رئيس مجلس الادارة

عبدالمحسن سلامة

رئيس التحرير

علاء ثابت

رئيس التحرير

علاء ثابت

الاستبداد الرقمى العالمى.. من يحمينا منه؟

من يحمينا من تسلط بعض شركات التكنولوجيا العالمية واستبدادها؟وكيف نضمن حقنا فى الخصوصية؟ ومن يمنع هذه الشركات العملاقة من مراقبتنا طوال الوقت وتحليل كل أفعالنا ومشاعرنا على شبكات التواصل الاجتماعى بدءا من الإعجاب «الليكات» ومرورا بمشاركة ما نستحسنه «الشير»، وانتهاء بما نكتبه «البوستات والتعليقات »؟بل يصل ذلك الى مراقبة دردشاتنا عبر «ماسنجر» والتى تصفها هذه الشركات بأنها خاصة، ومن يضمن لنا حقنا فى التواصل مع أصدقائنا؟ فهذه الشركات يمكنها أن تحجب ظهورنا على شبكات التواصل الاجتماعى حتى لو كنا بقوة ترامب!

هذه الأسئلة أثارتها التجاذبات بين «واتساب» ومستخدميها، خلال الأيام القليلة الماضية بشأن تغيير سياسة الخصوصية فى هذا التطبيق، وهو ما يحتاج إلى تفصيل أكثر: «الرسائل والمكالمات مشفرة تماما، بحيث لا يستطيع أحد خارج هذه الدردشة وحتى شركة واتساب نفسها، قراءتها أو الاستماع إليها» هذا التنبه يقرأه مستخدمو «واتساب» عند استخدام هذا التطبيق الذى يؤكد حماية الخصوصية، مما جعل الملايين تثق فيه.ولكن فى يناير الماضى أعلن المسئولون بالتطبيق عن تحديثات جديدة على سياسة الخصوصية مصحوبا بالتهديد بمنع مستخدميه من استعمال حساباتهم، إذا رفضوا الموافقة على شروطه الجديدة. وتسمح السياسة الجديدة لـ"واتساب" بمشاركة بعض بيانات مستخدميه مع شركة "فيسبوك" المالكة للتطبيق وتخصيص مساحة للتفاعل مع الإعلانات.

وقد قوبلت التغيرات الجديدة بانتقادات واسعة النطاق عبر مواقع التواصل الاجتماعي، إذ اعتبرت بمثابة انتهاك لخصوصيتهم. ومع ذلك، أعلن واتساب أنه سيمضى قدما فى فرض هذه التغييرات على شروط استخدامه.

وذكر إن البيانات التى يشاركها مع شركته الأم «فيسبوك» لا تتضمن الرسائل أو المجموعات أو سجلات المكالمات.والحقيقة أن واتساب يشارك بالفعل معلومات عن مستخدميه مع فيسبوك، مثل عنوان الـ IP الخاص بالمستخدم، ومعلومات عن الهاتف، إضافة إلى عمليات الشراء عبر هذا التطبيق. ولكن هذا الأمر لا ينطبق على المستخدمين فى أوروبا ، بسبب وجود قوانين خصوصية مختلفة هناك.

يرى الخبراء أن هذه القضية تسلّط الضوء على عدم وعى المستخدمين بكيفية استخدام بياناتهم.وفى التحليل الأخير فإن شركات التكنولوجيا العملاقة تستفيد من بياناتنا وتبيعها لشركات أخرى بشكل و بآخر، واذا أردت دليلا على ذلك فقم بتجربة بسيطة وهى البحث عن أى منتج عبر جوجل، فستجد إعلانات عن ماركات لهذا المنتج تظهر لك فى أى تطبيق إلكترونى تستخدمه «فيسبوك، بريد إلكترونى ،محرك بحث .. الخ» ولكن لا نستطيع رفع دعوات قضائية ضد هذه الشركات، لأنها تطلب منا الموافقة مسبقا على شروط استخدام التطبيقات قبل ان تتيح لنا استخدامها وغالبا يوافق معظمنا على هذه الشروط بدون قراءتها.

إن هذا القلق من مراقبة شركات تكنولوجيا المعلومات لنا والخوف على خصوصيتنا ليس هاجسا شخصيا وإنما عبرت عنه منظمات كبرى معنية بحماية حقوق الإنسان، ومنها منظمة العفو الدولية التى ذكرت، فى بيان أصدرته يوم 21 نوفمبر 2019، أن "المراقبة التى تقوم بها شركتا الفيسبوك وجوجل فى كل مكان لمليارات الأشخاص إنما تشكل تهديداً ممنهجاً لحقوق الإنسان".وطالبت بحدوث تغيير جذرى فى صلب أعمال عمالقة التكنولوجيا،انطلاقا من أن "نموذج العمل المستند إلى المراقبة من قبل فيسبوك وجوجل يتعارض بطبيعته مع الحق فى الخصوصية، ويشكل تهديدًا ممنهجاً لمجموعة من الحقوق الأخرى بما فى ذلك حرية الرأى والتعبير، وحرية الفكر، والحق فى المساواة وعدم التمييز". بل إن كومى نايدو، الأمين العام لمنظمة العفو الدولية،وصف هذه السيطرة الرقمية بالمشينة ، وذكر فى البيان نفسه: أن شركات التكنولوجيا العملاقة مثل جوجل وفيسبوك تجمع البيانات الشخصية لمليارات الأشخاص وتحقق المكاسب منها. وإن "سيطرتهما المشينة على حياتنا الرقمية تقوض جوهر الخصوصية، وهى واحدة من التحديات المحددة لحقوق الإنسان". مطالبا بضرورة أن يكون هناك إصلاح جذرى للطريقة التى تعمل بها هذه الشركات. تكمن المشكلة الأساسية فى أن الإنترنت أمر حيوى بالنسبة للناس للتمتع بالعديد من حقوقهم، لكن مليارات الأشخاص ليس لديهم خيار حقيقى سوى الوصول إلى هذا الفضاء العام بشروط تمليها شركات التكنولوجيا العملاقة. فنحن اذن محاصرون بين خيارين أحلاهما مر،إما أن نخضع لآلية المراقبة المنتشرة هذه - حيث يتم اختراق بياناتنا بسهولة للتلاعب بنا والتأثير علينا - أو التخلى عن فوائد العالم الرقمي. وهذا لا يمكن أن يكون خياراً مشروعاً. فيجب علينا استعادة هذا المساحة العامة المهمة، حتى نتمكن من الاستفادة من العالم الرقمى دون انتهاك حقوقنا.

«وللحديث بقية»


لمزيد من مقالات د. محمد يونس

رابط دائم: