رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

الانتعاش رغم الكورونا

يبدو أننا لن نستيقظ ذات صباح ونجد أزمة الكورونا قد اختفت وذهبت إلي غير رجعة، وما علينا إلا أن نعود إلي ما كنا معتادين عليه. قبل عام كان ذلك حلما ذائعا، ولفترة طويلة ساد الاعتقاد أن الموضوع ليس أكثر من كابوس سوف ينقضي أمره مع طلوع النهار. ولكن أما وقد أصبحنا في الشهر الرابع من السنة الثانية بعد الجائحة فإن المؤكد هو أن الأمر ليس كذلك، وأن ما قاله لنا العلماء من تعقيد مركب الفيروس، وحاجته إلى دراسات طويلة، ومواجهة ما سوف يعتريه من تقلب في الأشكال وطرق الهجوم على الإنسان، سوف يحتاج وقتا لا يمكن تحديده باليوم والساعة. الحصول على اللقاح يحتاج تجارب طويلة، والتوصل إلى علاج لا يقل حاجة إلى التجربة، والمواجهة كلها تعاني من مفاجأة الأزمة بكافة تفاصيلها من البداية حتي الآن. ثبت أن التوصل إلى اللقاح لا ينهي الأزمة، فقد برهن لقاحا – استرازينيكا وجونسون أندجونسون - على الأقل حتي الآن أن هناك ضرورة إلي انتزاع فترة سكون ومراجعة وإعادة التفكير. المسار الذي يبدو أن الدول المختلفة، وبسرعات متنوعة، توصلت إلى المضي قدما في إنتاج اللقاح الممكن وتوزيعه؛ والفتح التدريجي للطاقة الاقتصادية مع ارتفاع نسب الذين اكتسبوا المناعة؛ والمحافظة على حد ما للاحتراز، فلا توجد إمكانية حتي الآن في العودة إلي ما كنا عليه في التجمعات الكبيرة، ومناسبات الأحضان الكثيرة. هذا هو المعتاد الجديد الذي جري الحديث عنه مرارا؛ وهو في حقيقته إما سيكون دائما، أو أنه سوف يأخذنا إلى معتاد دائم. ما لم يعد ممكنا الاستمرار فيه هو حالة الركود الاقتصادي العالمي لأنه لم يعد فقط حالة اقتصادية، ولكنها تتحول تدريجيا إلى حالات اجتماعية وسياسية وهذه أكثرها أهمية لأنها تتضمن احتمالات للعنف واستخدام السلاح. الجانب الوحيد المضيء في الصورة هو أن الأزمة لا تخص دولة أو تحالف دول دون غيرها، هي معركة لا يوجد فيها جبهات محددة ومعروفة، هي لا تعرف الاعتبارات الجيو سياسية التي تعرفها الدول بخطوط الطول والعرض، والموقع من البر والبحر، والقدرة الاقتصادية والتسلح.

أما وقد بات ذلك كذلك، فإن التفكير العالمي يدور أولا حول البحث عن حالة من التهدئة في نزاعات كثيرة، الحمقى وحدهم هم الذين يتعنتون ويدفعون في اتجاهات صدامية. الأصوات العالية بين إيران والولايات المتحدة تخفي رغبة عميقة في السعي إلى توافق علي عودة الاتفاق النووي الذي كان. انسحاب الولايات المتحدة من أفغانستان في سبتمبر القادم سوف يضع نهاية لحرب طالت كثيرة. عودة طالبان إلى الساحة سوف يكون لها نتائج سياسية واستراتيجية واسعة تحتاج معالجة في مقال آخر. ومهما يكن التوتر قائما بين الولايات المتحدة في ناحية والصين وروسيا في ناحية أخري فإن بايدن يريد لقاء بوتين؛ وواشنطن وبكين تبحثان جديا في التعاون من أجل حل أزمة المناخ. ثانيا تكاد تتفق غالبية دول العالم على ضرورة تشجيع الطلب. كان ذلك معروفا منذ بداية الأزمة حيث دفعت الحكومات بمقادير هائلة من الأموال إلى المواطنين حتى تظل السوق حية؛ والآن فإن البقاء لم يعد هدفا كافيا وإنما الانتعاش والنمو الاقتصادي. الولايات المتحدة كما هي العادة، والآن معها الصين، تقودان الفكر العالمي في هذا الاتجاه. في الربع الأول من العام الحالي حققت الصين معدلا للنمو أكثر من ١٠٪، الولايات المتحدة دفعت بمال قدره ١.٩ تريليون دولار للقضاء على كوفيد أو قدر كبير من ذلك، والآن فإنها بسبيلها إلى إنفاق ٢.٣ تريليون دولار لتجديد البنية الأساسية الأمريكية. المعني هنا هو تشجيع وتحفيز العرض والطلب على النمو بإنفاق واسع للدولة؛ وبينما يتم ذلك في دول عن طريق شركات عامة، فإنه في الأغلب الأعم يتم عن طريق دفع القطاع الخاص للإنفاق أيضا والتوسع في الاستثمارات الجديدة. وثالثا أنه كما تكرر كثيرا أنه كما في الأزمات أخطار، فإن الفرص تنجم عنها. وأكثر مولدات الفرص جاءت من التنظيم الجديد للتعامل مع الحياة والوظائف الضرورية في المجتمع بما فيها من تقشف وتأكيد على النظافة والاستخدام الرقمي وإعادة التفكير الجدي في أمور كانت مستعصية، ثم باتت أكثر سهولة بكثير من التعامل مع الوباء. وفي الشهر الماضي دخل ٩١٨ ألفا، أو قرابة المليون، إلى سوق العمل في الولايات المتحدة، وهذه أرقام غير مسبوقة. ولا توجد صدفة أن تنبؤات صندوق النقد الدولي لنمو في العالم يشير إلى درجة من التفاؤل غير معتاد، حتي مع استمرار البلاء وما صاحبه من خيبة أمل كبيرة.

لحسن الحظ أن السياسة المصرية استمرت على هذا المنوال منذ العام الماضي وحتى الآن، حيث تم الحفاظ على توازن كبير بين مكافحة الجائحة، والاستمرار في عملية التنمية وفق البرامج التي كانت مقررة من قبل. لم تكن المسألة فقط تجديد البنية التحتية، أو بناء بنية تحتية جديدة، ما حدث كان كلاهما معا وبطموحات كبيرة. ولن يكون مستغربا إذا ثبت فيما بعد أن نسب الإصابة بالفيروس بين العاملين في المشروعات القومية كان أقل من المعدل المصري العام لأن الدولة كانت يدها قوية لتنفيذ المشروعات، وتطبيق أساليب الاحتراز المختلفة. وبعد عام من الأزمة فإن شهية المشروعات لم تتوقف ووصلت إلى مدينة الدواء والدلتا الجديدة والتوسع في القطارات السريعة مع إصلاح تلك التقليدية. لم تستسلم الدولة لضغوط تأجيل المشروعات من نافذة الأولويات، وإنما ضاعفت ليس فقط من جهدها، وإنما في بقاء الطلب والسوق المصرية فاعلة من خلال زيادات في الرواتب والمعاشات. ولم يكن تجاوب وتحمل الجمهور المصري ممكنا إلا من خلال رؤية نتائج السنوات الخمس الماضية، والشعور بأن هناك مشروعا مصريا كبيرا في طريقه إلى البزوغ، أو أن ألوانه وأضواءه ظهرت بالفعل. وإذا كانت الدولة تحتاج أمورا في هذه المرحلة فإن أولها طرح ما سوف يكون واقعا خلال السنوات الخمس المقبلة؛ وتعبئة الاستثمار الخاص المحلي والأجنبي بأكثر مما فعلنا حتى الآن.


لمزيد من مقالات د. عبدالمنعم سعيد

رابط دائم: