رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

أسئلة ما بعد المواجهة

ليس من المتوقع أن تقضى مقاومة الشعب الفلسطينى الباسلة على الاحتلال وتحقيق التحرر والحرية، بضربة واحدة قاضية، وذلك من واقع الخبرة التاريخية لحركات التحرر الوطنى من الاحتلال والاستعمار، فجميع هذه الحركات عانت من اختلال موازين القوى لمصلحة المحتل والمستعمر ولم تتمكن من الحصول على التحرر والاستقلال إلا عبر مواجهة تاريخية ممتدة، تسجل فيها النقاط ضد المحتل، تستنزف قواه، وتفضح صورة انتهاكاته وتكشف عن وجهه القناع أمام الرأى العام الدولى، ومن ثم تكسب المعركة ضد المستعمر على الصعيد الأخلاقى قبل العسكرى.

المواجهة الفلسطينية للاحتلال التى امتدت من شهر أبريل عام 2021 حتى فجر يوم 21 مايو من العام ذاته تاريخ وقف إطلاق النار بين إسرائيل والمقاومة الفلسطينية، وقفا متزامنا ومتبادلا، هذه المواجهة بدأت من القدس وباب العامود وحى الشيخ جراح وباحات الأقصى، ولحقت بها احتجاجات الفلسطينيين فى المدن المختلفة وامتدت إلى قطاع غزة، لم تكن المواجهة الأولى بين الاحتلال وبين الشعب الفلسطينى، ولن تكون الأخيرة بطبيعة الحال، طالما بقى الاحتلال جاثما على صدور الشعب الفلسطينى، الإنجاز الذى أسفرت عنه هذه المواجهة ينخرط فى حلقات متصلة من الإنجازات فى تاريخ النضال الفلسطينى، ففى 21 مارس عام 1968، انعقد مجلس الأمن ثلاث مرات؛ للسماح للإسرائيليين بسحب قتلاهم من ساحات معركة الكرامة، وتحفظ الذاكرة الفلسطينية والعربية مواجهات يوم الأرض فى عام 1976، ومثل ذلك العديد من العمليات التى دفعت فيها إسرائيل ثمنا كبيرا مقارنة بما تكبده الشعب الفلسطينى والمقاومة.

عصفت المواجهة المدنية والعسكرية بين الشعب الفلسطينى والاحتلال الإسرائيلى التى دارت خلال هذين الشهرين أبريل ومايو 2021، بخطوط التقسيم الوهمية، التى خططت لها سلطات الاحتلال والمؤسسة الاستعمارية والأمنية الإسرائيلية طوال عقود، واستعانت فى وضع هذه الخطوط بخبراء ومحللين وأكاديميين، زعموا أنهم يفهمون الشعب الفلسطينى وقادرون على رسم استراتيجية احتوائه وإخضاعه، تفتيت وحدة الشعب الفلسطينى كان الهدف؛ فلسطينو الداخل، والفلسطينيون فى الأراضى المحتلة الضفة الغربية وغزة والقدس وفلسطينيو المنفى والشتات فى البلدان المحيطة بإسرائيل والمجتمعات الغربية، فى خضم هذه المواجهة أصبح أولئك وهؤلاء كلا واحدا لا يتجزأ، انصهر الجميع فى بوتقة واحدة، فى مواجهة الضم والاحتلال والتمييز العنصرى «والأبارتهايد» وكأنهم كانوا على موعد، واستدعوا جميعا معاناتهم بمختلف أشكالها فى وقت واحد وضد عدو واحد.

من ناحية أخرى فإن خطوط تقسيم الشعب الفلسطينى وتفتيت وحدته، استندت إلى أوهام أخرى حاولت المؤسسة الاستعمارية الإسرائيلية تصديرها للعقل الفلسطينى، مثل أن القضية الفلسطينية لا تحظى بالاهتمام من الجانب العربى والدولى، وأنها قد أصبحت فى المرتبة الثانية على الأجندة العربية بعد الانشغالات الوطنية، والهدف بالطبع من ذلك هو حمل الشعب الفلسطينى على اليأس والخضوع وقبول تغييب حقوقه المشروعة واحتواء تطلعاته الوطنية، أسفرت المواجهة عن تجذر القضية الفلسطينية فى الوعى والشعور العربيين وأن نضالهم من أجل القدس والأقصى يحظى بالتعاطف والتقدير عربيا وعالميا وإسلاميا.

كشفت التقارير الإعلامية والأخبار عن أن الفلسطينيين حظوا بتعاطف الرأى العام الدولى، وأن صورة إسرائيل تعرضت خلال المواجهة إلى التشويه ووسمت ممارساتها باللا أخلاقية، فها هى جريدة نيويورك تايمز وهى من أشهر الصحف الأمريكية تنشر فى عدد لها صورا لـ 67 طفلا تم قتلهم من قبل القوات الإسرائيلية، كما عرض أحد المواطنين الدنماركيين توابيت الأطفال الذين راحوا ضحية العدوان.

لم تعد القوة الإسرائيلية المفرطة قادرة على تحقيق الأهداف السياسية التى تنشدها المؤسسة الاستعمارية؛ أى إخضاع الشعب الفلسطينى وإجباره على قبول الأمر الواقع ولا إخضاع المقاومة الفلسطينية وإسكات الصواريخ التى تطلقها إلى داخل إسرائيل، وحتى الأنفاق التى زعمت إسرائيل تدميرها يؤكد المراقبون أن ما تم تدميره منها قد يعادل النصف، اكتفت إسرائيل بالضربات الجوية للمبانى والمنشآت وهددت بالاجتياح البرى لغزة لحمل مقاتلى حماس على اللجوء إلى الأنفاق وتدميرها عليهم.

القوة الإسرائيلية تتناقص منفعتها الحدية بدليل أن هذا العدوان هو الرابع من نوعه بهدف تحطيم المقاومة وإخضاعها وإسكات الصواريخ، 2009، 2012، 2014، وأخيرا وليس آخرا 2021، جميع هذه الجولات وضعت نصب أعينها تصفية المقاومة وإسكات الصواريخ ولكنها منيت بالفشل، وانتهت إلى نتائج تكاد تكون عكس ما خططت له إسرائيل.

الجدل حول النصر والهزيمة ومن كان نصيبه الانتصار ومن كانت من نصيبه الهزيمة، يستند إلى معايير لا تتوافق مع الحالة الفلسطينية، بل يتوافق مع المواجهات بين الدول والجيوش النظامية، ذلك أن الحالة الفلسطينية حالة تحرر وطنى تكسب بالنقاط، وليس بالضربة القاضية، كما أن إسرائيل تمتلك جيشا نظاميا وقويا فى مواجهة احتجاجات وهبات لشعب أعزل من السلاح وتعتمد على المقاومة السلمية والمدنية ومن ناحية أخرى فإن قطاع غزة ليس دولة، بل حركات مقاومة مسلحة ورغم تطورها وفاعليتها، إلا أنها لم تبلغ بعد مرحلة التعادل فى القوة مع إسرائيل.

فلنتأمل الحالة الإسرائيلية، فرغم أن إسرائيل تصادر الأرض والممتلكات الفلسطينية وتقتل المدنيين والأطفال وتهدم المبانى على رءوس قاطنيها، فإنها تفعل ذلك وهى تتباكى وتصرخ وتطلب العون من المجتمع الدولى وترسم صورة إسرائيل كحمل وديع فى مواجهة الذئاب الفلسطينية والعربية، بل والأكثر من ذلك فإن أحد الباحثين الإسرائيليين يذهب إلى أن إسرائيل قد شكلت فريقا للإعلام بالتعاون مع وزارة الخارجية لمخاطبة الغرب ويلمح إلى أن بعض المشاهد التى تم تصديرها من داخل إسرائيل تعبيرا عن الذعر قد تم تصميمها خصيص للتصدير إلى الخارج.

ربح الشعب الفلسطينى وخسرت إسرائيل، ربح الوحدة واستعادت قضيته الصدارة وبؤرة الاهتمام الدولى وكشف صورة إسرائيل الحقيقية كنظام احتلال وتمييز عنصرى وكسب الشعب الفلسطينى المعركة الأخلاقية وفاز بمعركة الصورة والبث المباشر لجرائم الاحتلال وتعاطف الرأى العام الدولى مع قضيته.

هذه الإنجازات تقرب الشعب الفلسطينى من تحقيق تطلعاته المشروعة فى الدولة وعاصمتها القدس، ولا شك أن إيمان الشعب الفلسطينى بعدالة قضيته واقتناعه بحتمية الانتصار يمثل حجر الزاوية فى تحقيق هذا الانتصار والتحرر من الاحتلال والعنصرية وهذا الانتصار قادم لا ريب فيه، تسبق ذلك بطبيعة الحال المواجهة البناءة لأسئلة ما بعد هذه الجولة فى الصراع مثل كيفية البناء على ما تحقق وآلية تعزيز الوحدة الوطنية ومنح الأولوية للمصالح العليا الفلسطينية.


لمزيد من مقالات د. عبد العليم محمد

رابط دائم: