رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

«إخضاع الكلب».. أو الوجه المخيف للحب

ضيقة كقميص كَتّافِىّ .. مدينة النفى الذاتىّ التى اصطفاها لنفسه مهرباً من الناس ومحبساً للذكريات لتزداد احتداماً. الكلام عن هارون عبد الرحيم بطل رواية إخضاع الكلب للكاتب أحمد الفخرانى, أما المدينة فهى دهب، تلك البلدة الصغيرة فى جنوب سيناء, المصطاف الذى بحجم قرية, المنفى الاختيارى المثالى لهارب من الحياة، والتى أدخلها أحمد الفخرانى بقوة واقتدار عوالم الخيال الروائى، لتصير مسرح أحداث رواية جديدة ، بطلاها رجل هارب من طعنة حب غادرة، وكلب مهجن اسمه ونيس، وجده الرجل الذى اسمه هارون مربوطاً فى شجرة بفناء بيته، الذى هو محبس ومهرب، فى نقطة بعيدة عن شلال الحياة أوى إليها هارون، الذى كان طوال عمره يخشى الكلاب، والآن يخشى الناس أكثر، بعد خيبة فى الحب جعلته يزهد الحياة كلها ويعتزل الناس، بعكس ما كانه فى أوج شباب وعنفوان شهد نجاحاً ولمعاناً له, فى العاصمة وخارج القطر, فى مجال التصوير الفوتوغرافى، وكوّن خلاله أسرة صغيرة: زوجة أجنبية وطفل سماه آدم. وكان له صديق عمر اسمه سمير، عدّه أخاً ولم يتوقع أبداً طعنة فى الظهر من يده, أما طعنة القلب فجاءت من زوجته باربرا.

تبدأ رواية إخضاع الكلب بهرب الزوجة إلى بلدها حاملة طفله الوحيد، ليلحق بها هناك الصديق الصدوق الخائن، الذى اكتشف هارون أنه كان ينتهك عرضه من خلف ظهره. تحت وطأة هذه الصدمة، ترنح وجدان هارون، المصور الفوتوغرافى المرموق، فاعتزل مهنته وتقاعد فى مكان ظنه يصلح للعزلة، (دهب) حيث قليل من الناس نصفهم سائحون يرطنون بألسنة مجهولة. واكترى القنفذ الآدمى بيتاً صغيراً، يحيطه جدار عازل شفاف قوامه الصمت ومجافاة البشر.. حتى اقتحمت عزلته امرأة جميلة، جريئة لحد الوقاحة، اتضح أنها عرفته فى زمن نجوميته، حيث كانت تلميذة فى إحدى الدورات التى نظمها لتعليم التصوير الفوتوغرافى للهواة، وأنه صدمها بجملة صريحة مفادها أنه لم ير من قبل مثيلاً لها من حيث انعدام الموهبة.

وتبدأ حكاية الحب والصراع بين هارون والكلب، بأن غزت تلك المرأة، واسمها أسما مخبأه، وقضت ليلة معه دون أن تعطيه شيئاً سوى إثارة لم تُشبع، واستيقظ هارون فى الصباح ليجدها قد مضت، تاركة له رسالة, وكلباً ربطته فى الشجرة، بعد أن سرقت ماله فى طريقها إلى سانت كاترين. هكذا ينتهى الفصل الأول (صفير الريح) ليبدأ الثانى (جوف الحوت) حيث نغوص فى عتمة نفس هارون فى مواجهته للغريزة الحيوانية الخام للكلب, حيث تمتزج الوحشية ببراءة الطفولة، وما أودعه الخالق فى مخلوقاته من مكر لتستمر على قيد الحياة. يتكشف - طوال هذا الفصل الطويل والفصول التى تليه - أن مطلب الموت فى الحياة الذى فرضه هارون على نفسه، والسور الذى أقامه حول ذاته ووجدانه، لا يصمد فى وجه الحياة؛ لأنه حتى وإن منع - إلى حد ما - مناوشات آتية من خارجه، فإن عتمة بطن الحوت التى هى باطنه، حيث كل العواطف والغرائز الموروثة عن الوحش السحيق الكامن فينا، هى فى حالة فوران، أو قابلة للفوران إزاء لمسة تأتى من الخارج، من امرأة يمتزج فيها سحر الحسن بالشعوذة، تسلب هارون وتربطه وتنفلت تاركة خلفها غرائزه الوحشية السجينة فى صورة كلب مربوط فى شجرة. وتتوالى الفصول مُعَرية فى نفس هارون, ومستفِزة فى كلبه, غرائز الجوع, والنزوع إلى الهيمنة, والمكر من أجل البقاء, وشهوة الانتقام والثأر. وإذا بهارون الذى أراد التنسك والرهبنة ومحو الذات والانعدام - إذا به, بحصار نفسه, يوفر الظلام اللازم لاستيقاظ الوحش ونُمُوِّه وعُتُوِّه.. كما سنرى فى السطور القادمة بإذن الله.


لمزيد من مقالات بهاء جاهين

رابط دائم: