماعية التى أضافت إلى الدولة واجب توفير فرص العمل والرعاية الصحية والتعليم مع الحقوق المدنية، باختصار لا علاقة بين الليبرالية والسهر الليلى أو الرقص أو تشويه صورة الرجل المتدين أو التنفيث عن الكبت بالخلاعة أو العرى على الشواطئ..إلخ. هل تمنع اللييرالية قراءة القرآن والتدبر فيه؟، هل يمكن أن تبعد المسلم عن إسلامه الصحيح فلا يعرف إلا اسمه فقط؟ العلمانية نفسها ما هى إلا مناهضة لسلطة رجال الدين وإبعاد سطوتهم عن إدارة الدولة، ولا تحدد أى تصرفات أخلاقية للناس. إذن كيف ربطت الحاصلة على درجة الدكتوراه ربطا تعسفيا بين الليبرالية أو العلمانية وهذه السلوكيات الاجتماعية؟ وحين رجعت إلى كتاباتها القديمة وهى ليست كثيرة، وجدتها لا تمت لأى ليبرالية أو علمانية بصلة، فلم أفهم كيف تابت عن أفكار لا تعرف إلا اسمها فقط. المدهش أنها استشهدت فى مقال التوبة بابن القيم، الذى يعتبره الداعية محمد حسين يعقوب فسطاطه فى علوم الدين، ولا يمكن أن تمر خطبة أو حديث أو فصل فى كتبه دون الاستشهاد به، وكان غريبا أن ينفى عن نفسه وصف عالم فى الدين، وأنه لا يفتى فيه، وأنه من العِباد واهتمامه هو علم القلوب والسير إلى الله، وهذا سبب حديثه للعوام منذ 1978 من فوق المنابر والتليفزيون. أى أنه يعلم عوام الناس دينهم منذ أكثر من خمسين سنة، وهو ليس عالما فى الدين، ويقول لهم إن حلق الذقن معصية وأن عدم تقصير الجلباب خروج على السنة النبوية، وله كتاب من جزأين عنوانه (ابن الإسلام– منهج متكامل فى الشريعة للمبتدئين)، وهو كتاب لتربية النشء موجهة إلى المدرسين، ليعلموه لتلاميذهم. وقال أمام المحكمة إن الإمام هو خليفة المسلمين الذى نصره أهل الحل والعقد، وأن الخليفة هو الذى بايعه المسلمون جميعا على مستوى العالم. أليست هذه فتاوى؟ هذا هو العقل السلفى أيا كان مكانه أو علمه، حجر العثرة أمام أى تقدم.


لمزيد من مقالات نبيـل عمــر

رابط دائم: