يعد محمد محمود باشا سليمان واحدا من أهم الشخصيات التى أنجبتها محافظة أسيوط، وكذلك الحال مع والده محمود سليمان باشا، الذى عرض عليه الإنجليز تولى الحكم قبل السلطان حسين كامل، ولكنه رفض ذلك معتبرا أنه خيانة لخليفة الخديو عباس حلمى الذى عزله الإنجليز عام 1914 ومنعوا دخوله مصر.
وقد قابل السلطان حسين، جميل محمود سليمان باشا بكثير من التقدير، وكان سليمان الابن دائما ما يستدعى تلك القصة، قائلا : «أنا ابن من عرض عليه الملك فأبى».
وواقع الأمر يكشف أسباب ترفع عائلة سليمان عن السعى وراء السلطة، فقد كانت تتمتع بأسباب الثراء وعلو الشأن وعظيم السمعة فى صعيد مصر. فقد ترك سليمان الأب لنجله نحو 1600 فدان من أجود الأراضى الزراعية. واتفق الأب والابن على التزام خط الوطنية الصادقة والدفاع عن مصالح البلاد. ولعل شارع محمد محمود الكائن فى قلب القاهرة، الذى كان يقطنه سليمان الابن لفترة، شاهدا على عظيم الأثر الذى تركه فى نفوس المصريين وذلك قبل وفاته قبل 80 عاما فى فبراير 1941. وكذلك الحال بالنسبة إلى قصر سليمان باشا بمدينة ساحل سليم، الشاهد على بعض من أهم الأحداث فى تاريخ مصر.
تتفق سارة محمد، بهيئة تنشيط السياحة بأسيوط، مع علاء الشريف، أحد مسئولى موسوعة «أعلام من أسيوط سطعوا فى سماء العالم» على أن نسب محمد محمود باشا سليمان يرجع إلى قبيلة «بنى سليم» بالحجاز، والتى نزحت إلى مصر، ليستقر بها المقام فى قرية «ساحل سليم» والتى تحولت إلى «مركز ساحل سليم» وتقع جنوب شرق مدينة أسيوط، وباتت تعرف بـ «بيت السليمية»
> سليمان الأب:
أما الوالد، محمود باشا سليمان، فقد كان وكيلا لمجلس شورى القوانين، ومن كبار ملاك الأراضى الزراعية فى الصعيد. وتولى رئاسة «حزب الأمة» إثر تشكيله 1907. كما كان أحد مؤسسى صحيفة «الجريدة» فى العام ذاته، والتى تولى رئاسة تحريرها أحمد لطفى السيد الذى أعلن شعارى «أصحاب المصالح الحقيقية» وهم أبناء البيوتات المصرية، و«مصر للمصريين» الذى ألهب حماس ثوار 1919، وقد قامت السلطات الإنجليزية بتضييق الخناق عليه ليعود معتكفا على فعل الخير فى بلدته حتى وفاته. وصفه الأديب والسياسى محمد حسنين هيكل، قائلا: «جاهد لخير وطنه فى شبابه، ثم جاهد له فى كهولته، ثم جاهد له وقد نيف على التسعين.
> الابن على خطى الأب:
أما محمد محمود باشا، فقد درس التاريخ الحديث بجامعة أكسفورد البريطانية. وتدرج لاحقا فى المناصب السياسية، وصولا إلى منصب «رئيس الوزراء» كما تولى بالتزامن منصب وزير الداخلية.
وقاد حملة اعتراضات ضد سياسات الزعيم سعد زغلول، ومهد بعد ذلك لنشأة «حزب الأحرار الدستوريين» عام 1922، بعدما اشتدت الخلافات بين زغلول وعدلى يكن على رئاسة «الوفد» الذى يفاوض الإنجليز. تولى محمد محمود باشا وكالة الحزب الجديد. وعين فى عام 1926 وزيرا للمواصلات ثم المالية ثم رئيسا لحزب الأحرار الدستوريين. نال عام 1929 الدكتوراة الفخرية من جامعة أكسفورد، وخلال وجوده فى إنجلترا، وبصفته رئيسا للوزراء حينها، دخل فى مفاوضات مع السلطات الإنجليزية طلبا لحرية بلاده وتعديل نظام الامتيازات الأجنبية. ولكن فشلت هذه المساعى، ليستقيل فى العام ذاته.
قضى محمد محمود باشا ثمانية أعوام بعيدا عن السلطة، ليعود فى 1937 ليشكل وزارته التى استمرت حتى اندلاع الحرب العالمية الثانية.
> إرث معمارى فريد:
وعن الإرث المعمارى لعائلة السليمية، يوضح المهندس طارق بدراوى، صاحب موسوعة «كنوز أم الدنيا»: «يقع قصر محمود سليمان باشا، الذى تعذر تصويره لأسباب فنية، فى بلدته بمركز ساحل سليم. ويعد أعجوبة معمارية، إذ شيده معماريون فرنسيون عام 1855. ويقع فى قلب حديقة فواكه عامرة مساحتها 50 فدانا، ويصل ثمن بعض أشجارها النادرة إلى 50 ألف جنيه للشجرة الواحدة. يشغل القصر نفسه مساحة فدان، يتكون من طابقين، بواقع 17 غرفة لكل طابق».
ويكمل المهندس طارق «تم تشييد القصر على أعمدة دائرية مزدوجة، وذلك التزاما بالنمط الفرنسى، ويحتوى من جوانبه الأربعة على كرانيش فرعونية الطراز ترمز للقوة على شكل نمر وأسد. وبه نوافذ من الخشب الفلبينى الأحمر اللون، مما أكسب القصر رونقا تشكيليا».
وعلى بعد نحو 3 كيلو مترات، وفى قلب مدينة ساحل سليم، يقع القصر الثانى الذى تمتلكه العائلة السليمية بشارع 23 يوليو، الملك فاروق سابقا. وبحسب المهندس عاشور عبدالعال، نائب رئيس مركز ساحل سليم، أصبح الموقع يعرف بـ«شارع القصر» نسبة إلى « قصر بيت تمام» أبناء عمومة محمود باشا سليمان.
ويتكون ذلك القصر من مبنيين، الأول خاص بـ «الحرملك» وكانت تقيم فيه الأسرة ويقطنه الآن أحفادهم. ويعود تاريخ نشأته إلى عام 1898 وقد استغرق العمل فيه 7 سنوات. أما مبنى «السلاملك»، وهو لاستقبال الضيوف، فقد تم تشييده عام 1880. وعلى بعد نحو مائة متر من القصر، يوجد مقر خاص بالموظفين، وتم تشييده هو الآخر على الطراز الأوروبى.
رابط دائم: