لايزال سبب عدم تأثر الأطفال بفيروس «كوفيدــ19» غير معروف وإن كان هناك تحول بدأ يبدو فى المشهد. وبحسب الخبراء فإن أحد أسباب عدم تأثر الأطفال بالفيروس هو أن هناك فيروسات تاجية أخرى تنتشر وتسبب أمراضا مثل أدوار البرد العادية. وبما أن الأطفال يصابون بالبرد فإن نظامهم المناعى قد يكون مؤهلا لوقايتهم من كوفيد-19. وتثير مؤسسة «مايو كلينيك» الصحية الأمريكية احتمال أن يكون النظام المناعى للأطفال يتفاعل بشكل مختلف مع الفيروس مقارنة بالبالغين. وتضيف أن بعض البالغين يمرضون بسبب أن نظامهم المناعى يبدو أنه يبالغ فى رد الفعل على الفيروس مما يسبب أضرارا أكثر لأجسامهم. واحتمالات أن حدوث ذلك تبدو أقل .
ولكن هذا المشهد بدأ فى التحول أمام السلالات الجديدة فى البرازيل والهند وإندونيسيا. ففى البرازيل، لقى نحو 2216 طفلا ما بين حديثى الولادة حتى سن 9 أعوام مصرعهم بسبب الوباء. من بينهم 1397 طفلا دون سن عام. فى الوقت ذاته فإن أكثر من 67ألف طفل حتى عمر التاسعة قد تم إسعافهم. وفى الهند، فإن الموجة الثانية من الوباء تصيب ما بين 12 و 15 طفلا يوميا. وبينما جرت العادة على أن تكون أعراض الإصابة عند الأطفال خفيفة ويمكن معالجتها فى المنزل، فإن هناك عددا متزايدا من الحالات الخطيرة بين الأطفال. وتثور مخاوف بين عامة الشعب فى الهند من أن الموجة الثالثة المحتملة من الوباء ستضرب الأطفال بقوة.
وكذلك تشهد إندونيسيا زيادة سريعة فى الإصابات بين الأطفال التى تمثل نسبة 12.2% من الحالات المؤكدة، ونسبة الوفيات من الأطفال 1.2%.
لكن ملاحظة تزايد الإصابات بين الأطفال ليست معممة على سائر بلدان العالم. فقد نشرت مجلة «لانست» الطبية الشهيرة، دراسة أجرتها فى 7بلدان هى الولايات المتحدة وبريطانيا (التى شهدت سلالة متحورة من الفيروس بدءا من ديسمبر 2020) وإيطالياوألمانيا وفرنسا وإسبانيا وكوريا الجنوبية. واتضح من خلال الدراسة- التى تغطى الفترة مابين مارس 2020 حتى فبراير 2021 – أن نسبة تمثل أقل من اثنين من بين كل مليون طفل مات متأثرا بكوفيد-19.
على هذه الخلفية، ثار جدل أخلاقى وصحى حول مسألة تطعيم الأطفال ضد كوفيد-19. وقد ثار هذا الجدل بعد أن لقحت الولايات المتحدة نحو 600 ألف طفل ما بين سن 12 و15 عاما، ضاربة عرض الحائط بالتحذيرات الأخلاقية من جانب منظمة الصحة العالمية بسبب الضحايا الذين يحصدهم الوباء فى البلدان الفقيرة دون أن يتمكنوا من الحصول على التلقيح. وشرعت بلدان أخرى فى اتخاذ خطوات مماثلة مثل ألمانيا وسويسرا، فيما تعد كندا هى الدولة الأولى التى بدأت إعطاء اللقاح للأطفال ابتداء من سن 12 عاما وتعتزم تطعيم كل الأطفال والمراهقين بجرعة واحدة على الأقل قبل بدء العام الدراسى الخريف القادم. كما أجازت الوكالة الأوروبية للأدوية استخدام لقاح فايزر للأطفال ما بين سن الـ12 و 15 عاما. واستندت الوكالة إلى دراسة علمية شملت 2260 طفلا ومراهقا من هذه الشريحة العمرية حيث أعطت نتائج مناعية مماثلة للشريحة العمرية ما بين 16و 25 عاما. لكن الوكالة أقرت بمحدودية الدراسة ملمحة إلى إمكانية وجود آثار جانبية غير معروفة لدى هذه الشريحة. وقد أقرت الولايات المتحدة وكندا إعطاء لقاح فايزر للأطفال عقب دراسة محدودة كذلك، فى حين يناشد الخبراء فى المملكة المتحدة السلطات التأنى فى اتخاذ قرار بتطعيم الأطفال بسبب المعلومات المحدودة حول الآثار الجانبية على الأطفال وأيضا المحاذير الأخلاقية حول الاستئثار باللقاح دون فقراء العالم.
وتخشى هذه الدول من تغير الوضع مع ظهور سلالات جديدة من الفيروس تنتشر بين الأقل سنا. كما ترى أن تطعيم الأطفال يزيد من مناعة المجتمع ككل أمام الفيروس، نظرا للدور الذى يلعبه الأطفال فى نقل العدوى. وتزداد أهمية تطعيم الأطفال فى الولايات المتحدة خصوصا لبناء مناعة داخل المجتمع بسبب تردد البالغين فى أخذ اللقاح.
من جهة أخرى، أثارت الإذاعة الألمانية «دويتشه فيليه» جدلا مفاده أن إعطاء اللقاح للبالغين لن يوفر حماية للأطفال، حيث إنهم يمثلون أكثر من 30% من سكان العالم ويجب إدماجهم فى جهود بناء «مناعة القطيع». كما أن الأطفال الذين يعانون الأمراض المزمنة فى حاجة للحماية. وتعترف «دويتشه فيليه» بأن الأبحاث التى أجريت حول تأثير لقاحات كوفيد-19 على الأطفال قليلة للغاية، ونقلت عن خبراء فى مجال اللقاحات أن الحذر يظل مهما رغم إثبات لقاح فايزر، خاصة، أمانه وفعاليته بعد إعطاء 100 مليون جرعة منه حول العالم، وهو ما مهد للتصريح به للأطفال ما بين 12 و 15 عاما. فالنظام المناعى للأطفال يتفاعل بشكل مختلف مع اللقاحات مقارنة بالمراهقين والبالغين. كما أن العثور على جرعة اللقاح الأكثر أمانا وفعالية أمر ضرورى. وتجرى شركتا «فايزر» «وبايونتك» دراسات حالية على الأطفال ما بين 6 و 11 عاما، وكذلك شركات موديرنا وأسترازينيكا وجونسون دون ظهور نتائج بعد.
لكن منظمة الصحة العالمية حذرت من أن هذه الخطوة تنطوى على «ظلم فاضح»، حيث تقوم الدول الغنية بتطعيم الأطفال والمجموعات الأقل عرضة لخطر الإصابة بالوباء على حساب عمال الصحة والأطباء والمرضى الذين يسقطون كل يوم على خط الجبهة أمام الوباء دون تحصين فى الدول الفقيرة. ففى قارة إفريقيا لم يتلق حتى ولو جرعة واحدة من أى لقاح سوى أقل من 2% من السكان. فى حين أنه فى بلد مثل كندا فقد تلقى أكثر من 50%من السكان جرعة واحدة على الأقل من اللقاح.
رابط دائم: