رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

الأعمال الوطنية والتاريخية نموذجا
الفن الهادف.. قوة أخلاقية ترتقى بالوجدان

تحقيق ــ حسـنى كمـال
الاختيار2

يخطئ من يظن أن الفنون بأنواعها، هى مجرد وسيلة للترفيه والتسلية وملء الفراغ، ولكن للفن دور مهم فى تشكيل وعى المجتمع، وحفظ قيمه، والارتقاء بأخلاقه، ومناقشة قضاياه، وتحسين المعاملات بين أفراده، وتسليط الضوء على مشكلاته.

ولعل ما شهدته الدراما المصرية فى رمضان الماضى، وبالتحديد فى الجزء الثانى من مسلسل «الاختيار»، ومن قبله فيلم «الممر»، وغيرهما من أعمال قيمية أو تاريخية، إنما يعكس هذا التأثير المهم لها، نظرًا لدورها فى رصد الواقع، وكشف الحقائق.

من هذا المنطلق يحث علماء الدين على الاهتمام برسالة الفن، وتبنى الأعمال الجيدة التى تحث على الفضيلة وتعالج المشكلات والقضايا بأسلوب راق، وتتصدى للأعمال السوقية التى تستهدف نشر الفوضى، وتتصادم مع قيم المجتمع، وتحاول هدم عقول الشباب، مؤكدين أن الفن شريك أساسى فى الارتقاء بالوجدان.

فى البداية، يقول الدكتور سعيد عامر، أمين عام الإفتاء، بالأزهر الشريف: لا تخلو الحياة الحقيقية من حاجتها إلى الأدب والفن والرياضة والمرح لكى تستمر فى أهدافها بشرط أن تكون وفق منهج الله تعالى، وسنة رسوله، صلى الله عليه وسلم، حتى يتم البناء، ويكتمل الإبداع، وطبقا لهذه المعايير تبرز أعمال فنية ودرامية تدعو إلى الخير والحق والجمال، وترفع من شأن الوطن، وفى الوقت نفسه تحارب التطرف والإرهاب والفكر المنحرف، وتوضح الفارق بين البطولة الحقيقية والزائفة التى بنيت على رمال هشة.

بناء الفكر

ويضيف: للأسف فإن أصحاب البطولات الوهمية، ومن يحسبون أنفسهم من الأبطال الدينيين أو التاريخيين، وهم يبنون أحلامهم على التطرف والإرهاب، فإنهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا، والحقيقة فإن أمثال هذه الأعمال الدرامية تظهر بجلاء الفارق بين محبى الوطن ومبغضيه، ومن ثم فهى جديرة بالمتابعة والاهتمام، لأنها تبنى ولا تهدم، وتوضح للنشء الحقائق التى قد تذوب بين حنايا الخيال والابتداع، ومن ثم فإنها تساعد على بناء جيل قادر على تحمل المسئولية، والتفريق بين الغث والسمين كما تبنى مواطنًا مخلصا وتنشئ أسرًا مترابطة، وتزيد أواصر المحبة أبناء المجتمع.

ويشير د. عامر إلى أن المسلسلات التى تساعد على بناء الفكر المنحرف، وتدعو إلى الشذوذ وكراهية الأوطان ومحاربة الأديان والتفريق بين بنى الإنسان، وتبحث عن أوجه العرى والمجون والانحلال, ليست جديرة على الإطلاق بالمتابعة، ولا تستحق أن يضيع من أجلها الوقت.

اتجاه جديد

فى سياق متصل، يرى الدكتور عبدالغنى الغريب ـ رئيس قسم الفلسفة والعقيدة، بكلية أصول الدين، جامعة الأزهر ـ أن الأعمال الفنية والسينما والمسرح موجه تربوى وشريك أساسى فى تشكيل ثقافة الشباب، وأن لها إسهامًا كبيرًا فى نقل ثقافة الشعوب، وفى الفترة الأخيرة وجدنا اتجاها جديدا للفن، فقد أصبح يؤرخ للشباب أحداثا كثيرة لا يعرفونها، وبرغم ما بها من مبالغة أو تلوين للأحداث، إلا أنها تفتح عقولهم على البحث عنها لمعرفة حقيقتها، بعيدًا عن مسلسلات أخرى تنشر البلطجة والألفاظ الخادشة للحياء، والمصطلحات الرديئة التى تفسد جيلا بأكمله.

ويضيف: على سبيل هناك نموذجان هما فيلم (الممر)، ومسلسل (الاختيار)، الذى تم استكمال العمل فيه ليعرض الجزء الثانى منه هذا العام، فهى أفكار راقية تقدم للشباب فكرًا جديدًا بعيدا عن الإسفاف، وتسمو بعقولهم، ووجدانهم، عبر حبكة قصصية مترابطة، وإخراج فنى متميز، وهذا يدل على أن الفن بدأ يأخذ اتجاها جديدا نحو الاهتمام بالمستقبل، بالتكامل مع الدور الدعوى فى المساجد.

قوة مؤثرة

من جهته، يشير د. مختار مرزوق عبدالرحيم، العميد السابق لكلية أصول الدين بجامعة الأزهر، إلى أن الشباب الآن يقضون معظم الوقت فى بيوتهم من جراء وباء «كورونا»، وبالتالى فقد زادت مسئولية الفن كقوة ناعمة مؤثرة، فأصبح الفنانون مسئولين عن اختيار أعمالهم الفنية بدقة، ليقدموا للشباب ما ينفعهم، ويسموا بعقولهم.

ويتابع: على الكتاب أيضًا أن يراعوا الدقة فى اختيار المصطلحات الهادفة للشباب بعيدا عن السوقية وكلام العشوائيات، ومصطلحات البلطجة، والتقليد الغربى الأعمى، وترديد ألفاظ سيئة؛ لذا أطالب كل من يقدم عملا فنيا، خاصة الذى يتضمن أحداثا أو تاريخا، أن يراعى الأمانة وتحرى الدقة.

من جانبه، يؤكد الدكتور مختار يونس، أستاذ فيلم الطفل بالمعهد العالى للسينما، أن الدراما والسينما ليست للتسلية، ولكنها شريك أساسى فى تربية وتوجيه وتثقيف الطبقة العريضة من شباب الوطن، ورسالة سامية تسهم فى إصلاح المنظومة التربوية التى غاب عنها تربية الوجدان «أى تربية الانفعالات والعواطف والمشاعر والأحاسيس»، فمشاهدة مسلسلات وأفلام عنف، تولد لدى الشباب قسوة وعنفا فى المشاعر، ويأتى بعدها ارتكاب أفعال مشينة، لأن الشاب أو الطفل فى أثناء جلوسه أمام شاشة العرض، يكون مرآة عاكسة لكل ما يراه من قيم فى تلك الأعمال.

ويوضح الدكتور عبدالفتاح محمود إدريس أستاذ الفقه المقارن بكلية الشريعة والقانون بجامعة الأزهر، أن الإسلام لا يحارب الفنون, فالفن مثل سائر وسائل التعبير عما فى النفس, حسنه حسن, وقبيحه قبيح.

وفى ظل انكماش دور الدعاة بسبب جائحة كورونا، تكاد مهمة تثقيف المجتمع تقع على عاتق وسائل الفن والإعلام، إلا أن كثيرا مما يقدم من برامج وأعمال، لا يرقى إلى أن يطلق عليه مسمى تثقيف أو ثقافة، فضلا عن أن يكون تثقيفا للمجتمع، ويبدو أن بعض القائمين على البرامج أو الدراما لم يستشعروا بعد عظم الدور الملقى على عاتقهم، فما وجدنا من خلال ما يقدم إلا برامج ودراما مكررة, ليس فى أكثرها قيمة اجتماعية أو تثقيفية تعلق بذهن المشاهد أو السامع, بل شاهد الجميع بعض وسائل الخديعة لإضحاك الناس على اندثار القيم, وانحسار السلوك السوى فى التعامل, لتكون النتيجة من ذلك وغيره، إفراز مفاسد لا يستطيع المجتمع فى الأمد القريب أو البعيد، أن يميطها من نفوس جيل تشربها من خلال مشاهدته وسماعه لها.

رصد الأثر

والأمر هكذا، يطالب الشيخ أحمد ربيع الأزهرى، من علماء الأزهر والأوقاف، بتشكيل لجنة من المؤسسات الفكرية والثقافية ومراكز البحوث لرصد أثر المسلسلات على البناء القيمى والنسيج المجتمعى والوحدة الوطنية وغرس قيم الانتماء والولاء للوطن وصناعة الجمال ومحاربة القبح وتأصيل الوازع الديني.

ويشدد على ضرورة أن تحافظ الدراما على صورة المؤسسات الوطنية الحارسة لهُوية وأمن وسلامة هذا المجتمع، فلا يجوز مثلا كما رأينا فى مسلسلٍ رمضانى هذا العام أن نرى مأذونا يرتدى الزى الأزهرى، ويأتى بحركات سيئة لنيل ضحكات المشاهدين لكنه يطعن الدولة المصرية فى قوة من قواها الناعمة فيسقط صورة الشيخ الأزهرى وصورة الأزهر فى الداخل والخارج خاصة إذا علمنا أن الأزهر يتعلم فيه طلاب من أكثر من مائة دولة هم سفراء صدق لبلادنا، وقوى تنافح عن مصالحنا ببلدانهم، ولكن كيف يتسنى ذلك وهناك من يشوه الأزهر بهذه المشاهد؟.

رابط دائم: 
اضف تعليقك
البريد الالكترونى
الاسم
عنوان التعليق
التعليق