رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

السياسة الخارجية المصرية فى عام «كورونا» كما رصدها التقرير الإستراتيجى العربى٢٠٢٠

تمثلت الفكرة الرئيسية الناظمة لأقسام العدد الرابع والثلاثين من التقرير الاستراتيجى العربى 2020، الصادر عن مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية فى أبريل الماضى، فى تنامى التأثيرات الناتجة عن تفشى كوفيد ــ 19 على صعيد تفاعلات النظام الدولى، وكذلك على مستوى التفاعلات العربية والإقليمية، وأيضاً بالنسبة للنظام السياسى المصرى، لدرجة أن التيار الرئيسى فى الأدبيات يشير إلى أن عالم ما بعد كوفيد ــ 19 يختلف عما قبله، بحكم أن العالم لم يشهد أزمة مثلها غيرت أنماط الحياة على كوكب الأرض بدون سابق إنذار وبمعدلات انتشار سريع للغاية، تحول الفيروس على أثرها إلى جائحة فى غضون أسابيع قليلة بما يدق ناقوس الخطر بشأن الأمراض المعدية والأوبئة التى صارت ضمن المخاطر الحادة فى العام الجارى.

ونظراً لكثافة القضايا التى أثارها الخبراء والباحثون فى التقرير، مثل اتجاهات الجدل حول تداعيات كوفيد ــ 19 على القوى الكبرى، وتأثيرات تداعيات هذا الوباء على التعاون والصراع الدوليين، وكذلك على الاقتصاد العالمى، وتحدى كوفيد ــ 19 وتداعياته فى الدول العربية وإيران وتركيا وإسرائيل، فضلاً عن تأثير هذا الوباء على الأزمات الحكومية والحراك الشعبى فى دول عربية مثل السودان والجزائر ولبنان والعراق، مع تناول مظاهر الثبات والتغير فى واقع الصراعات المسلحة فى عام كوفيد ــ 19، إلى جانب التطرق لملامح التطورات الرئيسية فى مصر فى ظل كوفيد ــ 19، يكون من المتعذر التطرق إليها ككل وإنما سيتم التركيز على بعد واحد وهو كيفية تعامل السياسة الخارجية المصرية مع تلك الأزمة بما يُقوِّض من التحديات ويعزز من الفرص فى آن واحد. وقد تمثلت الاتجاهات الرئيسية الحاكمة للسياسة الخارجية المصرية فى عام كوفيد ــ 19 فيما يلي:

1ــ توفير إمدادات اللقاحات بشكل عادل: عملت السياسة الخارجية المصرية على إيصال صوتها فى المحافل الدولية والإقليمية بشأن إمكانية حدوث تعاون دولى على المستوى العلمى فى مواجهة جائحة تهدد البشرية بدون تفرقة، ولا تعترف بحدود جغرافية. إذ تدرك مصر أن ثمة محاولات من جانب حكومات للعمل على «تسييس اللقاحات» على نحو ما أوضحه الدكتور وحيد عبدالمجيد فى مقدمة التقرير، حيث دخلت حكومات دول تملك قدرات علمية متفاوتة سباقاً فى هذا المجال سعياً إلى تحقيق مكاسب سياسية داخلية أكثر منها خارجية عبر احتكار إنتاج وتوزيع اللقاح. كما انشغلت الشركات بتحقيق منافع اقتصادية.

وظهرت استثناءات محدودة على صعيد التعاون فى تطوير لقاحات من جانب مؤسسات علمية وشركات أدوية، وليس بمبادرة من حكومات الدول التى توجد فيها هذه المؤسسات والشركات. وهنا، يؤكد خطاب السياسة الخارجية المصرية أن الاختبار الحقيقى للتعاون الدولى فى مواجهة الجائحة سيكون فى العام الجارى بشأن كيفية توزيع الجرعات المنتجة من اللقاحات الحاصلة على ترخيص الاستخدام الطارئ، خاصة على صعيد نصيب الدول الأقل دخلاً، لأن أعداد هذه الجرعات ستبقى أقل بكثير من حجم الطلب العالمى عليها حتى نهاية العام، وهو ما يسلط الضوء على «فجوة التمويل».

ويؤكد معدو التقرير فى هذا الإطار أنه «إذا لم تدرك الدول الأكثر دخلاً أن تطعيم مواطنيها لا يكفى لإنهاء التداعيات الاقتصادية الخطيرة للجائحة عليها، لأن استمرار خطرها، وربما تفاقمه فى عدد كبير من الدول الأخرى، يؤثر فى حركة الاقتصاد العالمى فى مجمله، وليس فى حركة السفر والسياحة فحسب، سنكون إزاء وضع كاشف لخطوط الانقسام التى تفصل بين من يملكون ومن لا يملكون، فى عالم تزداد فيه معدلات التفاوت الاجتماعي».

وفى هذا السياق، ترى القاهرة أنه لحل إشكالية العدالة فى توزيع اللقاح، تم إطلاق مبادرة دولية بالتعاون بين التحالف العالمى للقاحات والأمصال «جافي» ومنظمة الصحة العالمية، لضمان توزيع اللقاح بصورة متوازنة بين الدول الغنية والدول الفقيرة. تعمل المبادرة كآلية تمويل تهدف إلى دعم مشاركة 92 من الاقتصادات المنخفضة والمتوسطة الدخل فى مرفق «كوفاكس» للحصول على اللقاح. وقد تعهدت 80 دولة من ذوى الدخل المرتفع بالانضمام للمرفق وتمويل أنشطته المتعلقة باللقاحات من ميزانياتها العامة.

ووفقاً لمنظمة الصحة العالمية، فإن هذه المبادرة بحاجة إلى 35 مليار دولار لتحقيق هدف تطوير أدوات جديدة وإنتاج وتسليم مليارى جرعة من اللقاح و245 مليون مقرر علاجى و500 مليون اختبار تشخيصى خلال 2021.

ولا يمثل هذا المبلغ سوى 1% فقط مما التزمت به حكومات «مجموعة العشرين» بالاستثمار بالفعل فى الحزم المحلية للتحفيز الاقتصادى.

2ــ تجميد الصراعات المسلحة: على الرغم من أن الجائحة وتداعياتها لم تضع حداً للصراعات المسلحة فى الإقليم مثلما هو الحال فى ليبيا واليمن وسوريا والعراق، فإن مصر واصلت دعواتها للتركيز على الحلول السلمية بين الأطراف المتصارعة، وتطبيق قرارات الأمم المتحدة، والحفاظ على الدولة الوطنية بحسبانه المكون الرئيسى للأمن القومى، ومحاربة الإرهاب وجماعاته فى المنطقة. وإن كانت هناك درجة انخراط أكبر لمصر فى الأزمة الليبية، وفقاً لإعلان القاهرة ودعمها تجميد الاقتتال الميدانى بين الشرق والغرب وتحديدها «سرت ــ الجفرة» خطا أحمر لا يمكن تجاوزه، وتأييد وقف إطلاق النار الذى تم التوصل إليه فى أكتوبر 2020، وتأمين المناطق الحدودية. وقد بدا مع نهاية العام الماضى الاستدارة المصرية بالانفتاح على حكومة الغرب الليبى، واستضافة عدد من الاجتماعات الليبية المهمة، فضلاً عن اجتماعات المسار الدستورى.

كما استمر الموقف المصرى من الأزمة السورية الذى يقوم على دفع العملية السياسية وفق القرارات الدولية، بما ينهى الوجود العسكرى الأجنبى بمختلف أشكاله، ويعيد الاعتبار للدولة الوطنية، بالإضافة إلى تأكيد مواجهة مختلف التنظيمات الإرهابية والمتطرفة وداعميها الإقليميين. وشددت مصر على دعم المؤسسات الشرعية ورموز الدولة فى اليمن، وضرورة التزام أطراف الصراع فى اليمن بالحل السياسى، مع الترحيب باتفاق تبادل الأسرى بين الحكومة اليمنية وجماعة الحوثى بما يؤدى إلى الاستمرار فى عملية بناء الثقة، والدخول فى مباحثات جادة للتوصل إلى تسوية سياسية شاملة.

وتجدر الإشارة إلى أن مصر تدعم مساعى الأمم المتحدة منذ مارس 2020، لدعوة الأطراف المتصارعة فى مختلف أنحاء العالم، وبصفة خاصة فى منطقة الشرق الأوسط، للتوصل إلى تسويات وهدنة من أجل توحيد الجهود فى التصدى للجائحة، مع الأخذ فى الاعتبار أنه لم تكن لدى الأمم المتحدة قدرة على فرض ذلك على الأطراف المتصارعة ميدانياً. كما أن مصر أعطت أهمية محورية للفئات الأكثر ضعفاً مثل النازحين واللاجئين، التى تضررت من استمرار الصراعات من ناحية وتفشى كوفيد ــ 19 من ناحية أخرى.

3ــ تعزيز جهود مواجهة التنظيمات الإرهابية: واصلت الأجهزة الأمنية والاستخباراتية فى مصر التعاون والتنسيق مع الأجهزة المناظرة لها فى الإقليم والعالم لمكافحة التنظيمات والجماعات الإرهابية العابرة للحدود الرخوة وبصفة خاصة تنظيم «داعش» لاسيما بعد اعتبار عناصر التنظيم أن «كوفيد ــ 19» يعد حرباً من الله ضد المشركين والمحاربين ضد التنظيم حيث استغلوا تفشى الوباء لاستقطاب العناصر المتطرفة، مع الأخذ فى الاعتبار تباين انعكاسات انتشار كوفيد ــ 19 على بنية عناصر «داعش» حسب مواقع تمركزه، إذ تزايدت حالات إصابة عناصره فى سوريا والعراق واليمن وشرق آسيا، على عكس تنظيم «داعش» فى الساحل الإفريقى والصحراء وغرب ووسط إفريقيا، الذى تتمركز عناصره فى مناطق صحراوية بعيدة عن الوجود السكانى الكثيف، بما يقلل من احتمالات الإصابة.

ونظراً لأن انتشار كوفيد ــ 19 أثر بشكل كبير فى أنشطة مكافحة الإرهاب بالإقليم، وهو ما ساعد التنظيمات الإرهابية، وبشكل خاص تنظيم «داعش» على إعادة البناء التنظيمى، بما قد يؤثر بشكل مباشر على تنامى نشاط تلك التنظيمات الإرهابية فى الإقليم خلال 2021، فإن ذلك يضع على عاتق دول المنطقة مهمة إضافية للاستمرار فى عملية مكافحة الإرهاب بالتزامن مع مكافحة انتشار وباء كوفيد ــ 19، وهو ما تقوم به مصر على المستويين الثنائى والمتعدد الأطراف. ولعل تعزيز العلاقات مع دول محور الشام الجديد «سوريا والعراق» وترسيخ العلاقات مع الاستخبارات الفرنسية والألمانية وإنشاء المنتدى الاستخبارى العربى فى الربع الأول من 2021 يعبر عن إدراك مصر محورية التنسيق الاستخبارى فى مواجهة خطر الإرهاب.

4ــ وقف التدخلات الإقليمية فى الشئون الداخلية للدول الوطنية العربية: هناك مبدأ حاكم للسياسة الخارجية المصرية على مدى السنوات العشر الماضية، وهو التصدى للمحاولات التى تقوم بها بعض القوى الإقليمية بما يؤدى إلى المساس بسيادة دول عربية مستقلة، والعبث باستقرارها الداخلى، ومحاولة تغيير تركيبتها الديموغرافية لمصلحة المجموعات الموالية لتلك القوى واستغلال ثرواتها الاقتصادية، وهو ما ينطبق على السياسات التركية والإيرانية بالشرق الأوسط، على نحو ما ورد بأجزاء مختلفة من التقرير.

5ــ تزايد دبلوماسية الإغاثة أو الصحة: تعددت المؤشرات الدالة على محورية المساعدات الإنسانية فى تحركات مصر الخارجية بما يؤدى إلى التقليل من الخسائر التى تعرضت لها الدول والمجتمعات جراء تفشى كوفيد ــ 19 فى مناطق جغرافية مختلفة مثل الصين والولايات المتحدة الأمريكية وإيطاليا ولبنان وفلسطين والعراق واليمن والسودان وجنوب السودان والكونغو الديمقراطية وزامبيا وكينيا لمساعدتها وإظهار التضامن معها، حيث أفضى انتشار كوفيد ــ 19 وما صاحبته من تداعيات إنسانية متردية إلى إنتاج سياق مُحفِّز لدبلوماسية المساعدات أو الإغاثة.

وقد كان لافتاً إرسال القوات المسلحة المصرية، فى كثير من الأحيان، بتكليف من الرئيس عبدالفتاح السيسى، وبالتعاون مع وزارة الصحة، كميات من المستلزمات الطبية للدول السابق ذكرها خلال عام تفشى الفيروس. كما قدمت مصر مساعدات عبر الهلال الأحمر لتطوير قدرات نظيره الفلسطينى على احتواء الجائحة. بالإضافة إلى ذلك، تحركت مصر بهدف الحد من تأثير الكوارث الطبيعية فى بعض البلدان مثل السيول والفيضانات كالتى اجتاحت السودان خلال أغسطس وسبتمبر 2020 إذ تم إنشاء جسر جوى لإرسال مساعدات عاجلة من المواد الغذائية والمستلزمات الطبية والأدوية لمتضررى السيول.

وتزامن مع ذلك دعم السياسة المصرية آليات مكافحة الأمراض وتوفير الرعاية الطبية وبحث احتياجات المنظومة الصحية فى المناطق المتضررة داخل الدول المستهدف مساعدتها، إذ افتتح السيد اللواء عباس كامل رئيس جهاز المخابرات العامة، ووزيرة الصحة الدكتورة هالة زايد، فى 12 أغسطس 2020، مركزاً طبياً فى جوبا، بعد تطويره وزيادة عدد تخصصاته لتقديم العلاج لمواطنى جنوب السودان. ولعل ذلك التحرك فى عدد من الدول الإفريقية والعربية يعكس محورية «الأنسنة» فى السياسة الخارجية المصرية من خلال تأكيد التمسك بمبادئ وقيم الإنسانية والتضامن بين الشعوب.

كما يؤدى ذلك إلى استعادة النفوذ والتأثير فى مناطق ذات أهمية للمصالح الوطنية، وهو ما ينطبق على مساعدات مصر الموجهة لعدد من الدول الإفريقية بعد المرحلة التى شهدت فجوة فى العلاقات المصرية ــ الإفريقية خلال النصف الثانى من حقبة الرئيس الأسبق حسنى مبارك. وتسهم تلك المساعدات، إلى حد كبير، فى بناء الجسور مع العديد من الدول الإفريقية، وهو ما يدحض السرديات التى تروجها بعض الأصوات داخل تلك الدول فى الآونة الأخيرة من أن مصر تقف عائقاً ضد مصالح وتنمية دول الجوار.

وقد أدى ما فعلته سياسة مصر الخارجية خلال عام كوفيد ــ 19 إلى تغيير الصورة الذهنية عن مصر كدولة متلقية للمساعدات الخارجية بل هى دولة مانحة للمساعدات فى لحظات الأزمات الدولية والإقليمية، منها مساعدات مرسلة من القوات المسلحة المصرية، ومساعدات أخرى تتبع الوكالة المصرية للشراكة من أجل التنمية، التابعة لوزارة الخارجية. وأسهم ذلك فى مجموعة من التأثيرات منها توجيه بعض الدول مساعدات مقابلة لمصر، بعد التعافى النسبى لها من انتشار كوفيد ــ 19، خاصة المساعدات المقدمة من الصين. وكذلك تعزيز التعاون بين مصر والقوى الرئيسية فى العالم للتوصل إلى لقاحات لمكافحة كوفيد ــ 19 على نحو ما انعكس فى اجتماعات خبراء الصحة بين مصر من جانب والصين من جانب آخر، بخلاف عرض الرؤية المصرية بشكل منتظم فيما يخص التهديدات الصحية العابرة للحدود وأبرزها التعاون والتنسيق بين دول العالم، والتوافق على المبادرات والسياسات التى تسهم فى تجاوز التداعيات السلبية لتفشى هذا العدو المشترك للبشرية.

المزج العضوى

من هنا، جمع التحرك الخارجى المصرى بين مكونات القوة الناعمة، الذى تمثل فى الدعم السياسى للجهود السلمية لتسوية الصراعات فى الإقليم، والدعم الإنسانى المتمثل فى تقديم المساعدات الصحية لمواجهة وباء كوفيد ــ 19، فضلاً عن تعزيز العلاقات الاقتصادية مع عديد من الدول العربية. بينما تمثلت مكونات القوة الصلبة للتحركات المصرية فى التلويح بالتدخل العسكرى المباشر فى الأزمة الليبية حال تجاوز خط سرت ــ الجفرة، وتنفيذ العديد من التدريبات والمناورات العسكرية مع العديد من الدول العربية والأوروبية، مما حمل رسائل مباشرة بجدية الاستعدادات المصرية العسكرية لمواجهة أى تهديد يتعلق بأمن مصر القومى.


لمزيد من مقالات د. محمد عزالعرب

رابط دائم: