رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

سد النهضة وصفر المونديال

يبدو أن أزمة سد النهضة ستظل الشاغل الرئيسى للمصريين الفترة المقبلة، ولمَ لا، وهى تمثل بالنسبة لنا مسألة الحياة، والتفريط فيها يعنى القبول بالموت، حتى لو كان بطيئاً. نتذكر جميعنا ما حدث إبان تقدم مصر لتنظيم كأس العالم 2010 لكرة القدم، وما صاحب ذلك من آمال كبيرة لدى المصريين بإمكان تحقيق ذلك الحلم، وما حدث من اخفاق لتحقيقه، لابد أن يكون درساً مهماً ينبغى التعلم منه. فقد كنا نتحدث مع أنفسنا، نقيم الحفلات من الإسكندرية شمالاً حتى أسوان جنوبا، باعتبارها وسيلة جيدة للترويج، وتركنا من بيدهم إعطاء الأصوات لنا فى يد المتنافسين معنا على تنظيم المونديال، وفى الأخير خسرنا التنظيم. وذلك ما نفعله الآن مع أزمة سد النهضة، ولكن الفارق الكبير الذى يأتى فى مصلحتنا تماماً، أننا نملك الحق الكامل فى أزمتنا مع إثيوبيا، ومع ذلك لم نستطع تسويق ذلك الحق على المستوى الدولى، رغم ما نملكه من امكانات ضخمة للغاية، تتيح لنا الفوز بحقنا بشكل كامل. ببساطة الأزمة مع إثيوبيا فى أمرين، الأول عدد سنوات الملء، الثانى، تقديم الضمانات الكافية بأمان تشييد السد، حتى لا يحدث ما لايحمد عقباه، وتنهار إحدى بواباته، لأنه احتمال وارد كما حدث فى سد أوين فى شمال أوغندا، وهو ما نجم عنه انهيار العديد من القرى فى الشمال الأوغندى، أما الوضع مع سد النهضة فمختلف تماما حال انهيار إحدى بواباته، أو كلها، فالخسائر الناجمة فى تلك الحالة مميتة للشعب السودانى الشقيق، ومسببة لخسائر كبيرة لنا فى مصر.

تملك إثيوبيا 5 سدود أخرى بسعات تخزينية أقل، لا تؤثر من قريب أو بعيد على دولتى المصب، ومقدار ما يهطل عليها من مياه سنويا قٌدر بما يقارب الـ 950 مليار متر مكعب من المياه العذبة، أما حصة مصر التى تسعى للحفاظ عليها هى 55.5 مليار متر مكعب سنويا، وقت أن كان عدد سكانها بضعة ملايين، وليس أكثر من 100 مليون نسمة، وهى تساوى أقل من 6% من المياه التى تهطل عليها سنوياً، نسبة ضئيلة للغاية، ورغم ذلك تسعى للتملص من كل الاتفاقيات الدولية الموقعة عليها بحجج واهية. هناك 164 نهراً على مستوى العالم تتجاوز أطوالها الـ 1000 كيلومتر، يأتى نهر النيل فى مقدمتها بطول 6650 كيلو مترا، وعمره آلاف السنين، كنا نعيش, دول المنبع والمصب, فى سلام دون مشكلات، حتى تم بناء سد النهضة، وما تبعه من تعنت إثيوبى غير مبرر أو مقبول.

هناك آلاف السدود على مستوى العالم تنظم التدفق الطبيعى للمياه، كما أن هناك اتفاقيات دولية تنظم آليات التعامل بين دول المنبع والمرور والمصب، وأزمة سد النهضة هى الأولى من نوعها، ورغم ذلك ما زالت إثيوبيا مصرة على موقفها الرافض احترام الاتفاقيات الدولية، وتسعى بمنطق مغلوط أن تسوق أن المياه ملك لها تفعل بها ما تشاء. وهنا يبرز تساؤل مشروع بنفس المنطق الإثيوبى، هل من حق مصر أن تتحكم فى مرور السفن ومنعها وفق أهوائها، باعتبار أن قناة السويس تمر داخل أراضيها، ولا تعمل أى اعتبار للاتفاقيات المنظمة للممرات أو القنوات الدولية، ومن ثم تؤثر على ما يقرب من 12% من حجم التجارة العالمية؟ الإجابة تحددها كيفية التعامل الدولى مع أزمة سد النهضة، ومع استعادة ذكريات طابا التى تبلغ مساحتها 1090 مترا مربعا، وبعد تعنت الإسرائيليين فى تسليمها لمصر، وبعد جولة من المفاوضات المرهقة معهم، دون الوصول لحل، استطاعت مصر عبر التحكيم الدولى ومن خلال فريق عمل على أعلى درجات الكفاءة، الحصول على حكم بات فى 29 سبتمبر عام 1988، منطوقه أن وادى طابا بأكمله وبما عليه من إنشاءات سياحية ومدنية هى أرض مصرية خالصة. وهذا يدل على حنكة وخبرة وكفاءة الخبراء المصريين.

إننا أصحاب الحق بالقانون والمنطق والتاريخ، فلم تسع مصر فى أى يوم للجور على أحد، وأيضا يشهد التاريخ أنها لم تفرط فى حقها والشواهد كثيرة، فماذا ينقصنا؟ نعم الملء الثانى لن يؤثر علينا، وأمامنا وقت حتى يكتمل ملء السد بالشكل المؤثر، حتى ذلك الوقت، لابد من استغلال كل الفرص المتاحة وهى ليست قليلة، لتسويق رؤيتنا الناشئة من وجود حق أصيل وثابت عبر التاريخ وموثق بالاتفاقيات الدولية، تسعى من خلاله مصر بكل السبل القانونية وهى معروفة لتأكيد حقها، ولتعرية الموقف الإثيوبى وكشف جورهم على حقوقنا.

على المستوى الشعبى نمتلك ملايين الحسابات على فيس بوك وتويتر، وجب علينا استغلالها لمخاطبة شعوب العالم، الذى أمسى قرية صغيرة للغاية، كما يجب تعرية صاحب نوبل للسلام، الذى لم يتورع عن إبادة شعبه فى واحدة من أبشع حروب التطهير العرقى.

ويجب أن ينتقل الحديث مع أنفسنا إلى الحديث مع الآخر، لكشف زيف الموقف الإثيوبى، ليس ذلك فقط، بل يمتد الحديث لكشف الممولين المستمرين فى تمويل السد الذى تخالف بلده كل المواثيق والأعراف الدولية المنظمة للأنهار، فسكوت العالم على ذلك الفجور، سيعدو سابقة يمكن تكرارها فى أنهار أخرى كثيرة، ويجب أن يعرف الإثيوبيون أننا لن نسكت عن حقوقنا، كما يجب أن تعى كل الأطراف الدولية خطورة الموقف، وأن تضطلع بمسئوليتها وفق القانون الدولي.

[email protected]
لمزيد من مقالات عماد رحيم

رابط دائم: