رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

نحن والمشرق العربى الجديد

فى خطبة توديعية للدبلوماسى والسياسى البارز عزيز بهاد عندما صمم على الاستقالة من منصبه كأهم وأطول نائب لوزير خارجية جنوب إفريقيا احتجاجا على إقالة رئيس الجمهورية الأسبق تابو مبيكي، فى بدايات عام 2009، وشاركت فى هذه المناسبة كسفير لمصر آنذاك، استهلها عزيز باقتباس مطول من كلمة للرئيس الأسبق مبارك حول الغزو الأمريكى للعراق، وكيف ان عالما جديدا وخطيرا سيتشكل فى المنطقة وأن عدم الاستقرار قد يمتد الى أغلب بقاع العالم، وأبدى بهاد اقتناعه بهذه الرؤية وأبدى أسفه مجددا على السياسات الأمريكية التى ستجعل العالم أكثر خطرا وسوءا. وفى الواقع أن هذه كانت رؤية مؤسسات الدولة المصرية وكثير من باحثينا ومفكرينا آنذاك ولكن ما حدث فى الواقع كان أكثر سوءا. وقد استحضرت كل هذا وأنا أتابع المخاض الصعب والمعقد للانسحاب الأمريكى من العراق وسيخلف وراءه مؤسسات أضعف وطائفية تشوه تقاليد العراق وتعوق عودته، وحكومة جديدة تقاوم وتحاول بشدة أن تتصدى لهذا الإرث المعقد والأخطر حضور إيرانى لايمكن إنكاره. صحيح أن هناك أطرافاً عربية عديدة قد مدت أيديها للعراق وعلى رأسها مصر فى خطوات مهمة وبشكل خاص التنسيق والعمل المصرى العراقى الأردنى المشترك، الا ان التحديات صعبة ويجب النظر إليها فى إطار شامل من الناحية الإستراتيجية ومدى تماس هذا مع المصالح المصرية. فمن الضرورى فى النظرة لمجمل المشهد فى المشرق العربى وخريطة النفوذ التى تتبلور بشكل حثيث، أن ننطلق فى التحليل من سوريا التى تحولت من أزمة وصراع داخلى الى ساحة تقسيم نفوذ وتم تجاوز عمليات التسوية السياسية التى كانت ترعاها الأمم المتحدة، وكانت فى أغلب مراحلها غير واقعية ولا مؤسسة على التوازنات الفعلية للصراع ، وكذلك الصيغة المسماة عملية الآستانة التى قدمتها روسيا كعملية سياسية للتسوية، وهى عمليا إدارة مشتركة لوصاية الدول الثلاث روسيا وتركيا وإيران على الشان السوري، ومن هنا لم يكن غريبا ألَّا تشارك حكومة بشار الأسد فعليا فى جلسات مجلس الوصاية الثلاثي، وأن تتراجع هذه الآلية تدريجيا بعد أن استنفدت أطرافها احتياجاتهم من الترتيبات الهشة للنفوذ والمناورات. ولنتذكر أنه فى بعض مراحل سنوات الآستانة الزاهرة، وفى غمرة التقدم الروسى وشعوره بالقوة، كان البعض يتحدث عن ترتيبات ستزيح بمقتضاها موسكو إيران من الساحة السورية، وعزز هذا بعض الإجراءات المنفردة الروسية بالتنسيق مع تركيا، وأخرى ليست بعيدة زمنيا بالتنسيق مع إسرائيل لإزاحة إيران وحليفها حزب الله من المناطق القريبة من الجولان السورى ومن الحدود الإسرائيلية، وفى الواقع أن التصور بأن موسكو ستدفع بطهران بعيدا عن الساحة السورية إرضاء لكل خصوم إيران من الولايات المتحدة والغرب وأغلب العرب وإسرائيل قد اصطدم بقوة بعدة أمور، من أبرزها إخفاق موسكو فى لجم تركيا التى تزايد اندفاعها واحتلالها أراضى سورية مرة بالتنسيق مع القوى الغربية ومرة بالتحدى لها، وفى المجمل حسابات معقدة أدت بقبول موسكو ولو مرحليا لندية الوجود التركى فى سوريا وهى حسابات تشمل مصالح اقتصادية ضخمة ، وعدم رغبة فى استعداء أنقرة بشكل نهائي، وفوق كل هذا عدم رغبة موسكو فى خسارة حليف اقتصادى وسياسى قوى هو إيران ذاتها، ثم جاء تطور آخر مهم فى الساحة السورية، وهو تخلى الإدارة الأمريكية الجديدة عن سياسة سلفها ترامب فى الانسحاب، وهى سياسة لم يتمكن الأخير من تنفيذها، بل اضطر لتجميدها بعد أن كان قد اتخذ عدة خطوات بإغلاق بعض القواعد العسكرية وسحب بعض الأفراد ليأتى بايدن ليس فقط ليجمد رسميا هذا بل أكثر من هذا ينشر منظومة دفاع صاروخية جديدة، لينتهى شهر العسل الروسى فى سوريا، وليصدر بيان مشترك من الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وألمانيا بأن الانتخابات الرئاسية المقررة هذا العام فى سوريا لن تكون نزيهة ولاحرة ولايجوز أن تؤدى إلى إجراء تطبيع دولى مع النظام السوري، وأن الدول الأربع تؤكد تمسكها بالحل السلمى على أساس قرار مجلس الأمن رقم 2254 وأنهم سيسعون لمحاسبة المسئولين السوريين عن الجرائم الأكثر خطورة، ولايمكن وصف هذه الخطوات الغربية الجديدة تجاه سوريا إلا بوصفها طيًّا لصفحة سياسات سابقة وأنهم لا يريدون أن تهنأ موسكو وحلفاؤها بالنصر فى سوريا، وأن أسم اللعبة الجديد فى سوريا هو ركود تقسيم النفوذ والمصالح فى الأراضى السورية، لتبقى القوات الغربية والتركية فى الشريط الحدودى الغربى الشمالى الكردية، وتبقى قوات تركيا فى إدلب مع فلول القاعدة وداعش، ويبقى النفوذ الروسى الإيرانى فى باقى البلاد ويحرم النظام ومعه الشعب السورى من أعادة الأعمار والاستقلال ويزداد ارتماء النظام فى أحضان إيران حيث لابديل أمامه. ولأن المشهد لم ينته بعد فهناك لبنان واليمن حيث التمدد الإيرانى وغير بعيد عن ذلك كله تجرى مفاوضات الملف النووى الإيراني، حيث أصبح مستقرا حجم مكاسب إيران، وأنه من غير المطروح أن تشمل المفاوضات مسائل التغلغل الإيرانى فى المنطقة، حيث تفاوض طهران من موقع القوة، فالخلاصة النهائية أن الصفقات التى ستخرج لن تأتى إلا بمزيد من تكريس النفوذ الإيرانى إقليميا، وكذا التركي، وطبعا الإسرائيلى بحكم تضييق الأفق الذى قبل البعض أن يضع نفسه فيه لننتهى بخلاصة واحدة لضيق المساحة وهى أن المشرق العربى الذى كنا نعرفه يبدو أنه موغل فى التحول لخريطة سياسية جديدة، وأن علينا فى مصر أن نبدأ التفكير فى خيارات ورؤى جديدة تتناسب مع هذه التحولات.


لمزيد من مقالات سفير د. محمد بدر الدين زايد

رابط دائم: