«بعد أن فقدت وظيفتى أصبحت الأوضاع أكثر بؤسا ..أريد أن أحصل على التعويض الذى سيغير كل شيء بالنسبة لى » كانت هذه هى كلمات أشرف على عامل حياكة فى إحدى مصانع ملابس التجزئة ببنجلاديش، بعد أن فقد وظيفته هو وأكثر من 1400 عامل، داخل المصنع خلال الوباء. فقد ألقت جائحة كورونا بظلالها على آلاف العاملين فى صناعة الملابس داخل دول جنوب شرق آسيا، وبين عشية وضحاها فقد الآلاف منهم وظائفهم، الأمر الذى تسبب فى معاناتهم، حيث لم يعد لديهم القدرة على كسب قوت يومهم، فى الوقت نفسه لم يتم منحهم تعويضات إنهاء الخدمة، وهو ما يعد أمرا غير قانونى بموجب القوانين الخاصة بهذه البلدان .
يأتى ذلك فى الوقت الذى أدى فيه ارتفاع البطالة الناجمة عن الركود الاقتصادى خلال جائحة كورونا، إلى إغلاق المتاجر فى جميع أنحاء العالم، مما دفع شركات الأزياء العالمية إلى إلغاء التعاقدات التى أبرمتها مع مصانع الملابس داخل هذه البلدان، لمواجهة الخسائر التى لحقت بها، والتى تعدت قيمتها مليارات الدولارات خلال العام الماضي. كما قامت كثير من العلامات التجارية بالغاء الطلبيات التى تعاقدت عليها بأثر رجعي، حيث امتنعوا عن الوفاء بالتزاماتهم ودفع ثمن هذه الطلبيات التى تم تصنيعها بالفعل، مما أدى إلى إغلاق الآف المصانع والتسريح الجماعى لملايين العمال وتخفيض ساعات العمل والأجور الخاصة بهم .
وسلط تقرير نشرته صحيفة «نيويورك تايمز» الأمريكية، الضوء على الضغوط التى يتعرض لها معظم عمال صناعة الملابس فى دول جنوب شرق آسيا، حيث أدت الجائحة إلى انعدام الأمن الوظيفى وتدنى الأجور بسبب الممارسات غير المسئولة لشركات الملابس خلال الأزمة، بعد أن اتخذوا منها ذريعة لتقليص أجور العاملين، وعدم دفع الأجور الإضافية، وعدم اتباع قواعد السلامة الصناعية لهؤلاء العمال وتضييق الخناق على النقابات العمالية لدخول المصانع ومراقبة الأوضاع التى يعمل بها هؤلاء العمال . كما أشار التقرير إلى أن خسائر ملايين العمال فى صناعة الملابس قد تجاوزت 16 مليار دولار خلال العام الماضي. علاوة على ذلك فإنه من المتوقع مع استمرار التداعيات الاقتصادية المرتبطة بالوباء، أن تتأثر صناعة البيع بالتجزئة بصورة كبيرة، خاصة بعد أن فقد عمال صناعة الملابس فى جميع أنحاء العالم ما لا يقل عن 500 مليون دولار فى أثناء الوباء.
وأفاد تقرير صادر عن اتحاد حقوق العمال العالمي، والذى استند فيها إلى دراسة 31 مصنعا لتصدير الملابس الجاهزة فى 9 دول، بأن عمال الملابس قد تم حرمانهم من أجورهم سواء بشكل جزئى أو كلي. كما خلصت الدراسة إلى أن أكثر من 37 الف عامل تمت إقالتهم بسبب الوباء، ولم يتم دفع تعويضات نهاية الخدمة التى ينص عليها القانون. علاوة على ذلك أفاد التقرير بأن ما يقرب من 75 % من هؤلاء العمال قد استدانوا لإطعام أسرهم منذ بداية الوباء، كما اضطروا لعدم إرسال أطفالهم إلى المدارس .
فى الوقت نفسه، قامت العديد من الحركات والنقابات العمالية وآلاف من عمال الملابس داخل هذه البلدان بتنظيم العديد من المسيرات، للمطالبة بحمايتهم من أصحاب المصانع الذين امتنعوا عن الوفاء بالتزاماتهم والحصول على تعويضات إنهاء الخدمة التى تعد الأمل الوحيد لإنقاذهم من الفقر المدقع الذى يحاصرهم من كل اتجاه . فقد قام مئات العمال فى ميانمار، بالإضراب لمدة أسبوعين للحصول على رواتبهم. وفى كمبوديا، اتجه نحو مائة عامل إلى وزارة العمل لتقديم التماس يطلبون فيه التعويض بعد إغلاق مصنعهم. بينما اتخذت إجراءات مماثلة فى باكستان بعد أن قامت المصانع بتخفيض العلاوات الخاصة بالعمال، حيث احتج العمال خارج المصانع ورددوا شعارات تطالب بتحسين الأجور. وفى بنجلاديش، نظم عمال الملابس احتجاجات خارج المصانع للمطالبة بتعويضات إنهاء الخدمة، حيث إنه بموجب القانون البنجلاديشى تعادل هذه المكافأة أجر شهر لكل عام من أعوام الخدمة .
وتزامنا مع هذه الإضرابات، قامت حملة »ادفع لعمالك«، والتى تعد واحدة من أنجح حملات حقوق العمال فى صناعة الأزياء فى العصر الحديث، والتى تتكون من تحالف يضم نحو 200 منظمة غير حكومية ونقابة عمالية من 37 دولة، بالتفاوض مع شركات الأزياء العالمية لدفع تكاليف إلغاء تعاقداتها، وبالفعل تمت الاستجابة لمطالبها بدفع التعويضات اللازمة، حيث التزمت 21 علامة تجارية وقامت بدفع 22 مليار دولار للمصانع وعمال الملابس على مستوى العالم، فى حين لا تزال ثمانية عشر علامة تجارية ترفض الدفع .
علاوة على ذلك، قامت الحملة بتأسيس صندوق إغاثة لتوفير حماية مالية للعمال المتضررين فى البلدان المنتجة، يتم تمويله من خلال دفع رسوم يتم احتسابها بناء على حجم مشتريات شركات الأزياء العالمية من هذه البلدان، فى الوقت نفسه لا يهدف الصندوق إلى استبدال أنظمة الضمان الاجتماعي، لكنه يعمل على ضمان الحفاظ على حقوق هؤلاء العمال فى حالة عدم سداد أصحاب العمل مكافآت نهاية الخدمة الخاصة بهم .
رابط دائم: