رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

المسلمون والسؤال الغائب

لم يتوقف العقل المسلم أبدا عن تجديد الفكر الديني، وأتصور أن ما استحدثه الفاروق عمر فى ولايته أميرا للمؤمنين كان جديدا على المسلمين، مثل تعطيل بعض الأحكام وتغيير مفاهيم، والعمل بالتقويم الهجرى وتأسيس الدواوين..الخ.

وهذا التجديد هو الذى قاد المسلمين الأوائل إلى صناعة واحدة من الإمبراطوريات الكبرى فى التاريخ الإنساني، قادمة من الصحراء الجافة، لكن الترف والكسل والاسترخاء بالضرورة هى فيروسات التآكل فى أى حضارة، فتسقط مهما طال بها الزمان، ومنذ انهيار الحضارة العباسية دخلت المنطقة العربية حزام زلازل من العتمة العقلية، لم تتمكن عقول متفردة ومنيرة أن تبدد تلك العتمة، إذ تكاثر فيها حراس أشداء كما تتكاثر الخلايا الأولية بالانقسام، حراس عملوا على تديين حياة الناس، وليس تعليمهم صحيح الدين، فأشاعوا أن الدين صعب الفهم، والتوصل إلى جوهره عملية معقدة لا يسلك دربها الصحيح إلا المتفقهون والمتخصصون ومن فتح الله عليهم من علمه، وأن بقية خلق الله فى حاجة دائمة إلى من يرشدهم فى تصرفاتهم وأعمالهم للتفرقة بين  الخير والشر، وإذا تركوا لأنفسهم فسوف تتقاطع عليهم السبل ويختلط الحلال بالحرام، ويسقطون فى وحل الخطايا، فتفسد عليهم الحياة الدنيا ويخسرون آخرتهم ايضا.

ولم يسأل المسلمون أنفسهم سؤالا بديهيا: هل رسالة السماء نزلت من الله إلى رسوله ومنه إلى الناس جميعا دون تفرقة بينهم أم نزلت من الله إلى رسوله ومنه إلى خاصة المسلمين من شيوخ ودعاة وعلماء ورجال دين وتنظيمات دينية ليتكفلوا هم بعد وفاة الرسول بتوصيلها لعموم المسلمين الجاهلين بدينهم شرحا وتفسيرا؟

الإجابة واضحة تماما فى القرآن الكريم وبدقة متناهية فى آيات كثيرة، فكل إنسان مسئول أمام الله مسئولية مباشرة، ولن يغنيه عن الحساب أى مرشد مهما كان، فالبشر سواسية أمام الله، العالم والجاهل، والجاهل مسئول عن جهله، وليس عما يقال له من فتاوى، فالمسلم مكلف تكليفا كاملا بمعرفة دينه بنفسه، «فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره»، ولم يحدد الله إن كان هذا الإنسان قد اتبع مرشده أو مفتيه أو لم يتبعه، لأن كل امرئ كتابه بيمينه، دون شيخه ولا داعيته.

ويقول  عبد الرحمن الكواكبى فى كتابه «أم القرى»: إن أصل الإيمان بوجود الصانع الحكيم القدير أمر فطرى فى البشر، وأن هذا الأمر لا يحتاجون فيه إلى الرسل وإنما حاجتهم إلى الرسل هى فى الاهتداء إلى كيفية الإيمان بالله كما يجب من التوحيد والتنزيل.

ولهذا لا وساطة بين العبد وربه فى الإسلام، والأسباب كثيرة وميسرة.

الإسلام فى جوهره دين بسيط وسهل للغاية، وليس صعبا على الإطلاق كما عمل ويعمل كثرة من رجال الدين على تصعيبه، أن تؤمن بالله ورسله وكتبه واليوم الآخر وأن تصلى وتصوم وتزكى وتحج  إلى البيت الحرام إذا كنت قادرا على ذلك، وأن تلتزم بما أمرك به الله من قيم ومكارم أخلاق فى حياتك وعملك ومع الآخرين أيا كانوا، بمعنى العدالة مع الذات والعدالة مع الآخر، عدالة مع الذات، بأن يجنبها الإنسان عذاب الآخرة بطاعة الله وعبادته، وعدالة مع الآخر، بألا يضر  نفسه ولا يضر الغير بأى شكل مهما كان ضئيلا وهشا، وبالطبع هى موازنة ليست فى المتناول، خاصة عند تضارب المصالح، لكن لها قواعد موضوعة وحاكمة فى الكتاب والسنة المؤكدة، وهى انتقاء الحلول الوسطية التى تفيد الأطراف المتصارعة معا دون ايقاع أى ظلم، وإذا واجه الإنسان موقفا يتشابه فيه الخير والشر، ويختلط عليه الأمر، يجب أن يتجنبه تماما ويبتعد عنه كليا، وإذا كان الاختيار حتميا ولا مفر منه،  فيختار المرء ما هو أقرب إلى مكارم الأخلاق الذى لا يتأذى فيه طرف أضعف ولا ينتج عنه ظلم دائم، ولهذا النية هى أصل العمل، بمعنى أن الإنسان الطبيعى لا يخدع نفسه ويمكنه إدراك الغرض الدفين فى نفسه من تصرفه وسلوكه واختياراته، بغض النظر عن أسباب الآخر الذى تتضارب معه المصالح، نعم هذه مثالية..وهذه هو ما يحضنا عليه الإسلام سواء نجحنا فيها أو سقطنا فى فخ النفس الأمارة بالسوء.

 وقد مهد الله كل الدروب للوصول إليه، أما العراقيل والأزمات والبلاءات فهى اختبار لقدرة الإنسان على تنفيذ التكليف، أى قدرته على الاختيار بين الحق والباطل، الصواب والخطأ، الحلال والحرام، الخير والشر، مهتديا بالقيم التى ألزمه بها الله فى كتابه وسيرة رسول الإسلام، والتى تتفق وكل القيم النبيلة التى صاحبت الإنسان على الأرض، وهى الدليل لتصرفاته العامة والخاصة التى تربطه بالجماعة التى يعيش فيها سواء كانوا على دينه أو على غير دينه، من طبقته الاجتماعية أو من طبقة أخرى، وكذلك مع الجماعة التى تخصه فى دائرته الضيقة آباء وأمهات وأولاد وأزواج وأخوة وأقارب.

إذن أين التعقيد الذى ليس هو من الدين؟

طبعا ثمة كثرة من المسلمين لا يلتزمون بهذا النهج وقد لا يفهمونه، وربما لا يعرفونه، وقال فيهم الإمام محمد عبده عند زيارته أوروبا فى نهاية القرن التاسع عشر: «رأيت إسلاما دون مسلمين، وفى بلادنا مسلمون دون إسلام»،  وقال «إن المسلمين زيفوا تعاليم الدين السمحة الواضحة، ودرج شيوخهم على «شكليات» قطعية تنبئ عن وساوس ارتيابية، إذ تجعلهم يسرفون فيفترضون بشكل تلقائى أبعد فروض الاحتمالات، ويلاحظون أدق تفاصيل العبادات من خارجها.

عبارة جامعة مانعة تلخص أزمة الشرق الإسلامى كله، أمم غارقة فى المظاهر دون جوهر العمل، لا تفهم مقصد شريعتها فى إعمار الكون وكيفية التعامل مع أنفسهم ومع الآخرين، بقدر ما تفهم «الشكل» الصارخ الذى تتخذه لتعلن على الملأ: نحن المسلمين، دون أن يلزموا أنفسهم بقيم الدين الحنيف: من الجدية فى العمل، وإتقانه، والشفافية، والوضوح، والحرص على الوقت، وعدم الغش، والأمانة فى المعاملة، والصدق فى القول والفعل، وعدم الاستغلال، وعدم الإضرار بمصالح الأخرين سواء كانوا من دينهم أو مخالفين لهم فى الدين..الخ.

وهى قيم التقدم فى كل حضارة وقيم السلوك الصحيح فى الدين


لمزيد من مقالات نبيـل عمــر

رابط دائم: