لاشك أن صفحة من تاريخ إسرائيل انطوت يوم الأحد الماضى بنهاية 12 عاما من حكم نيتانياهو بعد تصويت البرلمان لصالح ائتلاف مغاير للعادة قاده حليفه السابق نفتالى بينيت، ووصف بأنه تصويت تاريخى بعد أن وافق عليه 60 نائبا يتأرجحون بين اليسار واليمين مروراً بمساندة حزب عربى و59 نائبا من الليكود وحزب اليمين المتطرف وأحزاب «أرثوذكية».. ورغم أن بينيت أعلن أن الحكومة سوف تعمل لصالح السكان الإسرائيليين بمن فيهم العرب واليهود الأكثر أرثوذكية فإنه لا أحد يستطيع أن يتنبأ بالسيناريو القادم.. رغم قول بينيت إنه على ثقة بأن هذه الحكومة سوف تعمل من أجل البلاد، وإن النتائج تدل على التغيير الذى طرأ فى إطار الديمقراطية.. وجدير بالذكر أن الليكود خلال الانتخابات التشريعية فى مارس الماضى لم ينجح فى جمع أغلبية مشكلة من 61 نائبا لتشكيل الحكومة، ومن أجل مواجهة المأزق طلب الرئيس «ريفلين» من رئيس المعارضة «يائير لابيد» أن يواجه الموقف واستطاع الأخير أن يجمع فى أوائل يونيو أغلبية واسعة من خلال تشكيل ائتلاف يضم حزبين من اليسار واثنين من الوسط وثلاثة من اليمين إلى جانب التجمع العربى الذى يرأسه عباس منصور.
ويرى المراقبون أن مساندة عباس وبينيت للابيد كانت جوهرية لوصوله لمقدمة الأغلبية وليضمن مساندة بينيت له والذى عرض على الأخير أن يتولى رئاسة الحكومة لمدة سنتين قبل أن يتولاها هو فى أغسطس 2023 إذا نجح الائتلاف على البقاء فى السلطة رغم هشاشته.
ولاشك أن مستقبل هذا الائتلاف تحوم حوله الغيوم بعد أن نصب نيتانياهو نفسه رئيسا للمعارضة بأمل استعادة السلطة رغم بلوغه 71 عاما ومحاصرته بقضايا الفساد واستغلال السلطة.. معلنا.. إذا كان مصيرنا أن نكون فى المعارضة فسوف يبقى رأسنا مرفوعا وسوف نسقط هذه الحكومة السيئة، وسوف نعود لقيادة البلاد بطريقتنا.. وسوف نعود قريبا.. مما دفع المتظاهرين بمساندة الائتلاف الجديد وبادر الشباب الإسرائيلى بإقامة الاحتفالات حول ساحة رابين بتل أبيب.. وهم يصرخون: نيتانياهو ارحل إلى منزلك مؤكدين أن رئيس الوزراء بقى على رأس السلطة مدة طويلة وقام بتغيير النظام لصالحه وتهرب من الجرائم.. وبالتالى فإن احتفالاتهم مشروعة !
إن المناخ حاليا فى إسرائيل محفوف بالتهديدات الأمنية فعندما قام «نفتالى بينيت» بتقديم الخطوط العريضة لحكومته أكد أن ائتلافه لم يترك لإيران فرصة التزود بالسلاح النووى مشيرا إلى أن الحكومة الإيرانية سوف تبدأ ممارستها وتهديداتها الأمنية وإن بلاده سوف «تحتفظ لنفسها بحرية التحرك المطلقة ضد عدوها اللدود». وهذا هو فى رأيى محاولة متسترة للابتزاز والتأثير على سياسة الولايات المتحدة تجاه إيران وهو «إسفين» جديد تضعه إسرائيل فى الملف الأمريكى الإيرانى، ودليل قاطع ان من المستحيل إيجاد نوع من الإنفراج بين إسرائيل وحماس. كما أن أمل العودة إلى مفاوضات إسرائيلية فلسطينية بهدف مستقبل الدولة الفلسطينية بعيد جداً فى ضوء التطورات الإقليمية والدولية، فالولايات المتحدة لديها أولويات حثيثة كشفتها قمة مجموعة السبع وقمة حلف شمال الأطلسى، أما إسرائيل فهى تترقب إرهاصات مظاهرات مرتقبة وتتابع الأوضاع فى القدس الشرقية، والمنطقة العربية تخشى القنابل الموقوتة.. والمراقبون يتحدثون عن تكتيكات متوقعة من نيتانياهو لتضميد خسائره الأخيرة وليس غريباً أن تحذر حماس من أى تداعيات فى الأراضى المحتلة.. ولا أحد يعرف كيف سيستمر الائتلاف . ويبدو أن نيتانياهو يصر على شل الحكومة من الخارج، ويعلن إنه مسئول عن ثلاثة ملايين ناخب من اليمين ويرى أن بينيت غير مؤهل لمعارضة التهديد النووى الإيرانى أو معارضة الإدارة الأمريكية التى أعلنت على استحياء حق الفلسطينيين فى دولة.. وبارقة الأمل فى المشهد السياسى الإسرائيلى هى أن المجموعة العربية الإسرائيلية نجحت فى إسقاط نيتانياهو، وإن كانت فشلت فى القضاء عليه رغم فقدانه حسه السياسى وإطاحته بالديمقراطية مما أثار اشمئزاز وقرف حلفائه.. الذين قضوا على آخر أمل أو رفضوا دعم تحالف الليكود مع الحزب الإسلامى الذى يقوده منصور عباس قبل أن ينضم لإئتلاف التناوب فى مايو الماضى..
.. نعم إن المشهد السياسى معقد فى إسرائيل ويفتقد ملامح محددة !
لمزيد من مقالات عائشة عبدالغفار رابط دائم: