رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

بريد الجمعة.. يكتبه: أحمد البرى
الأخت الجريحــة!

يكتبه أحـمــد البــــــرى

أنا سيدة فى الخامسة والأربعين من عمرى، وليس لدىّ أبناء، إذ توفيت ابنتى الوحيدة بعد عام من ولادتها، ولم أنجب بعدها برغم أننى ليس لدىّ أى مانع للحمل، وفقا لما أكده الأطباء، ولكنها إرادة الله، وأروى لك حكايتى منذ طفولتى، حيث إننا أربعة أخوة «ولدان وبنتان»، وترتيبى الثانية بينهم، وقد تربيت فى بيت كله قسوة من الأب والأم والأشقاء، وعشت طفولة معذبة، وعاملنى أبى كالعبيد بلا ذنب ولا جريرة، فكان يضربنى بالخراطيم، وتسبب فى عاهات مستديمة ألمّت بى، ومن كثرة الضرب على مؤخرة رأسى أصبت بحول فى عينىّ، وخضعت للعلاج وتعافيت بفضل الله، وكان كلما أراد إذلالى يعاقبنى بتسليك البلاعة بيدى غير مراع حالة الاشمئزاز التى تصيبنى من جراء ذلك، وهكذا انطويت على نفسى، حتى فى يوم إجازته الأسبوعية لم أكن أغادر غرفتى لكيلا يرانى، ولا ألتقى به، وكانت أمى تعاملنى بنفس الشدة والغلظة، لدرجة أنى كنت أتبول على نفسى، وأسير ليلا فى أثناء نومى إلى أن كبرت، وكلى حزن منهما، ووصلت إلى الثانوية العامة، وحدث أن أصيب أبى بشلل نصفى نتيجة جلطة فى المخ، وتقاعد من عمله، فاقتربت منه، وراعيت شئونه، وصار كل همى أن أرضيه، وتناسيت تماما صنيعه معى، وقد أنعم الله عليه بالشفاء.

ومرت الأيام والتحقت بالجامعة، وإذا به يعود إلى سيرته الأولى معى، وزاد الأمر سوءا بمعاملة أخى الأكبر لى، إذ كان يضربنى ضربا مبرحا بلا أسباب، تماما مثلما يفعل أبى، أما أختى الصغرى، فكانت عكسى، وحصلت على حقها منهم، ولم يستطع أحد أن يردها عما تعتزمه من أمور، ومن كثرة تدليلها أهملت الدراسة، ولم تحصل على شهادة سوى الابتدائية، أما أنا فقد واصلت تعليمى، والتحقت بالجامعة، وفى السنة الثالثة تقدم لى زوجى، وهو يعمل فى نفس وظيفة أبى، ووافقت على الارتباط به لحسن خلقه وتدينه، وأصدقك القول إننى تنفست الصعداء بمجرد خطبتى له، وبعد فترة وجد أهلى أن إمكاناته لا تؤهله للزواج، وحاولوا فسخ الخطبة، لكنى استمسكت به، وأكدت لهم أننى لن أوافق على الزواج من غيره فى كل الظروف والأحوال، وهكذا تزوجته بأقل القليل، وأنجبت طفلتى الأولى، وإذا بها مريضة، فطفت بها المستشفيات بحثا عن العلاج، ولم أجد أحدا بجانبى إلى أن توفاها الله.

وبدأت رحلة شقاء جديدة، حيث كان زوجى دائم السفر نظرا لطبيعة عمله، وعشت بمفردى، وقتلتنى الوحدة، وكرهت جدران المنزل، وأصيب أبى بالكبد، واشتدّ عليه المرض، فلم يسانده أحد سواى، وكسبت رضاه ودعواته قبل رحيله عن الحياة.. أما باقى أخوتى فلم يكن راضيا عنهم، وعند تقسيم الميراث تنازلت عن نصيبى لأخى الأصغر، لكن أمى وزّعت حقى على أخوتى دون علمى.

ومرت السنون، وعرض أخى الأكبر علىّ أن أدير شركة يملكها، فوافقت، وركزت كل جهدى لإنجاحها، وكنت قريبة من أهلى، واكتشفت لأول مرة حقائق مذهلة عن علاقتهم ببعضهم، فأختى الصغرى لا تعرف قيمة أن يكون لها «بيت وزوج وأبناء»، فزوجها مهندس ورجل فاضل لكنها فشلت معه بسبب علاقاتها وسلوكها «المعوج» وطلقت منه وتركت له أبناءهما بتنازل رسمى، وتقدم لها شاب وافقت عليه، رغم سيرته الذاتية المشينة جدا، بما فيها تعاطى المخدرات والعلاقات المحرمة، والسرقة، وقد حذرتها منه، فطردتنى هى وأمى من البيت وتزوجته، وأنجبت ولدين، ودارت الأيام، ودخل السجن، فانفصلت عنه، وأدركت ما حذرتها منه بعد فوات الأوان، ولم أتخل عنها، وصرفت عليها ووقفت بجانبها، بينما لم يعرها أخوتى أدنى اهتمام.

أما أخى الأكبر، فقد اكتشفت فى شركته النصب والتزوير والاحتيال والرشاوى، وعارضته، لكنه لم يسمعنى، إلى أن أغلقها بعد تعثرها، وهو السبب فيما وصلت إليه، لأنه لم يستجب لنصائحى، وساندت أخى الأصغر فى زواجه، وظللت أراعيه حتى بعد أن صار له بيت مستقل، وقد أنجب طفلتين توليت أمورهما، فى كل أوجه الحياة حتى مصاريف المدرسة التى التحقتا بها.

وشرحت لأمى هذه الأوضاع الغريبة لكى أخلّص ضميرى أمام ربنا، وأخبرتها بأن سلوكيات شقيقى الأكبر كلها حرام، ورجوتها أن تتحدث معه وتنصحه بالتوقف عن تصرفاته المحرمة، فاتهمتنى بأنى أكرهه، وقد أخذ منى مبلغا ولم يرده، فطلبت منها أن تتدخل لكى يعيده إلىّ فاتهمتنى بالحقد عليه مع أنى مرتاحة ماديا، وقد أصبت بحالة اكتئاب وتوتر عصبى، وعرفت طريق الأطباء والمهدئات التى مازلت أتعاطاها حتى الآن.

ومرت الأيام، ومرضت أمى، فوقفت بجانبها لآخر نفس، وقد أعطتنى ذهبها لكى أبيعه وأصرف عليها حتى لا تطلب من أحد شيئا، فلبّيت لها ما أرادت، ولم أتركها لحظة واحدة إلى أن فارقت الحياة، وبعد شهر واحد من وفاتها طلب أخى الأكبر تكييفا من شقتها، وافتعل مشكلة معى بسببه، ولمّا علم أخى الأصغر بذلك، حدثت بينهما مشاجرة، ولم أتدخل فى الأمر حتى لا أغضب أحدا، فإذا بأخى الأكبر يسبنى ويتهمنى بتخريب شركته، وبأننى التى تسببت فى سوء سمعته بالسوق، فرددت عليه بأنه هو الذى نصب على الناس، وأكل الربا، فقاطعنى تماما، ونفخت أختى الصغرى فى النار، ومن كثرة حقدها علىّ اتهمتنى ببيع الذهب دون علم أمى، وأننى كذبت عليهم، وأساءت إلى سمعتى عند أخوتنا، وفرقت بيننا، فتملصوا من سداد ديون أمى التى ظهرت بعد رحيلها، وقد تأكدوا منها، فسددها زوجى، وإذا بهم يقولون: «مالكوش عندنا حاجة» ورفضوا إعطاء زوجى ما دفعه، فاحتسبناه عند الله.

وتنكر أخى الأصغر لما قدمته له ولابنتيه، ونصب علىّ هو وزوجته فى مبلغ كبير، ولم أتركه حتى أعاده إلىّ، وقلت له: «كفاك ما قدمته لك»، فحرمنى من رؤية البنتين، وأوغر أخوتى صدور أبنائهم ضدى لدرجة أنه لو رآنى أحدهم فى الشارع يدير ظهره لى، وكل الأهل والمعارف يعلمون صنيعى معهم، ومنذ عامين ونحن على هذا الوضع، فهل أخطأت فى شىء؟.. إننى أفوض أمرى الى الله وأحتسب ما قدمته لهم عنده سبحانه وتعالى.. وأريد أن أقول لك: إننى أفكر جديا فى بيع ممتلكاتى، وأن أذهب أنا وزوجى إلى دار للمسنين فنقضى فيها ما تبقى لنا من عمر، لكى اختفى تماما عن أخوتى، ولا يعلم أحد عنا شيئا، أو أن أبحث عن حل مناسب يجعلنى بمعزل عنهم إلى الأبد، فبماذا تشير علىّ؟.

 

ولكاتبة هذه الرسالة أقول:

إنى أتعجب من حالة العداء والتربص بين بعض الأخوة، فيدبرون لهم المكائد، ويتمنون زوال النعمة من أيديهم، ولا همّ لهم إلا تنغيص حياتهم، فالأشقاء لا يحملون دما واحدا فحسب, وإنما أيضا فيهم من السمات الكثير, فهم شركاء فى البيت الذى يشهد لحظات شقاوتهم وشقائهم, وقد عاشوا وكبروا معا، وتقاسموا الضحك والبكاء, والنجاح والإخفاق، والسعادة والحزن، ومهما باعدت الأيام بينهم تظل رابطة «الأخوة» أسمى من أى رابطة أخرى، فأين أخوتك من ذلك بعد كل ما قدمتيه لهم؟.

إن هناك عوامل عديدة ساهمت فى وصول علاقتكم إلى طريق مسدود، أولها القدوة السيئة, فعندما تفتحت عيناك على الحياة، وجدت علاقاتكم الأسرية تتسم بالشدة والجفاء، ولم يدر والداك خطورة الغلظة بلا مبرر فى التعامل معكم، خصوصا أنت، إذ اختصك بعقوبات جسدية ونفسية قاسية، كالضرب بالخراطيم وتسليك البلاعة، ولم يقدّر خطورة صنيعه عليك، فى الوقت الذى دلّل فيه بعض أخوتك، ولم يعدل بينكم لا هو ولا أمك فى المعاملة والعطاء حتى لا تتولد مشاعر الغيرة والحسد فى قلوبكم.

إن العداوة والعداء بين الإخوة تورث إلى الأجيال التالية, إذ يتعلم أبناؤهم ألا يحبوا بعضهم بعضا, مما يعنى تفككا اجتماعيا مؤذيا جدا.

إن السلام الأسرى يعتمد على محورين أساسيين, أولهما المحور الداخلى, وهو إنشاء علاقات طيبة وسليمة بين أفراد الأسرة الواحدة, ومن ثم العائلة الكبرى خاصة بين الإخوة ثم بين الإخوة والأب والأم.

أما المحور الثانى فهو السلام الممتد من داخل الأسرة إلى العائلة ثم المجتمع, ويعتمد ذلك على فتح قنوات الحوار بين أفراد الأسرة الواحدة إذ يغيب فى كثير من العائلات، مع ما ينجم عنه من تأجج الخلافات فى المستقبل.

ولذلك من الضرورى زرع مفاهيم, مثل الحب والعطاء والصراحة, واحترام رأى الآخر بين الأشقاء منذ الصغر, وبناء العلاقات الأخوية فيما بينهم بناء متينا والاعتناء بها كما نعتنى بالنبتة الصغيرة, فلو درسنا الخلافات التى تحدث بين أفراد الأسرة الواحدة التى يترتب عليها أحيانا العداء بين الإخوة ودخول المحاكم, وتطور الأمر إلى القطيعة التامة, لوجدنا أن العلاقة بينهم كانت هشة من الأساس عندما كانوا تحت سقف واحد منذ الصغر.

ويجب على الآباء لإنجاح هذا «السلام الأسرى» والسلام بين الإخوة, أن يعلموا الأطفال أيضا آليات الحوار القائمة على المصارحة والتعبير والبوح بما يكمن فى نفوسهم تجاه بعضهم البعض, فذلك سوف يسهل عليهم فى الكبر التعامل مع مشكلاتهم بالآلية نفسها, والوصول إلى حلول لها عبر الحوار, واتباع الطرق السليمة التى اعتادوها منذ الصغر، وهذه المسألة ستحقق سلاما دائما بينهم وبين كل أفراد الأسرة.

أرجو أن يعى أشقاؤك ذلك، وأن يعلموا أنهم كلما طال هجرهم لك، كان الإثم الواقع عليهم أشد، فعن أبى خراش السلمى، أنه سمع رسول الله يقول: «من هجر أخاه سنة، فهو كسفك دمه» وإذا كان الهجران بين الإخوة فى النسب كان ذلك أشد؛ فإن قطع الرحم من الكبائر، وقد أمرنا صلى الله عليه وسلم بصلة الرحم حتى لمن يقطعها، فعَنْ عبد الله بن عمرو أن رسول الله قَالَ: لَيْسَ الْوَاصِلُ بِالْمُكَافِئِ، وَلَكِنْ الْوَاصِلُ الَّذِى إِذَا قُطِعَتْ رَحِمُهُ وَصَلَهَا، كما أن الهجران والتشاحن سبب فى تأخير الغفران وقبول الأعمال، فعن أبى هُرَيْرَةَ عن النبى صلى الله عليه وسلم أنه قَالَ: تُعْرَضُ الأَعْمَالُ فِى كُلِّ يَوْمِ خَمِيس وَاثْنَيْنِ، فَيَغْفِرُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِى ذَلِكَ الْيَوْمِ لِكُلِّ امْرِئٍ لاَ يُشْرِكُ بِاللَّهِ شَيْئًا إِلاَّ امْرَأً كَانَتْ بَيْنَهُ وَبَيْنَ أَخِيهِ شَحْنَاءُ، فَيُقَالُ: «ارْكُوا هَذَيْنِ حَتَّى يَصْطَلِحَا»، رواه مسلم.

ومن هنا فلا يجوز لهم هجرك، وليعلموا أن ما يجدونه فى صدورهم نحوك هو من نزغات الشيطان؛ ولذلك أرشد القرآن الكريم العباد إلى أن يقولوا فى تخاطبهم وتحاورهم الكلام الحسن الطيب حتى لا يدعوا مجالا للشيطان ليفسد بينهم؛ لقوله تعالى: «وَقُلْ لِعِبَادِى يَقُولُوا الَّتِى هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلإِنْسَانِ عَدُوًّا مُبِينًا» (الإسراء 53)، وينبغى أن تستعيذوا جميعا بالله من الشيطان الرجيم، وأن تحسنوا الظن ببعضكم، وأن تتعاملوا بالمعروف، ومن أنفع ما يعينكم على التخلص من ذلك التباغض، ألا تستسلموا لما يلقيه الشيطان فى قلوبكم، فكلما وسوس الشيطان لأحدكم بسوء نحو الآخرين، عليه أن يقابل ذلك بالدعاء، كما أن مقابلة السيئة بالحسنة تجلب المودة، وتقى شر نزغات الشيطان؛ قال تعالى: وَلا تَسْتَوِى الْحَسَنَةُ وَلا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِى هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِى بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيم» (فصلت 34)، أيضا إن المبادرة بالكلام الطيب - ولو تكلّفا - تُذهب الأحقاد وتجلب المحبة، وفى ذلك يقول الغزالى: «بل المجاملة تكلّفا كانت، أو طبعا تكسر العداوة من الجانبين، وتقلّل مرغوبها، وتعوّد القلوب التآلف والتحاب»، ومن هذا المنطلق أنصحك بعدم التسرع إلى الإقامة فى دار للمسنين، فلا حاجة لك إليها، لا من حيث السن، ولا الظروف، والأمر فى حاجة إلى صوت العقل والحكمة لكى تعود المياه إلى مجاريها بينكم، وسوف أتصل بكم لترتيب «لقاء تسامح» تعود بعده علاقتكم إلى أفضل مما كانت عليه، والله المستعان.

رابط دائم: 
اضف تعليقك
البريد الالكترونى
الاسم
عنوان التعليق
التعليق