قارب هذا الشهر الفضيل على الإنقضاء ، بأيامه المشبعة بالرحمة والمغفرة والعتق من النار ، نسعى فيه الى التزلف الى الله بشتى الطرق ، إما بإتقان العبادات أو محاولة الإحساس بالمجتاجين والمساكين فضلا عن الصلة الرحم والموائد الرمضانية التى تجمع الأحبة ، ولكن بعد أن يمضى هذا الشهر المبارك هل ستتوقف أفعالنا هذه ؟ هل أصبحنا على يقين مطلق أننا من المقبولين ؟ ، السؤال الأهم هنا هل رزقنا الحب ؟ نعم .. الحب ! حب الله لنا وحبنا لله ، وهو الأهم ، لأنه الحب الحقيقى الذى لا خداع فيه ولا جدال ، الذى سوف يعمر قلوبنا ويزهرها بالرضا ، حينها لن تصبح أفعالنا الرمضانية موسمية فقط ، فالحب لا صلاحية له ولا حدود لأنه يشحن قلوبنا ونفوسنا بطاقة متجددة لا تنضب نحاول من خلالها إرضاء الحبيب بكل ما أوتينا من محبة ، فماذا لو كان الحبيب هو الله .
وقتها فقط لن تشعر بالخوف حتى لو كنت فى بحر الخوف ، حينها فقط لن تقيم العبادات خوفا من النار أو من العقاب ولكن حبا فى الله ، لقد تربى شرقنا على أداء الواجب خوفا من العقاب ، أن نذاكر حتى لا نرسب ، أن نرتدى الكمامة خوفا من المرض ، ولما لا نذاكر حبا فى العلم والمعرفة والنجاح ، وتتحول الكمامة اسلوب حياة للحفاظ على صحتنا وحبا لمن حولنا ، نذهب الى العمل خوفا من الجزاءات والخصومات ليس حبا فيما نعمل ونقدم ، هنا تحضرنى مقولة شمس التبريزي: لو كانت الجنة والنار بيدى لأحرقت الجنة واطفأت النار..لنحب الله حبا خالصا وليس عن خوف أو طمع « .
ويقول الله تعالى فى سورة البقرة: ومن الناس من يتخذ من دون الله أندادا يحبونهم كحب الله والذين آمنوا أشد حبا لله. وفى سورة المائدة قال تعالي: يا أيها الذين آمنوا من يرتد منكم عن دينه فسوف يأتى الله بقوم يحبهم ويحبونه .. صدق الله العظيم ، وهذا يؤكد على أن العلاقة السليمة بين الإنسان وخالقه ..بين العبد وربه .. هى المحبة ، فالحب هنا هو قمة الهرم الإيمانى ، هو ماهية الطاعة ، هو لذة العبادة ، فإذا رزقت حب الله هذا يعنى أنك من السعداء دنيا وآخرة ، فهو يراك من الداخل وليس من فوق ، يسمعك مناجاتك ويستجيب لدعواتك ،يفتح لك خزائن رحمته لتنهل منها كيفما تشاء .
ولن ننسى كلمات جلال الدين الرومي: دين الحب منفصل عن كل أشكال الديانات، العاشقون أمة واحدة ودين واحد وهذا هو الله وأضاف: ليس لكل أحد أن يكون محبوبًا، لأن المحبوب يحتاج إلى صفات وفضائل، لا يرزقها كل إنسان، ولكن لكل أحد أن يأخذ نصيبه فى الحب وينعم به، فإذا فاتك أيها القارئ العزيز أن تكون محبوبًا، فلا يفتك يا عزيزى أن تكون مُحبًّا، إن لم يكن من حظك أن تكون يوسف، فمن يمنعك من أن تكون يعقوب؟ وما الذى يحول بينك وبين أن تكون صادق الحب دائم الحنين؟
ولا يضيركم أن تربوا أولادكم بل وأنفسكم من قبل على ممارسة طقوس المحبة فيما تفعلون وليس خوفا أو قلقا أو مجرد عادات وطقوس غير وثيقة الصلة بالقلب .
لمزيد من مقالات د.هبة عبدالعزيز; رابط دائم: