رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

أسئلة الإعلانات

كل سنة والقارئ الكريم بخير بمناسبة عيد الفطر المبارك الذى تعودنا أن يحل بنا بعد أن يكون طوفان الإعلانات وما يتخللها من مسلسلات قد أغرقنا دون رحمة لتُثار مجدداً الأسئلة حول هذه الظاهرة، والدعاية فى مجال الترويج للسلع والخدمات أمر مفروغ منه، وهى موجودة فى رمضان وغيره، غير أن كل شىء إذا زاد عن حده انقلب كما يُقال إلى ضده، فهل بات هذا القول منطبقاً على إعلاناتنا التى أصبح شهر رمضان هدفها الأول؟ ولا تثير الإعلانات الرمضانية هذا السؤال فحسب وإنما ثمة أسئلة عديدة متنوعة منها الاقتصادى والإعلامى والاجتماعى بل والسياسي، فعلى الصعيد الاقتصادى مثلاً تروج الإعلانات لسلعة أو خدمة ما أو لعمل خيري، والمفروض أن يُقاس نجاحها بزيادة الإقبال على هذه السلعة أو الخدمة أو زيادة حصيلة التبرعات، وأتصور أن منظمى هذه الهجمات الإعلانية لابد أنهم يدرسون العائد الاقتصادى منها وأنهم يرونه إيجابياً وإلا ما كانوا قد واصلوا هذا السلوك وصعدوه عبر الزمن، ومع ذلك فإن هذا التحليل ينطوى على ألغاز حيث إن ثمة ملاحظتين من الممكن الاتفاق عليهما الأولى أن الجمهور المستهدف بالإعلانات بات يرتب حياته على الهروب منها بمجرد انتهاء مرحلة استكشاف محتواها أو الإعجاب ببعضها، وهو إعجاب لابد أن يتلاشى بعد أن يصل الى مرحلة التشبع نتيجة التكرار الهائل الذى أدعو باحثى الإعلام إلى أن يقولوا رأيهم فى جدواه، لأن الأصل أن تكرار الرسالة الإعلامية يمكن أن تكون له آثار إيجابية على سلوك المتلقي، لكنى أعتقد أن من تحدث عن هذه القاعدة لم يتخيل أن يكون معدل التكرار على هذا النحو الذى يصيب بالكمد أو الملل أو السخرية، ونتيجة لهذا وضع المشاهدون لأنفسهم دليلاً ذكياً للتعامل مع طول الفقرات الإعلانية، فقد باتوا يرتبون أنفسهم على القيام بمهام عديدة أثناءها من استكمال لبعض الأعمال المتأخرة منزلية كانت أو غيرها أو إجراء المكالمات التليفونية أو استكمال قراءة الصحف أو التحضير لأعمال قادمة وهكذا، والقصد أن الحملات الإعلانية تفقد جاذبيتها بعد فترة إن كانت لها جاذبية أصلاً، أما الملاحظة الثانية المتعلقة بألغاز الإعلانات فترتبط بما يبدو من أن نسبة يُعتد بها من الحملات الإعلانية لا تتجه إلى جمهورها الحقيقي، وهو أمر واضح للغاية فى إعلانات العقارات ذات الأثمان الباهظة التى تتجاوز قدرات الغالبية العظمى من المشاهدين بينما هرب الجمهور الحقيقى لهذه الإعلانات إلى القنوات المشفرة منزوعة الإعلانات، وأسأل نفسى أحياناً هل باتت الإعلانات فى بيئة الأعمال نوعاً من الأُبهة الاجتماعية بغض النظر عن جدواها الاقتصادية؟

ليست أسئلة الإعلانات اقتصادية فحسب وإنما ثمة أسئلة ذات أبعاد أخلاقية واجتماعية، وعلى سبيل المثال فإن تنافس شركات الاتصالات الكبرى فى ساحة الإعلانات -وهو تنافس ذو تكلفة باهظة- على إظهار كل منها أنها الأقوى والأفضل بينما يعانى كل مشاهدى هذه الإعلانات من سوء الخدمات على نحو لا يطاق وتترتب عليه مشكلات حقيقية نتيجة العجز عن إتمام الاتصال أو عن إتمامه بالوضوح الكافى فى الوقت المناسب، وأصبح معتاداً أن يتساءل عملاء هذه الشركات لماذا لا تُنفَق الميزانيات الباهظة لهذه الحملات الإعلانية على تحسين الخدمة؟ كذلك فإن عديداً من الشركات العقارية يعلن مشروعات مصحوبة بمشاهد مبهرة عن الحياة فى هذه المشروعات بينما هى مازالت حبيسة الأوراق بدليل أن الشركات الجادة تحرص على إضافة عبارة صور من الواقع أسفل الإعلان، وإن كان من الطريف أن هذه الصور تقتصر أحياناً على صورة جزئية واحدة، ومن الناحية الاجتماعية يعرض كثير من الإعلانات المبهرة لأنماط بالغة الرفاهية من الحياة، وأتمنى على الباحثين فى علم الاجتماع الاهتمام من خلال بحوث ميدانية بأثر هذه الظاهرة على الشعور بالحرمان لدى طبقات وفئات اجتماعية بعينها وتداعياته السلوكية خاصة أن الإعلانات ذات الطابع الإنسانى تعرض لحياة أخرى تماماً.

تبقى الأسئلة المهمة المتعلقة بأثر الإعلانات على وصول رسالة الأعمال الدرامية التى تتخلل الإعلانات إلى مشاهديها، وبعض هذه الأعمال إن لم يكن كثير منها لا يعنينى أن تصل رسالته، فهو يتحدث عن موضوعات مفتعلة لا صلة لها بالواقع المصري، لكن ثمة أعمالاً يهمنا أن تصل رسالته بالغة الأهمية، وأكتفى للتوضيح بمسلسلى الاختيار1 الذى عُرض العام الماضى والاختيار2 الذى عُرض فى رمضان الماضي، فهذان المسلسلان وقلة غيرهما نموذج للأعمال الدرامية التى يجب أن تصل رسالتها السياسية بوضوح لمشاهديها، ومن المؤكد أن التدفق المزعج للإعلانات يشوش هذه الرسالة ويزعجها، وإلا ما كان المسئولون قد حرصوا فى الحلقات الحاسمة على عرضها بدون إعلانات، والحقيقة أن هذه معضلة واجبة الحل الحاسم، وأعلم أهمية الإعلانات كمصدر للتمويل لكن وصول الرسالة أهم، وأدعو إلى أن تعيد القنوات الرسمية كافة عرض هذه النوعية من المسلسلات فى أسرع وقت ممكن دون إعلانات لكى تصل رسالتها التنويرية للجميع، وأتمنى بصفة عامة أن تتبنى الدولة قناة منزوعة الإعلانات تعرض لكل ما هو جاد ومهم فى مواجهتنا الحالية للتحديات الجسام التى تحيط بنا، ولن تتسم مثل هذه القناة بأى إملال بالنظر إلى وجود تراث مشرف من أعمال درامية تليفزيونية ومسرحيات وأفلام وأغنيات شديدة التميز تخدم هذه الغاية ناهيك بإمكان بث برامج حوارية جادة تتعلق بأهم قضايا الوطن. بقى سؤال أحسبه مهماً يتعلق بما أعتقد أنها المرة الأولى التى أرصد فيها مشاركة عضو محترم فى المؤسسة التشريعية المصرية فى حملة إعلانية تروج لمنتج عقارى لشركة كبرى يفترض أن مراقبة أدائها تقع ضمن مهامه الرقابية بموجب صفته السياسية، وهو أمر أعتقد أنه لا يجوز، وأدعو إلى حوار حوله، وكل عام وأنتم بخير.


لمزيد من مقالات ◀ د. أحمد يوسف أحمد

رابط دائم: