من جديد يعود إلينا شهر رمضان بكامل بهائه ونقائه وهدوئه وروحانياته والابتسامة على وجوه المارة الذين جهزوا أنفسهم لاستقباله والترحيب بالنفحات الطيبة التى بثها الله فى الأرض عبر شهر التقوى والرحمات، وقد خص المولى سبحانه وتعالى الشهر الكريم بمزايا عديدة، فهو من الأشهر التى تجتمع فيها الطاعات، ويعتنى العبد بغذاء الروح، ويسمو عن الشهوات، ويعمل على تربية نفسه، والرقى بروحه.
ولا شك فى أن هذه الروحانيات تضفى على النفس حالة من السمو والصفاء والطمأنينة والقرب من الله والإحساس بجوده وكرمه ووجوده قريبا منا يقينا واطمئنانا، ويذكرنى رمضان بطفولتى وسط عائلتى أبى المرحوم د. محمد عبدالمنعم قنديل وأمى أطال الله فى عمرها، وكيف كانا فى رمضان يزرعان فى ضمائرنا أنا وإخوتى قيما لا تُنسى، ونصائح وفضائل، كانت درسًا خاصًا يناسب قيمة الشهر الفضيل، ويلعب دورًا كبيرًا فى مساعدة النفس ودعمها لترقى وتسمو، فنشعر بموقف الفقير والمحتاج، وكان أول الدروس أن نأخذ مما ندخر لنقدم به أى شيء ولو كان بسيطًا للمحتاجين، مما يعزز فى نفوسنا قيمة الإنفاق مما نحب، لنرسم ابتسامة على وجه إنسان فنشعر بعدها بأن هذه الابتسامة بمثابة النور فى درب الحياة، ومكافأة الخالق التى تعد أكبر مما قدمناه.
واليوم مع دوران عجلة الحياة، أستعيد المشهد وأحاول وأنا أب أن أزرع القيم ذاتها فى نفوس ولديّ الحسن والحسين، وبالطريقة ذاتها التى علمنى بها أبى معلمى الأول، علنى أقدم لهم درسًا ينير طريقهم ويرسخ فى نفوسهم قيمة تستمر معهم فى حياتهم، لنعلى قيمة التكافل الاجتماعي، تلك القيمة التى أمرنا بها ديننا الحنيف، عبر وسائل عدة، منها مثلا تبرعنا بالملابس التى لا نستخدمها ويحتاجها غيرنا، ومنها إطعام الطعام وبذل الصدقة، ودعم المستشفيات التى تعالج أهلنا وأطفالنا. ولأن هذا العام هو الثانى على التوالى الذى تجتاح فيه جائحة كورونا، العالم بأسره، وقد أثرت على الحياة الاجتماعية الحميمة التى كانت تبرز أكثر فى شهر رمضان، أصبح علينا أن نمتثل للاختبار السماوي، وأن نطيع رب السماء الذى أمرنا بألا نلقى بأيدينا إلى التهلكة، وقد بدا واضحا أن عدواها تنتشر كالنار فى الهشيم، لذا فإن تجنب نقل العدوى واجبٌ وطنى وفرض من السماء، فيجب علينا أن نلتزم التزاما تامًا بجميع الإجراءات التى تقينا هذا الشر، ونبتعد عن التجمعات المعتادة ونلغى العزومات، وعلى الرغم من صعوبة هذا الأمر على النفس، حيث اعتاد المصريون على أن يلتفوا حول الموائد فى رمضان، وأن تجتمع العائلة على الإفطار بحيث يكون الأحبة والأصدقاء والجيران وزملاء العمل والدراسة حول الموائد، فرضت علينا جائحة كورونا واقعًا مغايرًا وقاسيا فى شتى الأمور، وصار كل منا يلزم بيته ويكتفى بوجود أسرته، سواء فى الإفطار أو أى تجمع خاص، برغم كل ذلك فإنه يمكننا استغلال هذا الواقع الجديد فى أمر إيجابى بدلا عن غضاضة النفس حيال ذلك، وتكمن الإيجابية هنا فى تأكيد قيمة العطاء المرتبط بالشهر الأكرم، أى العطاء الجزيل بالخير الوفير، واستغلال توفير العزومات بالمشاركة فى وجباتٍ تُقدم لمحتاجين، خصوصًا فى ظل إلغاء موائد الرحمن وليكن هذا شعار رمضان هذا العام «عزومة سعادة»، بحيث نرسل كل يوم إفطارًا لأسرة محتاجة، «ابتغاء مرضاة الله» ويساعدك أبناؤك فى تجهيزها وتحضيرها بل وإرسالها لتعزز لديهم قيمة العطاء، فيزداد الترابط الاجتماعى ويزداد الثواب وتعم البركة فى الوطن والمواطنين، وكل عام والجميع بخير ومصرنا عزيزة غالية بتماسكنا وتعاضدنا، وتكاتفنا من أجلها وطنًا قويًا عزيزًا كريما سالمًا من كل سوء.
لمزيد من مقالات د. خالد قنديل رابط دائم: