رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

ضمائرنا للوطن.. وضمائرهم للبيع

الإنسان ذو الضمير الحر لا يدين بفكره لمتبوع، ولا ينزل عن إرادته لسيد، ولا يسترق ذاته أحد، ولا يستذل ضميره مال، ولا يضيع بين الرق والذل ضياع الصوت بين مصدره وصداه.

وإذا استقام للإنسان أن يملك الضمير الحر والقلب الحار جرت أموره فى الحياة على سلامة القاعدة واستعلن لسانه بخصائص الحق، وكان حقيقاً بأن يملك الأرض المحررة والأعراض المصونة، وكان بمضمونه وشكله مظهرا جميلا لخلق الله، ودلالة ظاهرة لمعانى الإنسانية.

والذين باعوا ضمائرهم, والبيع فى القانون أحد عناصره الجوهرية عنصر الثمن - ظلوا يسامرون أطياف المال، وينسابون فى اشتهاء الثروة، ويركضون خلف مظاهر الجاه، فلما فُتحت أبواب الحاكم وسرنا فى طريق البناء والعيشة الكريمة ونُودى بأخذ الشيء مما حل وطاب وقسمته بالحق والعدل, اضطربت فى أذهان هؤلاء خواطر الفرار والتسلل وراحوا يغلفون وجوههم بالأقنعة الباهتة التى تخدع الفرائس والضعفاء.

إن الذين باعوا الوطن وتشفوا من شهدائه وشرفائه وحُماته هم كمن مزقوا صدور الفضيلة وهتكوا أعراض المجتمع لكن الأولين تفوقوا على الآخرين بالدماء التى لوثوا بها أياديهم من دم من فدوا الوطن بأرواحهم. هؤلاء وأولئك لا يزالون على أملهم الحقير وغرضهم الدنئ فى أن يهوى الوطن كما هوت أوطان أخرى بدبيب الضعف واليأس والفرقة والفتنة، وهم - وقد ظفروا بإعجاب الشياطين بعد أن غالبوا الحق بأسلحة الباطل، وناقلوا الناس بسفاهة الحديث الباطل - قد فقدوا مزايا الوطنية الشريفة وبارت لديهم بضاعة الغش، فكان من الحتم أن يلفظهم الوطن.

ومعضلات الطبيعة والهندسة وضوابط التشريع والقانون يدركها الأذكياء بالحل، فإن تجرد هؤلاء الأذكياء من الصدق والصبر والشجاعة والمروءة والإيثار والتضحية من أجل الوطن وجدوا التبرير السهل للوسائل القبيحة دون أن يجدوا الصلات الشريفة بينها وبين الغايات السامية، وكانوا خلفاء لمن صنعوا أسلحة وقنابل الموت وظلوا يدعون أنهم أهل العلم والمدنية، حتى ولو ضحك منهم العالم أو سخر.

هؤلاء الأذكياء أو من يعتقدون فى أنفسهم الذكاء هم أناس مجردون من خصائص الضمير، يشيعون التناقض فى الأمة، ويحملون الأحكام على إفساد القاعدة، ويسيرون المنطق على تأكيد الخطأ، ويؤذنون فى الوجوه بالخيبة، ويرهصون لبلادهم بالفاجعة، وما لهذا المصير المحزن خَلَق الله الإنسان على وجه الأرض بعد أن سوَّاه ونفخ فيه من روحه، وقال لملائكته اسجدوا لآدم. إن باعة الوطن العزيز يريدون لشعبه أن يعيش مقهوراً مُعذباً لا مطمئناً آمناً، وأن يضيع بين التواكل والاسترخاء حين تأزمه الأزمات، وهو الشعب الذى ابتسم دائما للرجاء بعد الكد وتعلق بالأمل بعد الشقاء، وصبر على الصروف أيام الشدة، وكره أن يكابد الإغراق فى الأفكار المرسلة والآراء التابعة والمواقف المتناقضة، وهو الشعب الذى يملك صدق الإيمان بالقدر وبراعة القدرة على البناء وحسن الظن بالله داعياً وملحا فى الدعاء أن يستجيب لدعائه.

لقد كان الجارى فى عرف الناس ألا يتميز أحد على أحد إلا بطهارة القلب واليد واللسان، وتلك جميعها من سمات الضمير، ولم يندثر هذا العرف ولم يولّ زمانه، ولكنهم المخاتلون وباعة الضمائر ممن لفظهم الوطن وهم من أصحاب المآرب والحيل يقيمون أسواق الذمم على أطلال الحق والفضيلة، يحملون منها وإليها على الدواب حصيلة الكذب والافتراء والهدم.

الآن وقد تلاقت نفوس هذا الشعب الظامئة على وطنها العزيز، وتعاطفت القلوب المؤمنة على بعضها فى رحابه، فإن الغُمة التى كانت تغشانا من ضعف الأمل وبطء العمل قد تلاشت من الأفق وتبددت من الوجدان. والآن آن الأوان أن يطابق كل فرد من أصحاب الضمائر الحرة بين جلال الروح وجمال الخلق، وأن يكون ضميره هذا هو واعزه فى العمل وفى البناء والإصلاح، وأن يحمل النور من نفسه إلى وطنه، وأن يرسل النور من وطنه إلى العالم، وأن يعَبّر عن معانى الحياة باللغة التى يتكلم بها خيار الناس من بنى آدم. والضمائر الحرة - وهى لا تُشترى ولا تُباع - يتحرر بها المجتمع السعيد من سطوة الشهوة وبواعث الأنانية ونوازع الشر، فإن بغت على الضمائر هذه الأدواء واستكنت فى أرحامها أجنة الشيطان، وفاح من حولها ريحها المدنس صارت فى المجتمع أدنى فى الشبه إلى بؤرة الصديد فى خلايا الجسم تأكل الحياة وتختصر المسافة بينها وبين الموت.

يا هذا الإنسان ذو الضمير الغائب، يا من تدعى حرية التعبير ولغة ديننا وأى دين براء من سبابك، وحجبت ضميرك عن الظلمات القاتمة بكيانك، أقول لكل مدعٍ جاهل يغتاب الناس بعدائه ، ذق طعم نفسك فإن وجدته مرا كانت المرارة من إثمك فاتق الله “وإن دعتك قدرتك إلى ظلم الناس فتذكر قدرة الله عليك. رُوى عن وابصة بن معبد أنه قال : أتيت رسول الله ( صلى الله عليه وسلم ) فقال ياوابصة: جئت تسألنى عن البر والإثم؟

قال: نعم، فقال: استفتِ قلبك، البر ما اطمأنت إليه النفس واطمأن إليه القلب والإثم ما حاك فى النفس وتردد فى الصدر، وإن أفتاك الناس وأفتوك. سوف يُستفتى الناس يوماً فى كل مكان على أرض هذا الوطن فيمن قادهم إلى الإصلاح بعد الفساد، إلى البناء بدلا من الهدم، إلى الأمان بدلا من الخوف، إلى النصر بدلا من الهزيمة، وحينئذ سيقولون هو الله سبحانه وتعالى ثم بعده من هو صاحب قلب يخاف الله لا يخشى سواه يريد دوما مقابلته عز وجل وهو راضٍ عنه فرِحٌ به! عشت يا وطنى يا أغلى وطن.

> أستاذ ورئيس قسم القانو التجارى كلية الحقوق ــ جامعة الإسكندرية


لمزيد من مقالات د. محمد السيد الفقى

رابط دائم: