عندما جلس ليكتب قصة حياته .. قرر أن يكتفى بكتابة المبادئ والقيم التى آمن بها .. ولا يتطرق إلى الأحداث التى عاشها خلال سنوات عمره .. وعندما انتهى من كتابة السطر الأخير لم يكن يعرف أنه كتب نوعا من الأدب اسمه السيرة الذاتية .. إنه «نفر سشم رع» الذى كتب على ورقة بردى: «لقد قلت الحق .. ومارست العدل حتى يحبنى الناس .. وأنقذت الضعيف من يد القوي.. لقد أعطيت الجائع خبزا .. وأعطيت ملبسا لمن كان عاريا .. ودفنت من ليس له ابن .. وكنت وديعا مع أمى .. وكنت أهاب أبى» .. أما «أونى» الذى احتل أرقى المناصب فقد استعرض فى سيرته الذاتية أحداث الحرب التى شارك فيها، واصفا كيف دمر حصون العدو. وإلى جانب السير الذاتية .. التى حرص معظم المصريين فى مصر الفرعونية على كتابتها .. ازدهرت فى هذا الزمان كل فنون الكتابة التى عشقها المصريون والتى تصدرت قائمة الابتكارات العبقرية التى توصلوا إليها.. على ورق البردى كتبوا .. وعلى جدران المعابد .. وعلى الحجر .. وعلى الأوانى الفخارية .. كتبوا قصصاً وشعراً ومسرحيات وكتابات سياسية كتلك التى ينصح فيها الكاتب الملك بالآتي: «أغدق المال على الفلاحين وأهل المدن .. فالشعب الثرى لا يثور .. فلا تفقره بحيث تدفعه دفعا إلى الثورة .. فالفقير هو الذى يحرض على القلاقل ولا تفرق بين ابن إنسان رفيع الشأن .. وابن إنسان من سلالة الشعب».. أيضا كانت هناك كتابات تضم وصفات طبية كتلك التى جاء فيها أن من يملأ بطنه خبزا سوف يعانى المرض ومن يملأ بطنه نبيذا سوف يلازم الفراش .. فالمرء يمرض لأنه يصل إلى حد الشبع .. فلا تهمل المرض البسيط .. فمن الصعب أن تشفى إذا تمكن منك المرض .. كما كثرت الكتابات الدينية كتلك التى ينصح فيها الكاتب المرء بقول الصدق .. والابتعاد عن الكذب .. فالله يسمع لأنه موجود فى كل مكان وزمان .. أيضا ظهرت كتابات فى الأمور الإنسانية، امتلأت بحكم بليغة مثل: «لا يتوصل المرء إلى معرفة قلب أخيه ما لم يلتمس مساعدته وقت الضراء» ولا يتوصل إلى معرفة قلب ابنه حتى يأتى اليوم الذى يطلب فيه منه أمرا من الأمور.. ولا يتوصل إلى معرفة قلب خادمه قبل اليوم الذى يصاب فيه بالإفلاس».فى هذا الزمان .. احتل الكاتب مكانة مميزة .. لذلك كتب أحدهم الآتي: «كن كاتبا .. فإن الكتابة أكثر فائدة من شاهد قبر منقوش .. ومن جدار بنى بناء متينا .. ومن لوحة تذكارية فى معبد .. وكل من احترف مهنة الكتابة سيدوم اسمه إلى الأبد».وإلى الأبد .. ستظل حضارة مصر الفرعونية تشع بأضواء تثير الذهول والانبهار .. وستظل تكشف عن نور عقل المصريين القدماء ووهج وجدانهم وعبقرية أعمالهم.
لمزيد من مقالات عايدة رزق رابط دائم: