عام كامل من الهموم والأحزان والنكد، يمكن أن تنساه فى هذه الجنة المنسية، وهذا المنتجع «المظلوم»!
فى رأس البر، أنت فى مكان آخر من العالم، بل إن العالم كله بقضاياه ومشاكله «صفر على الشمال» وأنت مختبئ هناك بين أحضان النيل والبحر!
الموقع عبقري، والطبيعة الخلابة، والبشر أنقياء، لا يعرفون سوى العمل، ونالوا إشادة جميع رؤساء مصر، وكما يتمتع الدمياطى بملكات التجارة والتصنيع وصناعة المالHow to make money، فالمرأة «الدمياطية» أيضا بارعة فى «المطبخ»، وتستطيع إبهارك مثلا بأصناف أكلات لا تعد ولا تحصى، من الأسماك فقط!
اتهموا الدمياطى بالبخل، ربما لأنه يعرف قيمة «الجنيه» الذى تعب من أجله، وضحى بحياته وطفولته وشبابه وملذاته من أجل تعلم صنعة أو تجارة، لذلك، يندر أن تجد فى رأس البر، أو فى دمياط كلها، متسولا، أو حتى «سايس» عربيات، ومن الصعب أيضا أن تجد عاملا أو صبيا يطلب بقشيشا، والأصعب أن تجد من يأكل «بره البيت»، فالتيك أواى والديليفرى من مظاهر الفساد لدى الدمايطة!
فى رأس البر، مرج البحرين يلتقيان، بينهما برزخ لا يبغيان، ففى منطقة «اللسان»، تجد نفسك منبهرا أمام مكان لا نظير له فى مصر، وهذه ليست مبالغة، ولكنها حقيقة لا يشعر بحلاوتها إلا من رأى بعينه مياه النيل العظيم وهى تحتضن برومانسية شديدة مياه البحر المتوسط العصبية الهادرة، هذا عذب فرات، وهذا ملح أجاج!
هى قطعة من أوروبا، بل أحلى، فشوارعها تبدو وكأنها مرسومة بالمسطرة، وبيوتها وفيلاتها الأنيقة ذات الأسقف «القرميدية» الحمراء التى حلت محل عشش «الأكياب» القديمة تبدو أشبه ببيوت لعبة «الميكانو» الحالمة!
وفى رأس البر كل المتعة، السينمات والملاهى والسيرك والمطاعم والكافيهات المطلة على البحر أو على النيل، وبها كازينو تاريخى شهير يخترق البحر بمسافة طويلة بمنطقة اللسان، يمكنك أن تجلس عليه صباحا أو مساء، فتنسى فيه اسمك!
أما عن أسواقها، ولباقة بائعيها، وحلاوة المأكولات البحرية والمشبك والفطير المشلتت والخضراوات والفاكهة الطازجة، فحدث ولا حرج، حتى الفول والطعمية هناك شيء آخر، أما رغيف الخبز الدمياطى الأبيض فأجزم أنه الأفضل فى مصر كلها!
ورأس البر هى المكان الوحيد فى مصر الذى يملك شواطئ بحرية ونيلية فى آن واحد، فشاطئ «الجربي» هو الشاطئ النيلى لرأس البر، واسمه مستمد من الشيخ «الجربي»، أحد مشايخ الطرق الصوفية قديما.
ومما تفخر به رأس البر أنها تحمل عبقا تاريخيا فريدا، ففى كل مطعم أو فندق أو محل تجاري، يمكنك أن ترى صورة نادرة لأم كلثوم أو أسمهان أو عبد الوهاب فى رأس البر زمان، ومع ذلك، لم يخلد الفن رأس البر ولا دمياط إلا بأغنية «يتيمة» لطاهر أبو فاشا غناها سيد مكاوى اسمها «على دمياط».
وفى الضفة المقابلة للنيل، توجد عزبة البرج، بمراكبها وصياديها ومبانيها الملونة، وفيها افتتح السفير عبد الرءوف الريدى مؤخرا مكتبة عامة مبهرة!
لن أتحدث عن دمياط، وما طرأ عليها من تغيير، فيكفى مشروع «مدينة دمياط للأثاث» العملاق الذى أنشئ ليكون نقلة هائلة فى صناعة الأثاث الدمياطي، الذى لا نظير له فى العالم، ولكن سأتحدث عن رأس البر، التى تصلح، مع بعض الاهتمام، لأن تكون أجمل مصيف ومشتى فى مصر على الإطلاق، لأنه لا توجد مبررات مقنعة تجعلها فى مرتبة متأخرة للغاية فى ترتيب أجمل المدن المصرية، بعد أن كانت رقم «1» فى منتصف القرن الماضي، فقد ظل المصيف يعانى لسنوات نقص الفنادق الفاخرة التى تسمح باستقبال زائرين من مستويات راقية، مفضلا سياسة تأجير الغرف و«العشش» للزائرين، خاصة أن جميع العقارات مملوكة لـ «الدمايطة»، وإيجاراتها المنخفضة تجتذب زبائن «معينين» من مدن ومحافظات الدلتا والقناة القريبة، وهو ما جعل البعض يطلقون عليها «مارينا البسطاء»، وهى تسمية ظالمة جدا.
أما الآن، فرأس البر بها فنادق فاخرة و»معقولة»، ويمكنها اجتذاب زوار شرم الشيخ والساحل الشمالي، ليس فقط من هواة نزول البحر أو النيل، وإنما أيضا عشاق سياحة التسوق فى شارع النيل، أما هواة سياحة «الأكل»، فلن يجدوا أفضل من رأس البر مقرا دائما لهم!
وتكتمل الصورة الرائعة إذا اهتمت المحافظة النشطة منال عوض أكثر بالنظافة وبإزالة المطبات الصناعية فى مدخلى دمياط ورأس البر، وبـ«سفلتة» الشوارع الجانبية، وبخاصة منطقة ما بعد شارع 101، والاجتهاد لإرضاء الدمايطة، وحل مشكلات الصناع والتجار!
.. «النفسية» تحتاج إلى رأس البر!
لمزيد من مقالات هانى عسل رابط دائم: