رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

قراءة فى الأزمة الدبلوماسية بين الرباط ومدريد
هل يعاقب المغرب إسبانيا بالنزوح الجماعى تجاه «سبتة» المحتلة؟

رسالة الرباط ســامى القمحــاوى
نزوح آلاف المغاربة إلى سبتة يؤزم العلاقات المغربية الإسبانية

فرض نزوح آلاف المغاربة برا وبحرا تجاه مدينة سبتة المحتلة الأسبوع الماضى إيقاعا جديدا على الأزمة الدبلوماسية التى تشهدها العلاقات بين المغرب وإسبانيا، منذ السماح لزعيم جبهة البوليساريو بدخول الأراضى الإسبانية فى شهر أبريل 2021، للعلاج بأحد مستشفيات مدينة سرقسطة، وهو الأمر الذى أغضب الرباط، وبررته مدريد بأنه كان «لأسباب إنسانية».

فمنذ اكتشاف المغرب دخول إبراهيم غالي، زعيم جبهة البوليساريو، التى تعتبرها الرباط ميليشيات انفصالية، إلى الأراضى الإسبانية بجواز سفر مزور يحمل اسم محمـد بن بطوش، للعلاج من تداعيات إصابته بفيروس كورونا المستجد، تتسارع تطورات أزمة دبلوماسية لم تشهد العلاقات المغربية الإسبانية مثيلا لها منذ سنوات، حيث اعتبرت الرباط أن هذه الخطوة لا تحترم العلاقات بين البلدين الجارين، وأصدرت وزارة الخارجية المغربية بيانا شديد اللهجة عبرت فيه عن استيائها من الأمر، مؤكدة أن هذا القرار ستكون له تبعات على العلاقات الثنائية، وأمام الرفض المغربي، والمطالبة بمحاكمة غالى الملاحق بتهم ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية والاغتصاب وانتهاكات لحقوق الإنسان، بررت أرانشا جونثالث لايا، وزيرة الخارجية الإسبانية، استقبال زعيم البوليساريو بأنه كان «لأسباب إنسانية».  

المهاجرون القصر 

التبرير الإسباني، لاستضافة زعيم البوليساريو، لم يكن مقنعا للمغرب، وألقت الأزمة ظلالها على تفاصيل كثيرة فى العلاقات بين الرباط ومدريد، وأجلت عددا من اللقاءات الثنائية، التى كانت مجدولة بين مسئولين من الجانبين، وتواصل التوتر المكتوم للأزمة وسيطرت «دبلوماسية الكواليس»، إلى أن كان التطور الكبير فى الأزمة، والذى بدأ يوم الاثنين 17 من مايو 2021، حيث توجه الآلاف إلى مدينة سبتة المحتلة، التى تسيطر عليها إسبانيا منذ قرون، وخلال ساعات دخل إلى المدينة أكثر من 6 آلاف مهاجر غير نظامي، معظمهم من القصر، الذين تتراوح أعمارهم بين 13 و18 سنة، ولم تستطع عناصر الأمن الإسبانية التصدى لهذه الحشود، التى لم تتعامل معها قوات الأمن المغربية قبل الوصول إلى منافذ سبتة، وهو ما اعتبره المتابعون ردا مغربيا على إصرار مدريد وتبريرها استضافة إبراهيم غالي، ويؤكد هذا الطرح ما ذكرته صحيفة العلم، لسان حال حزب الاستقلال وأقدم الصحف الورقية المغربية، حيث أشارت الصحيفة إلى أنه «من الواضح أن الأمر يتعلق بالأزمة فى العلاقات بين الرباط ومدريد، بعد استضافة السلطات الإسبانية رئيس جبهة البوليساريو الانفصالية، بعد المساهمة فى عملية إجرامية تتمثل فى تزوير الهوية، واضطرار وزيرة الخارجية الى تبرير ما حدث بالدواعى الإنسانية»، وواصلت الصحيفة: «بعد ثبوت إساءة مدريد للمصالح المغربية، من حق الرباط التحلل من أى مسئولية تتعلق بأمن واستقرار الجارة الإيبيرية.   

سياسة مد «الرِجْل» 

لم يعقب النزوح إلى سبتة أى تصريح حكومى مغربى يوضح سبب غياب الأمن المغربى عن ذلك المشهد، وكان التصريح الوحيد لمسئول حكومى مغربى هو التدوينة التى كتبها مصطفى الرميد، وزير الدولة المكلف بحقوق الإنسان والعلاقات مع البرلمان، حيث كتب: «ماذا كانت تنتظر إسبانيا من المغرب وهو يرى أن جارته تئوى مسئولا عن جماعة تحمل السلاح ضد المملكة، وماذا كانت ستخسر لو أنها قامت بالإجراءات اللازمة فى مثل هذه الأحوال، لأخذ وجهة نظر المغرب بشأن استضافة شخص يحارب بلاده؟». وتابع الوزير المغربى فى التدوينة: «أما وأن إسبانيا لم تفعل، فقد كان من حق المغرب أن يمد رجله، لتعرف إسبانيا حجم معاناة المغرب من أجل حسن الجوار».  

وقد لقيت هذه التدوينة استياء عدد كبير من رواد فيسبوك بالمغرب، الذين اعتبروها مسيئة للمملكة، خصوصا أنها صدرت عن الوزير المعنى بحقوق الإنسان، حيث تلمح التدوينة إلى استخدام القصر للرد على تعنت إسبانيا، وتصور الأمر كما لو كان هذا النزوح مدبرا من جانب المغرب، أو على الأقل غضت السلطات الأمنية الطرف عنه.   

استدعاء السفيرة 

ورغم أنه تمت إعادة غالبية المهاجرين غير النظاميين الذين دخلوا إلى مدينة سبتة للمغرب، فإن تداعيات هذا النزوح الجماعى تواصلت، حيث استدعت وزيرة الخارجية الإسبانية سفيرة المغرب فى مدريد كريمة بنيعيش، لتبلغها استياء السلطات الإسبانية ورفضها الدخول الكثيف للمهاجرين غير النظاميين إلى سبتة، وأن مراقبة الحدود كانت ويجب أن تظل مسئولية مشتركة بين إسبانيا والمغرب». من ناحية أخرى استدعى المغرب سفيرته لدى مدريد للتشاور، وقال ناصر بوريطة، وزير الشئون الخارجية والتعاون الإفريقى والمغاربة المقيمين بالخارج، فى تصريحات صحفية، إن سفيرة المغرب لدى إسبانيا «لن تعود ما دامت أسباب الأزمة قائمة» بين البلدين. 

وأوضح بوريطة أن سفيرة المغرب لدى إسبانيا تلقت توجيهات استدعائها للتشاور فى الرباط قبل استدعائها إلى وزارة الخارجية الإسبانية، وهو ما يعنى أن استدعاءها لم يكن ردا على دعوتها إلى اجتماع عاجل من قبل الخارجية الإسبانية، عقب تدفق المهاجرين إلى سبتة المحتلة.‪ ‬

وأعرب وزير خارجية المغرب عن استيائه من طريقة استدعاء الخارجية الإسبانية سفيرة المغرب فى مدريد، حيث أشار إلى أن السلطات الإسبانية منحت للدبلوماسية المغربية 30 دقيقة للحضور إلى وزارة الشئون الخارجية، مؤكدا أنه عمل غير مسبوق، وغير مألوف فى العلاقات بين دول جارة ونادر فى الممارسة الدبلوماسية، وشدد على أن «الأزمة ستستمر ما لم تتم تسوية سببها الحقيقي، فالمغرب يرفض تلقى هذا النوع من التخويف، القائم على صور نمطية بائدة، وسيظل واضحا بشأن أصل هذه الأزمة وتكونها والمسئولين عنها».‪ ‬

كشف حساب 

وتعليقا على هجوم الإعلام الإسباني، أكد وزير خارجية المغرب أن سجل بلاده فى محاربة الهجرة غير النظامية معروف، وأن ما حدث فى ثغر سبتة المحتل يأتى للتذكير أولا بالتكلفة التى تتحملها المملكة للحفاظ على حسن الجوار، وشدد على أن «المغرب لا يحتاج إلى تقييم من إسبانيا ووسائل إعلامها»، مذكرا بأن المغرب أجهض 13 ألف محاولة للهجرة غير النظامية منذ 2017، وفكك 4163 شبكة تهريب وسجل 48 محاولة اقتحام لسبتة.‪ ‬

وأشار بوريطة إلى أن ما حدث فى الثغر المحتل يذكر أيضا بـ«التكلفة المالية التى يتحملها المغرب لحسن الجوار»، وقال إن «أوروبا لا تمنحنا حتى 20% من التكلفة التى يتحملها المغرب فى محاربة الهجرة غير النظامية»، مضيفا أن الأحداث التى وقعت خلال الأيام الأخيرة أظهرت أن 99% من جهود المكافحة يقوم بها المغرب مقابل «لا شيء من الجانب الآخر». 

وفى تأكيد على أن الأزمة الدبلوماسية بين المغرب وإسبانيا لن تعرف قريبا أفقا للحل، قال وزير الخارجية المغربى إن إسبانيا تحاول استغلال ما حدث فى الثغر المحتل لسبتة «مطية للهروب من النقاش الحقيقى حول الأزمة المغربية- الإسبانية المتعلقة باستقبال مدريد إبراهيم غالي». 

سبتة ومليلية وهونج كونج 

الأزمة الدبلوماسية بين المغرب وإسبانيا جددت الحديث، فى وسائل الإعلام المغربية وعلى مواقع التواصل الاجتماعي، حول ضرورة إعادة مدينتى سبتة ومليلية المغربيتين، الواقعتين شمال المغرب والمطلتين على البحر المتوسط، إلى السيادة المغربية، بعد قرون من خضوعهما للسيادة الإسبانية، خصوصا أنهما تتمتعان بصيغة الحكم الذاتى داخل إسبانيا، بناء على قرار من البرلمان الإسبانى منذ عام 1995، ويرى المطالبون بإعادتهما للمغرب أنه يمكن التوصل إلى صيغة شبيهة بإعادة هونج كونج إلى الصين، وأن يكون لدى كل مدينة حكم ذاتى وحكومة محلية. 

لكن تظل المطالبة بهذا الحل بعيدة عن الواقع، الذى مازال يشهد أزمة دبلوماسية كبيرة بين المغرب وإسبانيا من المنتظر أن تشهد تصعيدا خلال المرحلة المقبلة، خصوصا فى ظل غياب الأفق لحل قريب.   

رابط دائم: 
اضف تعليقك
البريد الالكترونى
الاسم
عنوان التعليق
التعليق