رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

فرص انفراج أزمة سد النهضة.. ارتضاء أو اقتضاء

فى اليقين أن المتتبع لأزمة سد النهضة عن كثب، من جوانبها الثلاثة القانونية والفنية والسياسية، يمكن أن يوجه ألى إثيوبيا إدانة صريحة واتهاما واضحا، بأنها أولا، دولة مارقة بمخالفتها وعدم احترامها للمواثيق والقوانين والاتفاقات الدولية ذات الصلة ومن بينها ميثاق الأمم المتحدة لحقوق الإنسان خاصة بالنسبة لبند الحق فى الحياة. وثانيا، أنها تمارس نوعا من الابادة الجماعية لحياة بشرية ونباتية وحيوانية بما قد تسببه من أضرار جسيمة تصل إلى حد المساس بالأرواح والأرض والممتلكات وسبل كسب العيش، بالغرق والجوع والتعطيش والتدمير والتبوير، مما يستوجب اللجوء الى حق الدفاع الشرعى عن النفس (الحياة والوجود) طبقا للمادة 51 من الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة لدرء تلك المخاطر التى بالقطع تزعزع الامن والاستقرار الإقليميين والدوليين. لقد تم تقريبا فى إطار ضغوط عامل الوقت استنفاد العديد من المبادرات والمقترحات المرتبطة بوسائل وآليات فض المنازعات بالطرق السلمية الواردة فى القانون الدولى وفى اتفاق إعلان المبادئ لعام 2015 (المفاوضات، التوفيق، الوساطة، الرؤساء والتى رفضتها إثيوبيا جميعا) فى مواجهة إصرار إثيوبيا على بدء عملية الملء الثانى بنهج أحادى يفرض أمرا واقعا ينتج عنه تلك التداعيات المدمرة على دولتى المصب. إن المجتمع الدولى تحكمه مواثيق وقوانين واتفاقات دولية واجبة الاحترام والنفاذ ليسود الأمن والاستقرار ويشيع السلام ولتتواصل عمليات التنمية لكل الاطراف فى إطار يراعى مصالحهم جميعا، وهو ما يعنى ضرورة التوصل الى اتفاق قانونى ملزم لقواعد ملء وتشغيل السد فى اتساق مع إعلان المبادئ يراعى تجنب الاضرار الجسيمة، واحترام مبدأ الاستخدام المنصف والعادل، ومعالجة معامل الأمان طبقا للمعايير الدولية، ويتحدد فى إطاره آليات الملء والتشغيل فى حالات الجفاف والجفاف الممتد والسنوات الشحيحة، والتنسيق والمتابعة وتبادل المعلومات وفض النزاعات. إن تواصل تمسك إثيوبيا بالنهج الاحادى وسياسة فرض الامر الواقع يؤكد أن الهدف الاستراتيجى لسد النهضة ليس فقط تنمويا كما تدعى إثيوبيا وإنما أيضا سياسى بامتياز بهدف الهيمنة والسيطرة والتحكم فى مياه النهر للمنع والمنح وربما للبيع ولاحداث تغيير جذرى فى الجغرافيا السياسية وتوازن القوى على حساب حياة ووجود دولتى المصب.

إن تبرؤ وتحلل إثيوبيا من اتفاقات ذات صلة بنهرالنيل بدعوى انها أبرمت فى فترة الاستعمار، أمر يدحضه أن إثيوبيا فى جميع الاتفاقات التى كانت طرفا فيها كانت دولة مستقلة ذات سيادة، كما أن اتفاقية 1902 هى اتفاقية حدود لا يمكن أن تتبرأ أو تتحلل منها خاصة أن الاتحاد الافريقى أكد الالتزام بقدسية الحدود المتوارثة عن الفترة الاستعمارية، بل حال تمسكها بالتبرؤ وبالتحلل منها، يتعين عليها عندئذ أن تعيد مناطق لديها ، كانت فى الاصل لدول أخري، ومنها على سبيل المثال لا الحصر، منطقة الفشقة ـ التى بنى عليها السد ـ الى السودان، ومنطقة الاوجادين التى ضمت لإثيوبيا إلى الصومال. يضاف إلى ذلك أن إعلان المبادئ لعام 2015 الموقع من الدول الثلاث بشأن سد النهضة المقام على النيل الازرق كنهر دولى تتأكد عليه السيادة المشتركة للدول الثلاث وتنتفى معه السيادة لطرف دون آخر. لقد تأسس اعلان المبادئ على مرجعيات القانون الدولى للمجارى المائية، والاتفاقات الدولية ذات الصلة سواء ما كان منها فى إطار ثنائى أو ثلاثى بين مصر والسودان وإثيوبيا أو بين دول كبرى ضامنة لهذه الاتفاقات . يتضمن القانون الدولى للمجارى المائية فى مادته الخامسة التأكيد على الاستخدام المنصف والعادل، وفى مادته السادسة على معايير تطبيق المادة الخامسة ومحورها الاحتياجات الاجتماعية والاقتصادية لدول النهر

(مصر فى حالة الفقر المائى وتحتاج إلى 114 مليار متر مكعب) . وفى المادة السابعة على عدم التسبب فى ضرر ذى شأن . اتفاق 1902 ينص على تعهد ملك الحبشة بعدم اقامة مشروعات تعترض سريان النيل الا بموافقة مسبقة، اتفاقية 1906 اقرت بريطانيا وفرنسا بما ورد فى اتفاقية 1902. اتفاق 1959 تضمن تقاسم مصر والسودان مياه النيل لتعكس الحقوق المكتسبة ( حصة مصر ٥٥٫٥ مليار مترمكعب والسودان ١٨٫٥ مليار متر مكعب من فائض ضخم غير مستغل 1600 ـ 2000 مليار متر مكعب ) اتفاق مبارك زيناوى 1993 تجنب أى نشاط يتعلق بمياه النيل يسبب ضررا بمصالح أى دولة، والتعاون لاقامة مشروعات مشتركة تزيد من حجم التدفقات المائية. اتفاق 2015 يتضمن مبادئ التعاون، التنمية، التكامل الاقتصادي، عدم احداث ضرر ذى شأن، الاستخدام المنصف والعادل، التعاون فى عملية الملء الأول، بناء الثقة، تبادل المعلومات والبيانات، أمان السد، دراسات بيئية واجتماعية، احترام سيادة الدول ووحدة أراضيها، الحل السلمى للنزاعات عبر آليات قانونية، آليات تنسيق دائمة لملء وتشغيل السد. تواصل الموقف الاثيوبى على النحو المتقدم فى إطار رعاية الاتحاد الإفريقى وتجنب قبول وتفعيل دوره كوسيط أو أطراف أخرى لاضطلاع بمثل هذا الدور، يبقى الأزمة فى دائر‪ة‬ مفرغة وتظل تراوح مكانها بما تحمله من تداعيات سلبية مدمرة حال بدء الملء الثانى دون التوصل لاتفاق قانونى ملزم لقواعد ملء وتشغيل السد. وفى التقدير أن فرص التوصل لتسوية الأزمة أضحت فى يد الإدارة الأمريكية الجديدة بعد أن شملت التحركات المصرية والسودانية أعضاء المجتمع الدولى سواء على المستوى الثنائى مع الدول أو المتعدد مع المنظمات الاقليمية والدولية.

لقد عينت الإدارة الأمريكية مبعوثا لمنطقة القرن الإفريقى مهمته الاسهام فى معالجة تطورات الأوضاع فى المنطقة ومن بينها أزمة سد النهضة. ولدى الإدارة الجديدة ـ وخاصة إن من بين أولوياتها حقوق الانسان ـ رصيد من الإدارة السابقة اضطلعت فيه مع البنك الدولى بدور الوسيط، وانتهى بمشروع اتفاق شامل ومتوازن كان قد حظى بتوافق الدول الثلاث وتهربت إثيوبيا من التوقيع عليه، كما شاركت تلك الإدارة وكذا الإدارة الحالية بصفة مراقب فى إطار مفاوضات الاتحاد الإفريقي، ويمكنها فى خلال الفترة المتبقية على موعد الملء الثانى الاضطلاع بدور ايجابى وبناء ـ فى ظل مناخ دولى موات للموقف المصرى السودانى يوفر فرصا بامكانية التوصل الى الاتفاق المنشود أو على الاقل ارجاء هذا الملء لحين التوصل اليه. وبالمقابل لم يعد أمام مصر والسودان فى حال تواصل النهج الاثيوبى وتعثر الدور الامريكى وأمام ضغوط عامل الوقت سوى اللجوء الى حق الدفاع الشرعى طبقا لميثاق الامم المتحدة لدرء ووأد عدوان خطير يهدد الوجود والحياة لشعبى ودولتى المصب .

> نائب رئيس المجلس المصرى للشئون الإفريقية


لمزيد من مقالات سفير د. صلاح حليمة

رابط دائم: