رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

بطل الحرب والسلام وقاهر غزاة البحر

لم تستسلم مصر رغم هزيمتها العسكرية المريرة بعد عدوان اسرائيل المبيت فى 5 يونيو 1967، وإنما خاضت حرب الاستنزاف البطولية فى خضم عملية إعادة بناء قواتها المسلحة، حتى تمكنت فى حرب أكتوبر 1973 من عبور قناة السويس الذى بدا مستحيلا، وتحطيم خط بارليف الذى بدا منيعا. وارتكازا الى انتصار مصر العسكرى ثم توقيعها معاهدة السلام مع اسرائيل، استردت سيناء، وهى مأثرة استحق الرئيس السادات بفضلها لقب بطل الحرب والسلام. وفى سياق التعلم الايجابى من التاريخ المجيد لمصر القديمة لا ينبغى نسيان فضل الملك رمسيس الثانى، الذى استحق وبجدارة لقب بطل الحرب والسلام قبل نحو 3300 عام، وفضل الملك رمسيس الثالث، الذى استحق لقب قاهر شعوب البحر.

وأسجل، أولا، أن المصريين القدماء هم الذين ابتدعوا المبادئ والأسس التى قام عليها علم الاستراتيجية وعلم التكتيك وفنون الحرب وتنظيم الجيوش الكبرى، ووضع خطط المعارك الحربية التى مازالت حتى الآن محل دراسة بأكاديميات الحرب الحديثة فى كل مكان، واسترشد بها القادة العسكريون فى التاريخ الحديث. وكان المصريون أول من كون هيئة أركان حرب التى تؤدى وظيفة العقل الإدارى والتنظيمى والحربى فى الجيوش الحديثة، ونقرأ فى موسوعة كمبردج فى التاريخ القديم أن الجيش، الذى قاده تحتمس الثالث، كان جيشاً وطنياً هائل الحجم، يقوم على قيادته ضباط محترفون مدربون على أعلى مستوى، يؤدون وظائفهم وواجباتهم الحربية، بشكل منظم ومنسق، كما لو كانوا حلقات مترابطة فى سلسلة القيادة العامة، كما أوضح الدكتور أحمد قدرى فى رسالته للدكتوراه عن المؤسسة العسكرية فى عصر الإمبراطورية.

وثانيا، أن قوات مصر المسلحة حققت انتصارات ساحقة وفتوحات شاسعة بقيادة آبائها الفاتحين وعلى رأسهم تحتمس الثالث مؤسس الإمبراطورية الدفاعية المصرية، وتمكن خلفاؤه من الملوك بالدهاء والسياسة وقوة الردع من حفظ كيان إمبراطوريتهم. ومرتكزين الى واقع أن أيا من الممالك المجاورة لم تبلغ من القوة والبطش ما كانت عليه مصر وقتئذ، أخذ حلفاؤه يعقدون التحالفات مع البلاد التى ضمتها الامبراطورية، ووطدوا أواصر المصادقة والمهادنة والمصاهرة والهدايا، مما هيأ لمصر البقاء فترة طويلة حاملة لواء السيادة فى نطاق أمنها الاقليمى. ولم ينصف بعض المؤرخين رمسيس الثانى، ونحوا عليه باللائمة لأنه لم يفلح فى استعادة الإمبراطورية المصرية كما كانت عليه أيام تحتمس الثالث، ولكن فاتهم أنه كان يحارب جيش أمة فتية لها حلفاء أشداء فى آسيا الصغرى، وأنه انتصر عليهم فى موقعة قادش.

وثالثا، أن رمسيس الثانى لم يكن يحارب للفتح، بل كان يحارب لاسترداد ما ضيعه الملك إخناتون من أراض كانت تمثل النطاق الاقليمى لأمن مصر القومى. وكان الحيثيون شعبًا أناضوليًّا لعب دورًا مهمًّا فى تأسيس إمبراطورية عام 1600 قبل الميلاد تقريبًا، وكان شمال وسط الأناضول مركزها. وفى معركة قادش الثانية فى عام 1274 قبل الميلاد قامت القوات المصرية تحت قيادة رمسيس الثانى بالاشتباك مع قوات ملك الحيثيين لمدة خمسة عشر عاما. وبعد أن أعاد سيطرة مصر على فلسطين وجنوب سوريا، ولأن أيا من الطرفين لم يتمكن من هزيمة الطرف الآخر،أبرم رمسيس الثانى معاهدة سلام مع ملك الحيثيين فى عام 1258 قبل الميلاد، وهى أول معاهدة للسلام فى تاريخ العالم. وتدل نصوص المعاهدة على أن مصر كانت صاحبة اليد الطولى فى إملاء فقراتها.

ورابعا، أن عهد رمسيس الثالث كان من أحرج الفترات فى تاريخ مصر، حيث قامت قبائل التحنو وغيرها من قبائل شرق ليبيا ومعهم قبائل المشوش وغيرها من غرب ليبيا بالزحف على مصر، ووصلوا الى أرض الدلتا؛ يرغبون فى الهجرة اليها والسكنى فيها، وقد تقابل رمسيس الثالث مع هؤلاء الغزاة فى مواقع طاحنة انتهت بانتصار مصر وردهم على أعقابهم بل وإخضاعهم. وجاء التهديد الأخطر من جانب من أسماهم المؤرخون شعوب البحر-من آسيا الصغرى وشمال البحر الأبيض المتوسط وجزره مثل صقلية وسردينيا ومن أوروبا-الذين استهدفوا غزو واستيطان مصر؛ براً من جهة فلسطين، فاستعد رمسيس الثالث لملاقاتهم فى بلاد كنعان وألحق بهم هزيمة نكراء. ثم تأهبوا للزحف على مصر بحراً، فأقام الاستحكامات على ساحل البحر وعند التقاء النيل بالبحر، ووقف على الساحل مع جنوده يعاضد أسطوله الذى أخذ ينازل أسطول الغزاة؛ فى أول معركة بحرية عرفت فى تاريخ العالم.

وخامسا، أن رمسيس الثالث بعد القضاء على غزوة أقوام البحر من جهة الشمال، قام بغارات ضد المتمردين من جهة الشرق فى إمارات شمال سوريا والمناطق المتاخمة لها، وأحرز النصر عليها جميعاً، فعادت تدين له بالطاعة. وأما بلاد كوش فى شمال السودان من جهة الجنوب، فقد غزاها فى بادئ حكمه لوأد ثورات هبت فيها، وبقيت موالية له تؤدى جزيتها. وسجل رمسيس الثالث- بفخر وحق- أننى حميت مصر وأقصيت عنها الأقواس التسعة (يقصد أعداء مصر القديمة من الجنوب والشرق والغرب)، وأفنيت بذرة الذين أتوا عبر البحر من الشمال!! وكان عهده فترة رخاء وقوة ومجد، فأثرت مصر ونعم المصريون بالأمن والعدل والرخاء.

وأخيرا، أزعم دون ريب أن مصر تستعيد أمجادها التاريخية بقيادة الرئيس السيسى، لحماية أمن مصر القومى وتحقيق الأمن الانسانى للمصريين، وهو ما يستحق مقالات لاحقة.


لمزيد من مقالات د. طه عبد العليم

رابط دائم: