«الأمانة». قيمة راسخة فى الشخصية ينطلق الإنسان منها فى أداء الواجبات التى عليه وما لديه من حقوق غيره، سواء كانت هذه الحقوق متعلقة بالله تعالى أو حقوق مادية أو معنوية تجاه وطنه أو مجتمعه أو عائلته أو نفسه.
وقيمة الأمانة أنها تعف الإنسان عن أن يأخذ ما ليس له حتى وإن تهيأت له ظروف الاستحواذ.
والأمانة أصل فى اصطفاء الرسل والأنبياء حيث استأمنهم الله تعالى دينه ورسالته إلى البشرية، كما أنها وصية النبى ــ صلى الله عليه وسلم ــ لصحابته وللأمة؛ فعَنْ أَنَسٍ ــ رضى الله عنه ــ قَالَ: قَلَّمَا خَطَبَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَّا قَالَ: «لَا إِيمَانَ لِمَنْ لَا أَمَانَةَ لَهُ، وَلَا دِينَ لِمَنْ لَا عَهْدَ لَهُ»، وعَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ ــ رضى الله عنه ــ أن رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: «المؤْمِنُ مَنْ أَمِنَهُ النَّاسُ عَلَى دِمَائِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ».
والأمانة مفهوم تتسع دوائره حتى تشمل مجالات متعددة؛ فمن تحلى بقيمة الأمانة يكون «أمينًا حقًّا»، يشهد بالحق، ويحب العدل والإنصاف، ويُستأمن على حفظ الأسرار والأعراض والأموال، ويُعطى كل ذى حق حقه بصورة كاملة غير منقوصة، فلا يقصر فى عمله ولا فى إتقانه، ولا يماطل فى الديون المستحقة لغيره، ولا يختلس شيئًا ملكًا لغيره دون أن يشعر به أحد، ولا يعتدى على الأعراض ولا على الأموال ولا على الحياة ولا على الحقوق العلمية والفكرية.. إلخ.
لا شك أن هذه القيمة حين تصبح اسمًا لا مسمًّى له فى شخصية الإنسان ولا أثر له فى السلوك يكون الواقع أليمًا غير مستقرٍ نظرًا لحدوث تسلسل منطقى لأعمال الفساد؛ من التقاعس عن العمل والمماطلة فى الحقوق والخيانة للدين والوطن والفرد.. فى الأعراض والأموال والحياة.
ولذا حذرنا النبى صلى الله عليه وسلم - كما فى الصحيح - من التخلى عنها وعن سماتها ومقتضياتها ومعرفة أهلها على الحقيقة فى قولِه عن آثار وسمات رَفْعِهَا: «يَنَامُ الرَّجُلُ النَّوْمَةَ، فَتُقْبَضُ الأَمَانَةُ مِنْ قَلْبِهِ، فَيَظَلُّ أَثَرُهَا مِثْلَ أَثَرِ الوَكْتِ - أثر النار -، ثُمَّ يَنَامُ النَّوْمَةَ فَتُقْبَضُ.. فَيُصْبِحُ النَّاسُ يَتَبَايَعُونَ، فَلَا يَكَادُ أَحَدٌ يُؤَدِّى الأَمَانَةَ، فَيُقَالُ: إِنَّ فِى بَنِى فُلاَنٍ رَجُلًا أَمِينًا».
وبهذه المعانى السامية تظهر أهمية التحلى بقيمة «الأمانة» التى هى أصل فى منظومة القيم، فهى أساس لاختصاص الأنبياء والرسل والمصلحين واصطفائهم من قِبل الله تعالى، وهى أساس لامتياز جنس الإنسان عن المخلوقات الأخرى من خصائص وصفات محورها اختيار فعل الخيرات والأعمال الصالحات، فهى من جملة الأمانة التى أوكلها الله تعالى للإنسان كما فى قوله تعالى: (إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ).
لمزيد من مقالات د. شوقى علام رابط دائم: