لا شك أن تطور البحث العلمى فى الدولة هو بمثابة إكسير القوة الذى يعطيها الطاقة الدافعة فى سباق الأمم نحو أهداف التنمية ورفاهية شعبها، كما ان مصر فى أمَسْ الحاجة لذلك فى مرحلة انطلاقها الحالية لبناء مصر الحديثة.وأن جوهر وأركان المنظومة يعتمد فى أساسه على الكوادر العلمية المتخصصة- والمنشآت والمعامل البحثية المتخصصة- والتمويل اللازم سواء الحكومى أو الخاص- ثم الخطة المركزية على مستوى الدولة والمتفرعة منها الخطط التخصصية -وأخيرا نظام التنسيق والمتابعة والتقييم والتغذية العكسية، بما يشكل البيئة العلمية المتكاملة التى هى بمثابة الحاضنة القادرة على استيعاب وتطوير المنظومة البحثية. فإذا نظرنا الى قمة هرم البحث العلمى فى مصر نجد أنه جزء تابع لوزارة التعليم العالى والبحث العلمى وأن الجهد الرئيسى للوزارة ينصب على الجامعات والمعاهد العليا، سواء الحكومية أو الخاصة، وكذلك المجلس الأعلى للجامعات، وأن شريحة البحث العلمى تشغل مساحة محدودة من الوزارة تخطيطاً وتنفيذًا. وربما كان فى ذهن المُشرٍع فى البداية أن تلك التبعية نابعة ومبنية على وجود بعض المراكز البحثية والمعامل والورش فى بعض الكليات والمعاهد العليا العملية.وبالتالى فإن وزارة التعليم العالى والبحث العلمى ليست لها تبعية او اتصال بباقى أنشطة البحث العلمى فى مصر، سواء فى الوزارات أو الهيئات أو المؤسسات أو الشركات سواء العامة أو الخاصة وكذلك المجالس القومية المتخصصة، مما يشكل مجموعة من الجزر البحثية المنعزلة بما يضعف مُحصلة منظومة البحث العلمى المصرية. وهو ما يستوجب إنشاء وزارة بحث علمى مستقلة على رأس المنظومة. وإذا كان من أهم اركان المنظومة البحثية العلماء الباحثون، فإن مصر تزخر بالعديد منهم فى كل المجالات فى الداخل والخارج ولكن محصلة الاستفادة منهم محدودة للغاية لعدم وجود المنظومة البحثية القومية من جهة وضعف البيئة العلمية الحاضنة من جهة أخرى، وندلل بتجربة الدكتور العالم احمد زويل رحمه الله الحاصل على جائزة نوبل للسلام لمساهمته فى خدمة الإنسانية فعندما أراد أن يخدم وطنه مصر بعلمه وكيفية بناء وعمل فريق بحثى بقيادته يعمل فى محرابه العلمى كفريقه لقياس (الفيمتوثانية) لكننا أغرقناه فى مشاكل إدارية وعقارية وقضائية وانتهى المطاف بمبنى يحمل اسمه يعطى شهادات دراسية كأى جامعة او معهد عال خاص.ويرجع عدم النجاح المنشود فى عدم وجود منظومة بحثية مصرية وعدم وجود بيئة علمية حاضنة،وإلا لماذا ينجح علماؤنا فى الخارج بعكس الداخل؟. وبعد أهمية العلماء فى المنظومة تأتى أهمية مصادر التمويل، ومن الخطأ الاعتماد الكلى على الدولة فقط رغم أهمية تمويلها بل يمتد الى الهيئات والشركات كما فى الدول المتقدمة. حيث ستستفيد الشركات من نتائج الأبحاث العلمية فى مجالها، وهو ما سوف يسهم فى تنميتها وزيادة أرباحها، وفى مصر على سبيل المثال تعتمد معظم الشركات على الإعلانات وتنفق فى ذلك المليارات، ولو ساهمت بنصف تلك المليارات فى البحث العلمى لاستفادت الدولة والشركة على المدى القصير والأبعد.ِ وإذا نظرنا لدعم الدول بحثها العلمى كقيمة ونسبة مئوية من ناتجها المحلى الإجمالى طبقا للموسوعة العلمية عن عام 2016 وللأسف لم تشمل فى منطقتنا كلا من مصر والسعودية وإيران وتركيا، وتأتى الولايات المتحدة فى المقدمة العالمية بنسبة 2.7% بقيمة 447 مليار دولار ويلاحظ انه كلما زادت النسبة المئوية لمصلحة البحث العلمى زاد تقدم الدولة اقتصاديا ثم عسكريا. وتأتى فى المقدمة كوريا الجنوبية بنسبة 4.3% فإسرائيل 4.1 فاليابان 3.6 فتايوان 3 أما الدول العربية المذكورة فبنسبة 5.% فأقل رغم ان الدول البترولية تحقق قيمة اكبر نتيجة ارتفاع الناتج المحلى، فالإمارات وقطر تحققان 2.5 و1.3 مليار دولار على التوالى، كما ان مخصصات البحث العلمى الحكومى لدول المقدمة تتضاعف بمشاركة شركاتها، ومصر تستطيع أن تكون ضمن هؤلاء خلال سنين معدودة باقتصادها الواعد ومعدلات النمو غير المسبوقة. كما يجب دعم المنظومة البحثية العسكرية، حيث شكلت على المستوى العالمى القاطرة العلمية، نخلص الى ان مصر بقيادتها التى تسابق الزمن لبناء الدولة القومية الحديثة، تحتاج الى إرساء منظومة بحث علمى شاملة و متطورة تتبع قمة سلطة الدولة التنفيذية وتتناسب مع طموح الوطن للغد الواعد والاستفادة من علمائها فى الداخل والخارج للتأسيس لبيئة علمية صحيحة.
> مستشار أكاديمية ناصر العسكرية العليا
لمزيد من مقالات لواء . د. محمد قشقوش رابط دائم: