رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

تلك الأيام
سعاد حسنى

سعاد حسنى «1943 ــ 2001» فنانة مشتعلة، داخلها شتى الانفعالات والتناقضات الإنسانية بكل تجلياتها، توتر الأعصاب، ذوبان المشاعر، رقة الحب، شراسة الغدر، ألم الخيانة، عظمة الوفاء، وشمس العصارى عندما يغيب قرصها يدخل فى الليل ليطلع مع الفجر كل ابداع جديد.


ولدت فى حى بولاق وكان لها 16 أخا وأختا منهم 6 أشقاء.

وتحددت أسطورة حياتها فى بيت مشتعل بالفن والخلافات تقول: تربيت فى بيوت قلقة عامرة بالفن أختى سميرة ترسم ونجاة تغنى، وأبى فنان خط كثير الزواج، آلام حياتى دفعتنى لأن أصبح شيئاً.

عندما كان عمرها 5 سنوات عادت إلى البيت عقب الغناء فى برنامج بابا شارو، لتجد أمها تجمع ملابسها وملابس أخوتها والدموع فى عينيها، والغضب يسيطر على وجه أبيها، وهو يخرج غاضباً من المنزل ويغلق الباب وراءه بعنف. عرفت سعاد فيما بعد أن أباها طلق أمها كما يذكر الكاتب عبدالحى عبدالتواب.

بعد مدة تزوجت الأم، وحدث نزاع على الأولاد، الجميع ذهبوا إلى الأب إلا هى عاشت مع أمها وزوجها. لكن أمها حملتها إلى بيت أبيها مع أخوتها.

تقول سعاد: انتهزت أمى فرصة انشغالى باللعب، وتسللت خارج البيت، بكيت بحرقة ثم نسيت كل شىء بعد قطعة كنافة من أختى كوثر.

بعد أشهر استردتنى أمى، وبعد عام عدت لأبى. تنقلت 8 مرات فى 8 سنوات بين البيتين، وسحبت أوراقى 9 مرات من مدرسة لمدرسة.

هذا الانقسام الذى عاشته سعاد حسنى بين بيت أبيها وأمها هو الأسطورة التى حكمت مسار حياتها فسوف تظل طوال عمرها منقسمة متشظة، ممثلة، مغنية، راقصة.

تفعل كل شىء بإحساس ومشاعر صادقة فتخطف القلوب ولا تثير الغرائز.

سوف يصبح الانقسام علامة فى أعمالها الفنية، وتصبح أكثر ممثلة تقوم بأداء شخصيتين منقسمتين فى الفيلم الواحد، فى فيلم صغيرة على الحب وهو من أحب أفلامها إليها تقوم بدور الطفلة الشقية، والكبيرة العاقلة، وفى فيلم بئر الحرمان تقوم بدورين اللعوب، والمؤدبة، وفى فيلم نادية تقوم بدورين المرحة المنطلقة، والخجولة المنطوية.

والمسلسل الوحيد الذى قامت ببطولته «هو وهى» لسناء البيسى كل حلقة شخصية مستقلة تماما عن الأخرى أنه يناسب تماما شخصيتها وانقسامها.

والفيلم الذى كانت تؤدى فيه شخصية واحدة كانت تحدث لها تحولات كبرى مثل شخصية فاطمة فى الزوجة الثانية تتحول من فلاحة بسيطة منكسرة إلى امرأة قوية تستخدم الحيل ضد العمدة وتصيبه بالشلل وتنتقم لنفسها ولكل البلد، وفى شروق وغروب تتحول الفتاة اللعوب إلى امرأة حزينة تحب زوجها بصدق وصمت.

كانت بداية سعاد حسنى الفنية عندما أخذها عبدالرحمن الخميسى صديق خالها لمشاهدة بروفات فرقته المسرحية، وكانت سعاد تقف وراء الكواليس تعيد تمثيل بعض المشاهد، ولمحها الخميسى وقال هايلة.. فيك صدق فنانة لها مستقبل.

وجاءت الفرصة عندما كان المخرج هنرى بركات يبحث عن وجه جديد بريء وساذج ليقوم بدور نعيمة فى فيلمه «حسن ونعيمة» ورشحها الخميسى لبركات الذى طلب منها فى الاختبار أن تقول «سى حسن» ثلاث مرات بدرجات متفاوتة من الخجل. فى المرة الثالثة استجمعت ما بداخلها من حزن وشجن، وبحث عن الحنان الذى حرمت منه، فطلعت الجملة تذوب رقة وخجلاً ليصرخ بركات: برافو.. أنت مش عاوزة تست.. أنت عاوزة عقد تمضيه حالاً.

لتبدأ أسطورتها مع الفن وعمرها 17 سنة ويحقق الفيلم نجاحاً ساحقاً ويوقع معها بركات عقود لثلاثة أفلام مرة واحدة.

السذاجة والدهشة كانت من أهم مفاتيح شخصيتها أيضاً. وعندما سأُلت: من الذى أعطاها مفتاح الشاشة الفضية جمالك أم موهبتك؟

أجابت: سذاجتى! وحكمة سعد زغلول «إذا قيل أنك نابغة فدع الراحة».

أسطورة سعاد المنقسمة سوف تنمو وتتشكل على يد اسطورتين منقسمتين أيضاً أولاهما عبدالرحمن الخميسى الكاتب والمترجم والموسيقى وصاحب الفرقة المسرحية، والثانى الفنان صلاح جاهين المنقسم بين الشاعر والرسام والممثل والصحفى.

سوف تأخذ منهما عصارة الفن والفكر والإبداع، ورغم أنها لم تحصل على أى شهادة إلا أنها عندما تتحدث فى الفن تصبح كأفضل أساتذة معاهد التمثيل.

تقول: الأساس فى الفن الموهبة، والإحساس الفنى بمعيار، لكل فعل رد فعل، قد يكون أكبر من الفعل أو أقل أو مساويا له تماماً، الإنسان الذى يقابل الفعل برد بفعل أكبر أو أقل لا يصلح للتمثيل.

الموهوب فنيا هو الذى يعطى رد الفعل مساوياً بالضبط.

ليس شرطاً للفنانة أن تكون جميلة حتى القبح له أدواره على شاشة السينما.

على الفنان أن يدرس الناس ويعيش مشاكلهم، الناس هم مادة الحياة، والحياة مادة الممثل.

وعن الحب تقول: الحب ليس وصفاً، ولكنه معاناة هل يستطيع أحد أن يصف بصدق شعوره ورصاصة تدخل قلبه.

ورغم أنها تزوجت أربع مرات، إلا أن علاقتها بالفنان عبدالحليم حافظ تشبه اسطورتها، فلا أحد يعرف على وجه اليقين إن كانا تزوجا أم لا.. البعض يؤكد والبعض ينفى تماما مثل كل شىء فى حياتها ينقسم الناس حوله.

وأسطورة الانقسام ظهرت مع فيلمها الأول «حسن ونعيمة» وكان من انتاج شركة يملكها الموسيقار محمد عبدالوهاب وعبدالحليم حافظ.

ذهبت سعاد إلى محمد عبدالوهاب الذى طلب أن يراها ليحكم على امكانية نجاحها، ويطمئن على أمواله، فوجئ بها تقول له: والنبى يا أستاذ أنا نفسى أغنى كمان.

فقال لها عبدالوهاب: والله؟ لك فى الغناء؟ طيب سمعينا حاجة وراحت سعاد تغنى له أغنيته الشهيرة كل ده كان ليه.

قال عبدالوهاب بهدوء كعادته: صوتك فيه حاجة.

إنما خبطتين فى الرأس توجع، كفاية دلوقت نغامر بك كممثلة، أما الغناء فله مشوار آخر. ولو أدرك عبدالوهاب اسطورتها لأعطى لصوتها حقه بجانب محرم فؤاد فى الفيلم، لكنه كان محافظا ومنظما ودقيقا ولم يكن مغامرا أبدا.

سوف تنفجر أسطورة سعاد حسنى رقصا وغناء وشجنا وضحكا فى فيلم «خلى بالك من زوزو» قصة وأغانى صلاح جاهين وألحان كمال الطويل وسيد مكاوى واخراج حسن الإمام.

فى هذا الفيلم سوف نشاهد رقصة حزينة لسعاد وهى ترقص بديلا عن أمها أمام حبيبها، ترقص سعاد وكل جزء من جسمها بيبكى ونحس دموعه ونراه.. إنها اسطورة سعاد كالطير يرقص مذبوحا من الألم.

كان هذا الفيلم غريبا فى كل شيء فسعاد الحزينة بسبب نكسة 1967 تغنى وترقص على كلمات صلاح جاهين الأشد حزنا وتقول ياواد ياتقيل أنت عاجبنى.

وقد يبدو الأمر متعسفا لو قلنا إنها كانت تخاطب وتغنى للنصر الذى يشبه هذا الفتى الذى يعجبها. ولكن لم لا؟

وصلاح جاهين نفسه دخل فى دور اكتئاب طويل بعد نكسة 1967 ولأنه فنان حقيقى أراد أن يشارك فى الاستعداد للمعركة لكن كيف؟

يشرح لنا الكاتب محمود عوض الوضع المحير لصلاح جاهين قائلا: ماذا تقول السينما لملايين المعبئين ليوم الثأر؟ وماذا يكتب صلاح جاهين؟ إذا قال هلسا خان المليون جندى على الجبهة، وإذا تحدث جادا راح فى داهية؟ إذن ما العمل؟

وجاء الحل فيلم «خلى بالك من زوزو» بلا سياسة وإنما قصة حب لفتاة بسيطة شقية متعلمة، لا تبرأ من ماضيها، ولكنها تثق فى نفسها وقدراتها ومستقبلها، وتدرك خياراتها ومستعدة لتحمل النتائج.

سعاد بعد أن أصبحت ممثلة لم تكف عن البحث عن نصف اسطورتها الآخر «الغناء» وأخذت وعدا من كمال الطويل أن يلحن لها، واتصل صلاح جاهين بالطويل قائلا: سعاد عندى فى البيت.. أنت وعدتها تلحن لها؟.

ويصل الطويل لبيت جاهين ليجد أغنية يا واد ياتقيل فى انتظاره.

يحكى محمود عوض: اكتشف الطويل أن بيانو صلاح جاهين لا يصلح للتلحين، وحدث شيء لا يصدق، ترك كمال الطويل البيانو واتجه إلى باب الحجرة، ووقف ينقر الايقاع على خشب الباب ملحنا الكلمات كوبليه بعد كوبليه، وصلاح جاهين واقف إلى جواره بجهاز التسجيل. فى تلك الليلة لم يعرف أحد بعد أن لحنا يمكن أن يولد بهذه الطريقة، ويتدفق به كمال الطويل بهذه السلاسة كما لو أنه مولود باللحن داخله، ولم يدرك أحد وقتها أن ما جرى سيصبح قنبلة.. مثلت سعاد حسنى خلال مشوارها 91 فيلما حققت نجاحا باهرا منها ثمانية أفلام ضمن أفضل مائة فيلم فى تاريخ السينما أصبحت علامات مميزة فى حياتنا، مثل «القاهرة 30» و«الزوجة الثانية» و«الكرنك» و«شفيقة ومتولى» و«شروق وغروب» وطبعا اسطورتها الخاصة «خالى بالك من زوزو» وحصلت على العديد من الجوائز منها جائزة أحسن ممثلة عن شروق وغروب عام 1971 وكرمها الرئيس السادات عن مجمل أعمالها عام 1979.

المرض هزم اسطورة سعاد حسنى مبكرا، أصابها شرخ فى العمود الفقرى، وبدأت تأخذ أدوية تسببت فى زيادة وزنها، وفقدت لياقتها ورشاقتها.. سافرت للعلاج فى لندن، وبعد الأضواء الباهرة، عانت من الوحدة والاكتئاب فى مدينة الثلج، لتموت موتا مفجعا، لكنه يليق بأسطورتها ليكتشف الجميع فداحة الخسارة والفقد، وتتسلط الكاميرات على نفس الأسطورة، التى سقطت أو اسقطت من الدور السادس لعمارة فى لندن، وتنهمر الدموع من العيون على المشهد الأخير لسعاد حسنى، ويكون هذا المشهد أيضا محيرا مثل اسطورتها تماما، لقد انقسم الناس حول موتها ما بين انتحارها أو قتلها.. وهو نفس اسطورتها فى الحياة والفن والموت أيضا.

لمزيد من مقالات محسن عبد العزيز;

رابط دائم: