رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

الصين ونظام التجارة العالمى

وضعت سنة 2020، الصين فى بؤرة الاهتمام...بفعل الجائحة الفيروسية من جانب...والتشدد الأمريكى والبريطانى تجاه الصين فيما يتعلق بعمليات التجارة الدولية الضخمة فى مجال الاقتصاد الرقمى وتكنولوجيا الاتصال... وحديثنا اليوم نخصصه لتقييم وضع الصين فى النظام الاقتصادي/المالى العالمى وحصاد استراتيجيتها الساعية للعب دور محورى فى عمليات التجارة العالمية المتنوعة مع نهاية 2020...وتشير بعض الدراسات الحديثة، فى هذا المقام، إلى: أولا: شراسة هذه العمليات للدرجة التى باتت بعض الدراسات تعتمد تعبير الحرب التجارية فى وصفها. وثانيا: كشفت دراسات أخرى عن الطبيعة العدائية التى أصبحت تحكم سلوك أطراف هذه العمليات للحد الذى حولهم من متنافسين إلى خصوم لا يثقون فى بعضهم البعض. ونتيجة للأمرين السابقين اشتعلت ثالثا: نزاعات تمس أمن العالم وهو ما بات جليا على مستوى التحرشات الجيوبوليتيكية العالمية...

وقبل تفصيل كيف وصلت الصين إلى هذه النقطة، نذكر بأن الصين فى تمددها تنطلق من قاعدة مفادها تجديد دورها العالمى. فالصين كانت خلال الفترة ما بين القرن السادس عشر وحتى مطلع القرن التاسع عشر، ذات حضور عالمى متميز أو بحسب أحد الباحثين كانت فى: قلب نظام المبادلات الصناعية الدولى. وعقب فترة تراجع أليمة غابت عن القلب وأصبحت على الهامش حتى عام 1949. وهو العام الذى قررت فيه الصين أن تستعيد موقعها فى قلب المنظومة العالمية. وذلك عبر: أولا: البدء فى بناء نموذجها التحديثى المركب الرباعى العناصر: فى الصناعة، والزراعة المميكنة، والعلوم والتكنولوجيا، والدفاع؛ وذلك فى آن واحد، أو ما بات يعرف فى الأدبيات: بالتحول التاريخى للصين نحو التقدم. ثانيا: عدم الاكتفاء بدورها الإقليمى الآسيوى وإنما تتجاوزه إلى ما هو أبعد من ذلك بكثير. ثالثا: التوسع العالمى عبر الانخراط فى النظام الاقتصادى والتجارى العالميين بقوة. تم تطبيق هذه الخطة الاستراتيجية من خلال تجليات متنوعة بداية من ماو تسى تونج، ومرورا بدينج شياو بينج، وهو جينتاو، حتى شى جين بينج الذى أعلن بوضوح ضرورة بلوغ الصين «فى مؤتمر الحزب 2017» نصا: قمة الاقتصاد العالمى والمركز الجاذب للعمليات التجارية العالمية ومن ثم تصبح قيادة كونية فاعلة...

وبالفعل، شهدت التجارة العالمية فى السنوات الخمس الأخيرة دورا محوريا ومتناميا تريليونيا بينها وبين الولايات المتحدة الأمريكية، وملياريا بينها وبين أوروبا إضافة إلى روسيا، واستثمارات ضخمة وحضورا ماديا عبر شركات صينية فى أفريقيا وأمريكا اللاتينية. ولكن، وبحلول 2020 بدأت الإستراتيجية الصينية تتعرض لكثير من الأخطار من خلال إعاقة خططها وتقييد شركاتها واستثماراتها. ومن ثم إعادة النظر فى عمليات التجارة العالمية برمتها.

وفى هذا المقام، أذكر بملف الإيكونوميست؛بتاريخ 18 يوليو 2020 الماضى، المعنون: تجارة عالمية تغيب عنها الثقة. وبعديد الكتب والدراسات التى صدرت فى هذا المقام، خاصة عقب خسارة ترامب، والتى تناولت مستقبل التجارة العالمية فى ظل رئاسة أمريكية جديدة.كذلك لا ننسى الأزمات التى طالت أكثر من شركة صينية عملاقة لعل من أشهرها شركة هواوى للاتصالات وتقييد عملها على مستوى شبكة G5 التى كانت تنوى إطلاقها فى بريطانيا 2021 من جهة. أو القوانين التى صدرت فى الولايات المتحدة تحظر الاستثمار فى شركات صينية، وغير ذلك، من جهة أخرى. إضافة للريبة التى تمكنت من كثير من دول أوروبا، وغيرها، حيال التنين الصينى و« تمدده الناعم»، الذى كان يتحلى به خلال العقود الماضية...فما هى الأسباب التى أدت إلى وصول التجارة العالمية إلى هذه الوضعية وإلى تلك المواقف الصارمة (لن نقول العدائية) من قبل كثير من الدول حيال الصين؟

تشير دراسة صادرة قبل أيام فى العدد الجديد من دورية فورين أفيرز «عدد مايو/يونيو 2021» للباحثة الأمريكية أودراى يونج، بجامعة هارفارد ومعهد ماساشوسيتس، إلى كيف أن حصاد التمدد الصينى الاقتصادى فى العالم الذى: أوصلها لاعتلاء قمة التجارة العالمية منذ 2013، لم يحقق للصين ما كانت تأمله بحسب خططها الاقتصادية المحكمة. وقد تجلت هذه النتيجة فى الآتى:

أولا: لم تستطع الصين أن تكتسب الحلفاء الداعمين استراتيجيتها. وهو ما يتبين من ردة فعل بعض الدول فى المنظومة الدولية تجاه مشروع الحزام والطريق «المشروع الذى يربط بين الصين وبين جنوب شرق آسيا وباكستان وآسيا الوسطى فالشرق الأوسط وأوروبا وأفريقيا والذى خصصت له 4 تريليونات دولار».

ثانيا: لم تحقق الصين التأثير المأمول على المستوى الجغرافى السياسى، الذى يعود عليها بالفوائد المرجوة، بحسب هذه الخطط، والذى يتفق مع تمددها المترامى الأطراف.

ثالثا: الاستخدام المبالغ فيه للقوة الحادة «تعبير استخدمته الإيكونوميست مرة لوصف كيف تمرر الصين خططها ومصالحها الاقتصادية فى دول العالم من خلال الإغراء والتأثير على المؤثرين بها، والذى كانت له آثار شديدة السلبية خاصة فى دول الجنوب تصفها يونج ــ فى دراستها بالفورين أفيرزــ بالمُخربة...

رابعا: ووجهت الصين بالكثير من التشريعات والقيود فيما يتعلق بصادراتها ومشروعاتها الاستثمارية خاصة فيما يتعلق بالاقتصاد الرقمى الذى تبين أن نظام التجارة الدولى غير جاهز تماما للتعاطى معه.

خامسا: إعادة التموضع الغربى العابر للأطلسى بين أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية ــ حيال الكثير من الدول من ضمنها الصين.

وتدفع هذه التجليات إلى ضرورة إجراء مراجعة صينية شاملة...خاصة إذا لم يزل الاستراتيجيون الصينيون يهدفون للمساهمة فى الاقتصاد العالمى بنسبة 50%...كذلك لنظام التجارة العالمى.


لمزيد من مقالات سمير مرقص

رابط دائم: